289

Египет на рубеже XIX века (1801–1811) (часть первая)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Жанры

ولما أرسل جماعة سليمان بك يخبرون بموت كبيرهم، وأنهم مجتمعون على حالتهم، ومقيمون بعرضيهم ومحطتهم على المنيا، وأنهم منتظرون من يقيمه الباشا رئيسا مكانه، فعند ذلك أرسل الباشا إلى شاهين بك الألفي يعزيه، ويلتمس منه أن يختار من خشداشينه من يقلده الباشا إمارة سليمان بك، فيتشاور شاهين بك مع خشداشينه، فلم يرض أحد من الكبار أن يتقلد ذلك، ثم وقع اختيارهم على شخص من المماليك يسمى يحيى، وأرسلوه إلى الباشا، فخلع عليه، وأمره بالسفر إلى المنيا ، فأخذ في قضاء أشغاله وعدى إلى بر الجيزة.»

ولكن أمد مقاومة ياسين بك في المنيا لم يطل، فقد شجعه بعد مقتل سليمان بك على الصمود، فرار قسم من جند بونابرتة الخازندار من جيشه، وانضمامهم إلى ياسين بك عند وصولهم إلى المنيا، واستنادا على هذه النجدة التي جاءته، قرر ياسين القيام بحركة خروج مسلح من المنيا، تكللت بالنجاح، وفقد المماليك أربعة من رؤسائهم، وقتل كثيرون من رجال شاهين الألفي، بيد أن قصور تفكيره السياسي سرعان ما أوقعه فريسة لأطماعه؛ فقد أرسل إليه بونابرتة الخازندار «يستدعيه إلى الطاعة، وأطلعه على المكاتبات والمراسيم التي بيده من الباشا خطابا له وللأمراء الحاضرين والغائبين المصرية؛ أي البكوات المماليك، وفي ضمنها إن أبى ياسين بك عن الدخول في الطاعة، واستمر على عناده وعصيانه، فإن بونابرتة والأمراء المصرية يحاربونه.» غير أن هذا التهديد ما كان يكفي وحده لإقناع ياسين بك بالتسليم، فقال «دروفتي»: إن هذا إنما أغراه على التسليم، والوقوع في الشرك الذي نصبه له الباشا، وعد محمد علي له بإعطائه باشوية جدة، وتوليته قيادة الجيش الذاهب لقتال الوهابيين في الحجاز، فانخدع ياسين بهذه الوعود، ونزل على حكم بونابرتة، وحضر عنده بعد أن استوثق منه بالأمان. وفي 13 فبراير «وصلت الأخبار بذلك إلى مصر (القاهرة)، وخرجت العربان المحصورة بالمدينة، بعد أن صالحوا على أنفسهم، وفتحوا لهم طريقا، وذهبوا إلى أماكنهم، واستلم بونابرتة المنيا، فأقام بها يومين، وارتحل عنها وحضر إلى مصر.»

ووصل ياسين إلى ثغر بولاق في 16 فبراير، وركب صبيحة اليوم التالي، وطلع إلى القلعة، ولم يلق الترحيب الذي انتظره، بل على العكس من ذلك، عوقه الباشا في القلعة وأراد قتله، ولكن مثلما تدخل عمر بك الأرنئودي وصالح قوج، في مسألة رجب آغا وأنقذاه، فقد تدخلا وغيرهما من الأرنئود في مسألة ياسين بك، وتعصبوا له، «وطلعوا إلى القلعة يوم 20 فبراير، وقد رتب الباشا عساكره وجنده، وأوقفهم بالأبواب الداخلية والخارجية، وبين يديه، وتكلم عمر بك وصالح آغا مع الباشا في أمره، وأن يقيم بمصر، فقال الباشا: لا يمكن أن يقيم بمصر، والساعة أقتله، وأنظر أي شيء يكون، فلم يسع المتعصبين له إلا الامتثال، ثم أحضر الباشا ياسين بك وخلع عليه فروة، وأنعم عليه بأربعين كيسا، ونزلوا بصحبته بعد الظهر إلى بولاق، وسافر إلى دمياط، ليذهب إلى قبرص، ومعه محافظون.»

وهكذا، كما كتب «سانت مارسيل» من الإسكندرية في 27 فبراير: «تخلصت مصر من هذا الزعيم الذي قسم وجوده مصر إلى مناطق ثلاث، يتناضل رؤساؤها على السلطة، وحقيقة الأمر أن محمد علي ذو عبقرية تمكنه من إفساد مشروعات أعدائه وخططهم، بالمفاوضة تارة، والكيد تارة أخرى للأحزاب والجماعات الطامعة في السلطة»، وتوقع كثيرون - وقد قضى على ياسين بك الآن، ورضي شاهين الألفي بالاعتراف بسلطان محمد علي وعاش تحت رقابته مع سائر بكوات بيت الألفي، بينما ظل سائر البكوات مبعثرين في الصعيد، وتدور المفاوضات بينهم وبين محمد علي - توقعوا أن تنجح مفاوضات الباشا مع هؤلاء، وأن يستقيم له الأمر، فينفرد بالسلطان في أرجاء باشويته، بل اعتقد كثيرون، «أن الباشا صار متحررا الآن، وللمرة الأولى، منذ وصوله إلى الحكم والولاية، من خطر كل عداوة جدية، صحيح، هناك أعداء لا ندحة عن النضال معهم، ولكن هؤلاء كانوا مهزومين، ولا حاجة لبذل جهود كبيرة للقضاء عليهم، إذا أظهر الباشا المهارة التي عالج بها الأمور حتى هذا الوقت.» (3-4) تطويع العربان

على أن الحوادث سرعان ما أثبتت أنه لا معدى عن بذل جهود شاقة مضنية، ليس فقط لإخضاع البكوات المماليك - كما سيأتي ذكره في موضعه - بل وكذلك لاجتثاث تمرد الجند وعصيانهم من أصوله من جهة، ولتطويع العربان من جهة أخرى، وقد سبقت الإشارة إلى انحياز طوائف العربان إلى البكوات المماليك، ورؤساء الجند العصاة، ومن أشهر هؤلاء: أولاد علي، والجهنة، والهنادي، وعائد، والهوارة، والماعزة، والحويطات.

وكان العربان يشبهون الجند العصاة ورؤساءهم المتمردين، من حيث ميلهم إلى السلب والنهب، ويشبهون المماليك، من حيث انتشار الخلافات والانقسامات بينهم، واتبع الباشا في كسر حدة شرهم، نفس الأساليب التي اتبعها مع جنده المتمردين ومع خصومه المماليك، فهو يسير جيشه ضدهم تارة، ويغير على قوافل تجارتهم، ويستميل إليه طوائف منهم، ويتدخل في خصوماتهم، ويوسط لديهم المشايخ والسيد عمر مكرم، وينتصر لفريق منهم على فريق تارة أخرى، ويبذر بذور الشقاق والتفرقة بينهم كل الوقت، وكان لا مندوحة عن تطويع العربان كرها أو سلما، إذا شاء أن يمنع أذاهم عن الأهلين، في القاهرة وضواحيها وسائر الأقاليم التي خضعت لسلطانه، وإذا شاء أن يصرفهم عن مؤازرة خصومه الألداء، البكوات المماليك.

وقد أتيحت الفرصة للباشا للتدخل في شئونهم، وتجربة أساليبه معهم، عندما قوي الخصام بين الحويطات والعيايدة في سبتمبر 1806، ودار القتال بين الفريقين خارج أسوار القاهرة وحولها، وانقطعت السبل بسبب ذلك، فانتصر الباشا للحويطات، وخرج إلى العادلية جهة القبة أو قبة النصر، خارج باب النصر عند قبر الملك العادل طومان باي في قوة لفض هذه الخصومة ووقف القتال، واجتمع مشايخ الحويطات والعيايدة عند عمر مكرم الذي أصلح بينهم. وفي يناير 1807 انتقم الباشا من عرب المعازة الذين استمروا ينقلون التجارة بين الصعيد والقاهرة، بالرغم من محاولة محمد علي منع كل إمدادات عن البكوات بالصعيد، في وقت كان الخطر فيه على حكومته عظيما، من احتمال اتحاد الألفي مع زملائه بالصعيد، والذي حال دون وقوعه وفاة الألفي في الأيام الأخيرة من هذا الشهر نفسه، فحدث يوم 11 يناير أن وصلت قوافل الصعيد من ناحية جبل المقطم وبها أحمال كبيرة وبضائع مع عرب المعازة وغيرهم، فركب الباشا ليلا وكبسهم على حين غفلة، ونهبهم وأخذ جمالهم وأحمالهم ومتاعهم، حتى أولاد العربان والنساء والبنات، ودخلوا بهم إلى المدينة، يقودونهم أسرى في أيديهم، ويبيعونهم فيما بينهم.

وكان من نتائج صلح الباشا مع شاهين بك الألفي في ديسمبر 1807، ومجيء هذا إلى القاهرة أن حضر معه عربان الهوارة الذين كانوا بمعسكره، ثم إن الباشا انتفع من صلحه مع شاهين عندما توسط هذا بين طوائف العربان المتخاصمة في إقليم البحيرة: الهنادي والجهنة وأولاد علي، وكان للألفية صلات وثيقة بهم من أيام الألفي الكبير الذي أصهر من الهنادي والجهنة، وأراد شاهين مناصرتهم على أولاد علي. وتفصيل ما وقع بين هؤلاء العربان ، أن أولاد علي كانوا قد تغلبوا على هذا الإقليم، وعاثوا فيه فسادا كبيرا، وأخرجوا الهنادي والجهنة من قطاعاتهم، فحضر هؤلاء الآن إلى القاهرة يشكون مما نزل بهم، ويقدمون خضوعهم للباشا في أوائل مارس 1808، فتوسط شاهين الألفي في الأمر، وتم الاتفاق على عودتهم إلى منازلهم بالبحيرة، وأن يطردوا أولاد علي، وخرج معهم شاهين وخشداشينه، فقصدوا إلى دمنهور، وارتحل أولاد علي إلى حوش ابن عيسى، ثم التحم الفريقان في معركة كبيرة، سقط في أثنائها اثنان من كبار الأجناد والألفية، وانجلت عن هزيمة أولاد علي الذين أسر منهم نحو الأربعين، كما غنمت منهم غنائم كثيرة من جمال وأغنام، وتفرقوا وتشتتوا، واضطروا إلى الانسحاب صوب الفيوم والصعيد، ومكن شاهين الهنادي والجهنة ورجع إلى الجيزة في أوائل مايو بعد أن عمر الهنادي والجهنة ورجع إلى الجيزة في أوائل مايو بعد أن عمر الهنادي والجهنة بأرض البحيرة.

ولم يرض أولاد علي بهزيمتهم، فاتصلوا ببعض أهل الدولة يوسطونهم لدى الباشا؛ حتى يأذن بعودتهم إلى البحيرة، وعرضوا مائة ألف ريال، لقاء رجوعهم للبحيرة وإخراج الهنادي، فأجاب ملتمسهم، ولكن الهنادي والجهنة رفضوا الإذعان، وحاربوا أولاد علي، ونهبوا ونالوا منهم، بعد أن كانوا ضيقوا عليهم، وحصلت اختلافات، فامتنع أولاد علي عن دفع المال الذي قرروه على أنفسهم، واجتمعوا بحوش عيسى، فأنفذ الباشا إليهم تجريدة يؤلف الدلاة قسما منها، سلم قيادتها إلى عمر بك الألفي من رجال شاهين الألفي، فخرجت هذه التجريدة في 21 أكتوبر 1808 واشترك معها الهنادي في قتال أولاد علي الذين ظهروا عليهم وهزموهم، وقتل من الدلاة أكثر من مائة، وكذلك من العسكر، ونحو الخمسة عشر من المماليك.

وعندئذ أنفذ الباشا تجريدة أخرى يصحبها نعمان بك وغيره من البكوات والمماليك الألفية لمنازلة أولاد علي في حوش ابن عيسى، ولما كان بعض هؤلاء قد انسحبوا إلى الفيوم، فقد أرسل الباشا لمطاردتهم تجريدة أخرى، كما سافر أيضا شاهين بك وباقي الألفية ما عدا عمر بك الذي ظل مقيما بالجيزة وكان ذلك في نوفمبر، ثم لم يلبث أن لحق بهم حسن الشماشرجي، وتغلبت هذه التجريدات على أولاد علي، فارتحل هؤلاء عن البحيرة، وتجمعوا في الفيوم.

Неизвестная страница