============================================================
وأما القلب : فحسبك أنه أصل الكل؛ إن أفسدته.. فسد الكل، وإن أصلحته.. صلح الكل؛ إذهو الشجرة، وسائر الأعضاء أغصان، ومن الشجرة تشرب الأغصان وتصلح وتفسد، وإنه الملك، وسائر الأعضاء تبع وأركان، وإذا صلح الملك.. صلحت الرعية، وإذا فسد.. فسدت، فإذن صلاح العين واللسان والبطن وغيره دليل على صلاح القلب وعمرانه، وإذا رأيت فيها خللا وفسادا.. فاعلم أن ذلك من خلل في القلب وفساد وقع ثم ، بل الفساد فيه أكثر ، فاصرف عنايتك إليه فأصلخه يصلح الكل بمرة فتستريح.
ثم أمره دقيق عسير؛ إذ هو مبنئ على الخواطر، وهي ليست تحت يدك، والامتناع من اتباعها مجهود طاقتك، ففيه أقصى المشقة، ولهذا المعنى صار اصلاحه أشد على أهل الاجتهاد ، والاهتمام بأمره أكبر وأكثر عند ذوي البصائر .
وعن أبي يزيد رحمه الله أنه قال : عالجت قلبي عشرا، ولساني عشرا، ونفسي عشرا، فكان قلبي أصعب الثلاثة، فهلذه هذه .
ثم عليك بالاهتمام بالخصال الأربع التي ذكرناها؛ من الأمل ، والعجلة في الأمور، والحسد، والكبر، وإنما خصصنا هلذه الأربعة من بين سائر الخصال في هذا الموضع، وحضضنا على الاحتراس منها؛ لأنها علل القراء خاصة؛ إذ هي تعتري سائر الناس عموما، والقراء خصوصا ، فتكون أقبح وأشنع.
ترى الرجل القارىء يطول الأمل ويعده نية خير فيوقعه في الكسل والتواني في العمل وتراه يستعجل في تحصيل منازل الخير فينقطع عنها، أو في إجابة دعاء صالح فيحرم ذلك، أو في الدعاء على أحد بسوء فيندم على ذلك ، كما ذكر عن نوح عليه الصلاة والسلام .
وتراه يحسذ نظراءه على ما آتاهم الله من فضله، حتى ربما يبلغ منه ذلك مبلغا يحمله على قبائح وفضائح لا يقدم عليها فاسق ولا فاجر، ولهذا المعنى قال سفيان الثوريي رحمه الله : ما أخاف على دمي إلأ القراء والعلماء ، فاستنكروا 149
Страница 149