وابتسمت له في إشفاق. المجتمع! ذلك المارد الجبار الذي يقبض على أعناق النساء ويلقي بهن في المطابخ أو المجازر أو القبور أو الوحل! ها هو المجتمع ملقى في درج مكتبي ضعيفا منافقا مسترحما! ألا ما أصغر المجتمع الكبير!
جلست وحدي ونظرت إلى الساعة، كانت لا تزال التاسعة مساء، أول الليل، والحياة على أشدها في الطريق.
ووقفت وأخذت أتمشى في الحجرة حائرة، ووصلت إلى النافذة فلفحت وجهي نسمة الليل الدافئة الحالمة.
ونظرت إلى الشارع فرأيت الناس يسيرون متلاصقين يتكلمون ويعبسون ويضحكون، ونظرت إلى نفسي فوجدت أنني أطل عليهم من فوق؛ من مكان عال حقا، ولكن بعيد.
وأحسست ببرودة شديدة، كأنني أجلس على قمة عالية يكسوها الجليد. أنظر فوق رأسي فلا أرى إلا السحب والسماء، وأنظر تحت قدمي فأرى مسافة طويلة تبعدني عن الوديان السهلة المنبسطة، عن السهول المنخفضة الدافئة بأنفاس البشر وأجسادهم، وأرى الناس وهم يلوحون لي بأيديهم من بعيد ولكن أحدا لا يصل إلي، ويعزفون لي الألحان ولكن الصوت لا يصل إلى أذني، ويلقون لي بالورود ولكن العبير يضيع في الهواء.
ووضعت رأسي على سور النافذة.
ما أبرد الوحدة! ما أقسى السكون! ماذا أفعل؟ هل أقفز من فوق قمتي؟ ولكن عنقي سيدك في الأرض دكا.
هل أعود أدراجي؟ ولكن عمري سينقضي ولن أبلغ ما أريد.
انتهت المعارك وآن لي أن أجلس بلا حراك.
آه، ما أفظع الفراغ!
Неизвестная страница