فأما إن كان رجل خطر بقلبه النظر في حال العالم فلم يعتقد فيه شيئا حتى استدل فكان عنده أن الاستدلال قد يؤدي إلى حدث العالم، وقد يؤدي إلى قدمه. لم يكن هذا الاستدلال منه إيمانا بعد أن كانت حقيقة الإيمان ما ثبت في صدر هذا الكتاب وبالله التوفيق.
ووجه آخر: وهو أن الاستكبار على الله ﷿ بترك الطاعة له فيما أقر به كفر، فدل على أن الاستجداء له بالطاعة إنما يدل على ذلك أن الاستكبار على الله ﵎ الإقرار به لما كان كفرا كان الإذعان له بالإقرار بربوبيته ووحدانيته إيمانا. فكان كل طاعة في هذا مثله.
ووجه آخر: وهو أن الله ﷿ قال: ﴿وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا. فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون﴾. فلا يخلو قوله ﷿ هذا من أحد معنيين:
أما أن يكون المراد به فزادتهم ثقة بنبوة النبي ﷺ لما فيها من إطلاعه على أسرار المنافقين، إذ كان لا يمكن أن يكون وقف عليها إلا من قبل الوحي.
أو يكون المراد، أيكم رغبته هذه السورة في جهاد المشركين، ودعته إلى بذل النفس والمال فيه. فإن كان المراد هو الأول، فقد بان أن أحداث تصديق النبي ﷺ بامتثال أمر من أوامره، وأقام عبادة لله على حده هو الذي دعا إليها ونبه عليها زيادة إيمان.
وإن كان المراد هو الثاني فقد ثبت أن الجهاد إيمان، فوجب على قياسه أن تكون كل عبادة إيمانا. وهكذا قوله ﷿: ﴿هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم﴾، لا يخلو من أن يكون المراد به ليثقوا بصدق النبي ﷺ فيما أخبرهم به من الفتح الكائن، فتعجل السرور به، ولا يحزنوا بما وقع عليهم من الصد عن البيت، أو يكون المراد به ليطيعوه بالدخول في الصلح الذي يأمرهم به، وإن كان شديدا عليهم أن يخلوا من أخراهم ويرجعوا وراءهم. فإن كان المراد هو الوجه الأول لزم أن تكون الثقة بصدقه لذي كل عزمة على طاعة بتنفيذها وفعلها، وكل عزمة على
1 / 39