غضبت، رغم موقفي المخزي غضبت، ثم صحت بها: زهرة!
فبصقت في وجهي مرة أخرى. أعماني الغضب فصرخت: اذهبي وإلا كسرت رأسك.
انقضت علي ولطمتني على وجهي بقوة مذهلة. انتترت واقفا وقد جن جنوني. قبضت على يدها بقسوة ولكنها انتزعتها بعنف ولطمتني للمرة الثانية. فقدت وعيي فانهلت عليها ضربا وصفعا وهي تبادلني الضرب والصفع بقوة فاقت تصوري. وإذا بالمدام تهرول نحونا وهي ترطن بألف لسان. أبعدتها عني فصحت في جنون الغضب: أنا حر .. أتزوج بمن أشاء .. وسأتزوج علية.
وجاء منصور باهي فمضى بي إلى حجرته. لا أذكر أي حديث تبادلنا، ولكني أذكر تهجمه علي بوقاحة غريبة، وكيف اشتبكنا في صراع جديد. جاء موقفه مفاجأة لي وأي مفاجأة. لم يجر لي في خاطر أنه أيضا من عشاق زهرة! هكذا عرفت سر نفوره الغريب مني. ولحقت بنا المدام. قررت أن تجعل مني كبش الفداء، العجوز القوادة. قالت إن البنسيون لم يعرف الهدوء منذ جئته، وإنني قلبته إلى سوق همجية للمعارك وقلة الأدب. وبصراحة وقحة قالت لي متحدية: ابحث لك عن مسكن آخر.
لم يعد ثمة ما يدعوني للبقاء، ولكني أصررت على الإقامة حتى عصر الغد، آخر الأسبوع الذي دفعت إيجاره مقدما، وهو إصرار يرجع أولا إلى العناد والكبرياء.
وغادرت البنسيون فهمت على وجهي طويلا تحت سماء ملبدة بالغيوم متعرضا لدفقات متواصلة من الهواء البارد. وجعلت أتسلى بمشاهدة معارض الحوانيت المتلألئة بهدايا السنة الجديدة وأنظر بفتور إلى بابا نويل العتيد.
وذهبت إلى بدرو لموعد سابق مع المهندس علي بكير. وقد سألني: هل دبرت مسألة الاستثمارات؟
فأجبته بالإيجاب فقال لي: فجر الغد، سوف نبدأ مع فجر الغد. •••
قلت لنفسي وأنا ذاهب إلى الشركة في الصباح الباكر «مضى الفجر .. وتمت اللعبة.»
كنت مضطربا، ونهما إلى الأخبار. اتصلت بالمصنع تليفونيا طالبا علي بكير فقيل لي إنه في المرور. إذن فقد نفذ التدبير بإحكام ونجاح، وها هو يزاول عمله اليومي. واجتاحني الاضطراب فغادرت الشركة قبل الميعاد متعللا بعذر ما، ولدى مروري أمام دار الإذاعة لمحت منصور باهي وفتاة حسناء يغادرانها معا. ترى من تكون؟ .. خطيبة؟ .. عشيقة؟ هل تجد زهرة نفسها على الرف مرة أخرى؟ تذكرت زهرة بحزن. لم أبرأ تماما من حبها، وهو العاطفة الصادقة الوحيدة التي خفق بها قلبي الممزق بالأهواء.
Неизвестная страница