تكريرهما بر باتفاق أن يكون حكم الإعادة حكم الابتداء، حتى إذا كان المبتدأ إيمانا كان المعاد إيمانا، ألا ترى أن الصلاة إذا أعيدت- وكانت إعادتها برا-كانت صلاة كالأولى. والوضوء إذا جدد، كان الثاني وضوءا كالأول. والحج إذا كرر كان حجا كالأول. وكذلك الاعتقاد والإقرار إذا أعيدا وكانت إعادتهما برا، وجب أن يكون المعاد إيمانا كالأول. فإن قالوا: كيف يكون المعاد إيمانا كالأول وهو لا يزيل كفرا؟ قيل: كما كان الوضوء المجدد وضوءا ولا يزيل حدثا، وكما كانت الصلاة الثانية صلاة وليست تسقط فرضا، والحج الثاني حجا وليس يرفع واجبا، كذلك الاعتقاد والإقرار إذا أعيدا كانا إيمانا، وإذ لم يرفعا كفرا، والله أعلم.
ووجه آخر: وهو أن كل عبادة كان التكذيب بها كفرا، كان فعلها مع الإخلاص جزءا من أجزاء الإيمان كالإقرار. وأنه لما كان التكذيب بوجوبه كفرا، كان الإتيان به مع الإخلاص من أجزاء الإيمان. وكذلك كل عبادة. ومما يقرر هذا، أن التصديق بالشرائع لما كان إيمانا، لم يجز أن لا يكون فعلها وأداؤها إيمانا، كما أن التصديق بوجوب الإقرار لما كان إيمانا، لم يجز أن يكون فعلها مع الإخلاص إيمانا. والله أعلم. فقد بان أن ما كان اعتقاد حكم العبادة فيه إيمانا فلا يخلو وأداؤه مع الإخلاص من أن يكون إيمانا، والله أعلم.
فإن قيل: أن الاعتقاد الذي هو أول جزء من أجزاء الإيمان يتقدمه العلم بوجوبه، ويتقدم ذلك العلم الاستدلال المؤدي إليه إلى علم التوحيد، ثم اعتقاد وجوب ما ظهر بالدليل، وعقد القلب عليه دون التغافل عنه، إيمان.
قيل: هذا يختلف! فإن كان رجل سمع التوحيد والنبوة فقبلهما واعتقدهما واعترف بهما تصديقا لمن أخبره بهما، ثم أراد أن يعلم ذلك بالدليل. واستدل غير شاك عند استدلاله، في أن ما اعتقد حق، وأن صحته إن لم تظهر له باستدلاله. فلتقصيره وأخطائه جهته، كان هذا الاستدلال منه إيمانا. وإذا ظهر له نية مطلوبة، واعتقد أن الاستسلام لما قال الدليل عليه واجب، وأن إغفاله وتضييقه حرام، كان هذا الاعتقاد إيمانا منه.
1 / 38