290

Египет на рубеже XIX века (1801–1811) (часть первая)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Жанры

وفي أوائل فبراير 1809، خرجت عساكر كثيرة ... بقصد الذهاب إلى الفيوم، صحبة شاهين بك والألفية لمطاردتهم.

وقد ظل أولاد علي عدائهم للباشا، حتى مايو 1810، وكان - بعد أن نقض إبراهيم بك الصلح، ونكث شاهين الألفي عهده ، وخرج في 17 مايو جميع من كانوا بمصر (القاهرة) من الأمراء والأجناد المصرية قاصدين إلى الصعيد في ظروف سوف يأتي ذكرها - أن طلب أولاد علي الصلح والاتفاق مع الباشا، فقد عول الهنادي على اللحاق بشاهين الألفي ومغادرة إقليم البحيرة للانضمام إلى البكوات بالصعيد، وحاول الباشا أن يعترض طريقهم فركب ليلا وسافر إلى ناحية كرداسة (في 23 مايو) على جرائد الخيل، ولكنه لم يجد أحدا، فكان من أثر خروج الهنادي إلى الصعيد، أن حضر مشايخ عربان أولاد علي للباشا (في 27 مايو)، فكساهم وخلع عليهم، وألبسهم شالات كشميري عدتها ثمانية شالات، وأنعم عليهم بمائة وخمسين كيسا.

غير أن العامل الحاسم في تطويع العربان، وانفضاضهم على وجه الخصوص من حول البكوات المماليك، كان هزيمة هؤلاء في معركة اللاهون والبهنسا في يوليو وأغسطس 1810، ثم الإجهاز عليهم في مذبحة القلعة في أول مارس 1811، وتعقب بقاياهم وفلولهم في أنحاء القطر بالتقتيل والتشريد، والرعب الذي قذفته هذه المذبحة في قلوب العربان وغيرهم، وتيقن هؤلاء أن حكومة الباشا قد تدعمت أركانها نهائيا، وصار محمد علي سيد القطر، وانبسط سلطانه على أرجائه، فدانوا بالطاعة والخضوع التامين له، أضف إلى هذا أن الباشا عرف كيف يطمئن العربان على عاداتهم وتقاليدهم، وشرع يدير شئونهم في نطاق نظام يرعى هذه العادات والتقاليد.

وقد شرح «دروفتي» لحكومته في 20 يونيو 1811، مسألة العربان هذه، والإجراءات التي اتخذها أو يزمع الباشا اتخاذها معهم في قوله: «أرى من واجبي أن أذكر بعض ما يعن لي من آراء بشأن العربان المعتقد أنهم منحازون إلى الباشا، فقد بذل محمد علي جهده لربط هؤلاء به بروابط تخضعهم بشكل ما لسلطانه، وذلك بعد حملته الأخيرة ضد البكوات التي ساهم بعض العربان في إنزال الهزيمة التي حلت بهم ، فقد أراد قبل كل شيء أن يستبدل حياة التوطن والاستقرار، بحياة الظعن والانتقال التي يعيشونها، فأعطاهم عددا من القرى، ثم إنه عين بعد ذلك أحد ضباطه ليقوم بدور الحكم الوحيد لفض كل الخلافات التي تنشأ بينهم، وهذا الضابط مكلف كذلك بمعالجة شئونهم لدى الحكومة، ويرجو الباشا أن يقيم عليها رئيسا، وكان العربان قد بدءوا يعتادون على هذه الأوضاع عندما بعثت فيهم مذبحة المماليك روح الحرية والمقاومة القديمة، فانحازت قبيلتان منهم إلى جانب البكوات، واتخذ الباقون مواقفهم على حافة الصحراء؛ حيث صاروا يسلكون - على مألوف عادتهم - مسلكا مبهما يبعث على الشك في صدق نواياهم في علاقاتهم مع الباشا، ولكن محمد علي لا يبدو أنه متأثر بذلك، وفي كل مرة تحدث إلي في هذا الموضوع، أظهر لي أنه لا يحب أن يكون هذا السلوك المبهم موضع شكوك من ناحيتهم، بل يعتبرهم الباشا قوات عسكرية مساعدة في وسعه استخدامهم عند الحاجة، بدفع المرتبات لهم كما يجري مع طوائف الجند الأخرى، ولو أنه لا يعتمد عليهم في حالة وقوع غزو أجنبي، وعندما طفق منذ ثمانية أيام مضت يذكر لي الأعداد التي يتألف منها جيشه، لم يشر بشيء إلى العربان؛ لأنه يعرف جيدا أن العربان لن يتخلوا بتاتا عن المبدأ الرئيسي الذي تقوم عليه مناورتهم: الانحياز دائما إلى جانب المنتصر، ومحمد علي مشغول دون هوادة بالحملة المزمعة ضد الوهابيين ... وأما البكوات المماليك، فسوف يرغمهم فيضان النيل القريب على الانسحاب صوب الواحات، ويعتمد الباشا على هذا الظرف المناسب في جذب العربان إليه، وإغراء الأرنئود والعثمنلي وغيرهم الذين لا يزالون مع البكوات على الفرار من جيشهم وتركهم.» (3-5) فتنة عمر بك الأرنئودي

وواقع الأمر، أن تطويع العربان لم يستأثر من اهتمام محمد علي بمثل القدر الذي استأثر به تطويع الجند؛ لأنه كان من المتعذر القضاء على عناصر الشغب دفعة واحدة، وإخماد روح التمرد والعصيان التي تأصلت جذورها في صفوف الجيش من مدة بعيدة، لا سيما وأن حاجة الباشا الملحة إلى المال، وعجزه المستمر عن دفع مرتبات الجند بانتظام ، أو سدادها برمتها، قد أمد هؤلاء بالذريعة التي يتذرعون بها لعصيان أوامره، أضف إلى هذا أن تصميم الباشا على أخذ الجند بالشدة بعد فتنة أكتوبر 1807، للقضاء على عوامل الإخلال بالنظام في صفوف الجيش، أساء كثيرين من الرؤساء وكبار الضباط والجند العاديين، حتى إن نفرا من هؤلاء وأولاء، لم يلبثوا أن آزروا فتنة رجب آغا، أو غادروا الصفوف للالتحاق بمعسكر ياسين بك الأرنئودي، أو بمعسكر بكوات الصعيد، أو أنهم اتخذوا من تأخر مرتباتهم ذريعة للبقاء في القاهرة التي استمرأوا العيش بها، ينهبون ويسلبون، وصعب عليهم مغادرتها، في تجريدات لم يكن لهم بها حاجة ولا مأرب.

وقد ظهر هذا التمرد عقب حادث ياسين بك، وإخراجه من البلاد، عندما انتشر الخبر وراجت الإشاعات عن نزول جيش فرنسي في الشاطئ الشمالي، وأنفذ الباشا قسما كبيرا من الأرنئود وسائر أصناف الجند إلى دمياط ورشيد ودمنهور وسائر المواقع الهامة في الشاطئ وفي الدلتا عموما، فقد امتنع كثيرون من رؤساء الجند أنفسهم عن مغادرة القاهرة حتى يحصلوا على مرتباتهم المتأخرة، ولجأ الباشا إلى شتى الطرق لجمع المال لدفعها، حتى يستطيع إبعادهم وتفريقهم في شتى الأماكن النائية.

وكانت أولى الخطوات التي اتخذها الباشا لتطهير الجيش بعد ذلك، أن قطع مرتب الدلاة وأمر بإخراج جماعة منهم وترحيلهم، على اعتبار أنهم أعراب؛ أي ليسوا من الأرنئود، ولا حاجة له بهم ولعيثهم وإفسادهم وضجيج الأهلين بالشكوى منهم، وعزل كبيرهم «كردي بوالي»، وقلد مصطفى بك - من أقرباء الباشا - رياسة الباقين منهم، ثم ضم إليه طائفة من الأتراك، ألبسهم طراطير، وجعلهم دلاتية. وفي 8 أغسطس 1808، سافر كردي بوالي، وخرج صحبته عدة كبيرة من الدلاة.

ثم واتت الفرصة بعد ذلك للتخلص من عمر بك الأرنئودي، الذي تعصب لرجب آغا، وياسين بك، وكان عمر بك من كبار الأرنئود، ذوي الكلمة النافذة بينهم، اشترك في حوادث فترة الفوضى السياسية التي سبقت المناداة بولاية محمد علي، كما أسهم في الحوادث التالية، خلال الأزمات التي تعرضت لها حكومة محمد علي بعد ذلك، واعتقد أنه لا يقل عن الباشا نفسه جاها ومرتبة، وعرف الباشا بما أوتي من حنكة سياسية وعبقرية لإفساد خطط خصومه أو منافسيه في الحكم، كيف يتفادى شره بمداراته، حتى إذا انتهت أزمة الجند بسلام في أكتوبر 1807، وشرع محمد علي يتخذ الإجراءات التي نفرت جمهرة الرؤساء والجند منه، والتي وجب اتخاذها لكبح جماح الجند وتطويعهم، أظهر عمر الأرنئودي ميوله الصحيحة، وما يعتقده في نفسه من قدرة على معارضة الباشا ومناوأته.

وكان الحادث الذي أفضى إلى إخراجه من البلاد، أن الباشا في أوائل عام 1809 كان قد أنفذ رجاله يجمعون السفن في النيل، في بولاق وفي فروع النهر في الدلتا، استعدادا لإرسال تجريدة ضد بكوات الصعيد، فعثر أحد رجاله (قبودان بولاق) عند صهرجت، على مركب مشحونة بالغلال لأحد الأرنئود للتجارة فيها، وأصر القبودان على أخذ المركب قبل أن يبيع صاحبها غلاله ويعود بها إلى بولاق، فتشاجر الرجلان، وقتل القبودان، وأراد جماعته القبض على القاتل، ففر إلى قرية بها طائفة من الدلاة حموه، وخشي ملتزم البلدة، مصطفى آغا، من مغبة استطالة النزاع بين الفريقين، وما يلحق قريته من تخريب، فاقترح على الفريقين الذهاب إلى الباشا ليرى رأيه، وحضر المتنازعون إلى بولاق، ولكن القاتل لم يلبث أن هرب منهم، والتجأ إلى عمر بك الأرنئودي القاطن بها، فلما طالبه مصطفى آغا بتسليمه، امتنع عمر بك، وقال له: «اذهب إلى الباشا وأخبره أنه عندي، وأنت لا بأس عليك.»

ولكن الباشا عندما بلغه ذلك، استشاط غضبا، وأنب مصطفى آغا؛ لأنه لم يحتفظ بالقاتل وتركه يهرب، فاعتذر مصطفى آغا بعدم قدرته على ذلك من الدلاتية الملتجئ القاتل إليهم، وكأنهم هم الذين أفلتوه، فأمر الباشا بحبسه، وأرسل مصطفى آغا بالخبر إلى عمر بك، «فحضر إلى الباشا، وترجى في إطلاقه، فوعد أنه في غد يطلقه إذا حضر القاتل، فقال عمر بك: إنه عند أزمير آغا، وهو لا يسلم فيه، وركب إلى داره.»

Неизвестная страница