وجلست تحادثني عن الشرق وعن مصر، ولقد أخبرتني أنها ذهبت إلى تركيا ودخلت الحريم التركي، وجعلت كالكثيرين من ابناء جنسها تمتدح هذه السعة الشرقية وهاتيك النساء المكسالات، وكم وصفت لي ما رأت من بسط ذات قيمة وأستار وأقمشة، ثم لما جاء دور مصر سألتني ما لو كانت الحياة هناك كما في تركيا، ولكن ما أسرع ما تركنا هذا الموضوع لنتكلم عن مخلفات المصريين القدماء، عن الاهرامات وعن الكرنك وعن الموميات القديمة، وكأنا نحن المصريين لا نجد في الحاضر ما يستحق أن يذكر فيسرنا أن نبقى نتمدح بالأيام الخالية وآثارها، فتركت لنفسي العنان أذكر كل ما أعرف عن بقايا أجدادي الفراعنة وأظهر ما تحويه معلوماتي الضيقة عن عظمتهم التي كانت.
وانتهى العشاء في هذا وسواه من بعض الحديث مع بقية من على المائدة، فانتقلنا إلى الصالون، وجعلنا نتحدث ويحكي كل بعض ما يعرف، وقد انفصل عن الجمعية إلى ركن منفرد المسيو ج. ب. ومدام ه.ج. وبقيا هناك يتحدثان وحدهما، ولقد شغل ما ظهر من الروايات الجديدة القسم المهم، وأثنت ربه المنزل على كتاب (بواليف) «الفتاة الحسنة التربية»
La jeune fille bien elvée
وعطفت بكلمة على المؤلف نفسه قائلة إنها قابلته، وإنه رجل ظريف ولطيف، فلاحظ أحد الحاضرين مبتسما: لعل ظرفه ولطفه دخل في تقدير السيدة لكتابه.
ثم انتقلوا إلى الحديث على التياترات وما يمثل فيها، وأخيرا قامت إحدى السيدات إلى البيانو وعزفت عليه جملة قطع منها، وربما كانت أحسنها قطعة (سويبه) الشاعر والفلاح
ونحو الساعة العاشرة ونصف استأذن بعض الحاضرات وانصرفن، وبعد أن انتهت ضجة انصرافهن سألني المسيو ل. ب. وهو شخص لم أعرفه من قبل عن بعض ما يخص الديانة الإسلامية، ولما انتهيت من جوابي أخذ يتكلم بعدي المسيو ج. ب. فقال: ما أقرب الأديان جميعا من بعضها؛ لذلك أحسبني أتنبأ لها جميعا بمصير واحد، وهو أنها ستضطر يوما ما لأن تطأطأ أمام العلم وما يثبت من الحقائق المبنية على الملاحظة والنظر، وأحسب أن الدين قد قام إلى اليوم بأكبر ما يجب عليه فآن له أن يتنحى لما هو أصلح منه للبقاء.
فأجابه آخر من الجماعة: أظنك تغالي بعض الشيء؛ فإنه لا يزال في الإنسانية جماعة يحتاجون التعاليم الدينية ليسيروا على مقتضاها، كما أنهم يحتاجون عقائد الدين لتكون لهم عزاء عند الشدائد، أرأيت لو أن الواحد من جماعة السذج ترك الاعتقاد ألا تراه ينغمس في الشهوات ويرتكب الجرائم، وإذا أصابته مصيبة أسرع إلى الانتحار، أو أنك تريد أن تقول لي كما يقول بعضهم: وماذا لو انتحر ثم ماذا لو انغمس في شهواته؟ أظنك تقدر مبلغ ضرر ذلك على الجمعية.
المسيو ج. ب: لا لا، أنا لا أقول لك: وماذا لو انتحر ثم ماذا لو أجرم، ولكني أقول لك إن الرجل مهما تجرد عن عقيدته فإن غريزة حب الحياة المراكبة فيه تمنعه منعا مطلقا عن الانتحار، وما كفت العقيدة الدينية يوما لتصد مجرما عن إجرامه، ولكنما تصده الأنانية الطبيعية في النفس، والتي تدفع الواحد إلى الاحتفاظ بما في يده، فهو يريد أن لا يعتدي عليه غيره، ولهذا السبب هو لا يعتدي على غيره، وإنما جعلك وجعل بعض الناس والكتاب يقولون: إنها العقيدة الدينية وتعاليم المسيحية هي التي تدفع لهذه الأمانة ولتلك الشجاعة؛ لأننا ربينا جميعا من الصغر على أن نقول ذلك، ويقف عقلنا عند هذه العقيدة فلا يستطيع أن يفكر بحرية في إيجاد طريق منتج لإصلاح المجرم أو لتطهير الجمعية من الفساد.
ولقد أدخلت هذه التربية الدين في تركيب الناس بالزمان، حتى أصبح مع أنه بنيان خاص أمام البنيان العام الذي هو الأخلاق
La morale
Неизвестная страница