٦- تنوير: وإذا كان معنى التماثل أو التشابه منتسبا إلى شيئين أو أشياء مشتركة فيه كان الوجه ألا يعاد ذلك المعنى مع كل واحد من الشيئين أو الأشياء مشتركة فيه كان الوجه ألا يعاد ذلك المعنى مع كل واحد من الشيئين أو الأشياء، وأن يكتفى بذكره مرة مع أحد تلك الأشياء على نحو من العبارة يعنى بها فيه عن التكرار إيثارا للاختصار، فيقدم محل التماثل متناسقة، وتقديمه أحسن. ويتفق على هذا الوجه أن يكون الكلام مع كونه من هذا الباب معدودا في التقسيم كقول التهامي: (الطويل -ق- المتدارك)
أبان لنا من دره يوم ودعا ... عقودا وألفاظا وثغرا وأدمعا
فاكتفى بذكر الدر مرة، وأورد الأشياء المنتسبة إليه إيرادا تقسيميا. وقد يتفق أن ينضاف فيه إلى التقسيم التفسير. كقول الشاعر: (البسيط -ق- المتراكب)
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتهم ... شمس الضحى، وأبو سحق، والقمر
وقد يعد من هذا النحو قول البحتري: (البسيط -ق- المترادف)
في حلتي حبر وروض فالتقى ... وشيان: وشي ربى ووشي برود.
وقد يسوغ إجراء الشيئين مجرى الأشياء في الاكتفاء بذكر محل التماثل والتشبه مرة وإجراء الأشياء مجرى الشيئين في إعادة محل التماثل مع كل واحد منهما.
٧- إضاءة: وأما المتخالفات والمتضادات فقد تكون الصيغ أيضًا فيها تقسيمية وتفسيرية. واستقصاء الكلام في ما أشرنا إليه بهذا المعلم يخرج عن غرض الاختصار والاقتصاد. وأنما أوردت ما أوردت من الكلام فيه كاللمحة الدالة، ومن فهم أصول هذا الباب سهل عليه تتبع فروعه اعتبار مواقع النسب فيها، وهو باب شريف.
ح- مأم من مذاهب البلاغة المستشرفة بهذا المعلم وما تقدم في المعلم المفتتح به هذا المنهج الذي فيه القول، وهو المذهب الذي تقصد فيه المطابقة.
وذلك بأن يوضع أحد المعنيين المتضادين أو المتخالفين من الآخر وضعا متلائما. وقدامة يخالف في هذه التسمية. فيجعل المطابقة تماثل المادة في لفظين متغايري المعنى، ويسمي تضاد المعنيين تكافؤا. ولا تشاح في الاصطلاح.
ولفظ المطابقة مشتق إما من قولك: هذا لهذا طبق أي مقدار لا يزيد عليه ولا ينقص، وإذا كان حقيقة الطباق مقابلة الشيء بما هو على قدره ومن وفقه سمي المتضادان إذا تقابلا ولاءم أحدهما في الوضع الآخر متطابقين. قال الخليل: "يقال طابقت بين الشيئين إذا جمعتهما على حد واحد وألصقتهما." وإما من قولك: طابق الفرس إذا وقعت رجلاه في موضع يديه. قال الجعدي: (المتقارب -ق- المتواتر)
وخيل يطابقن بالدار عين ... طباق الكلاب، يطأن الهراسا
١- إضاءة: والمطابقة تنقسم إلى محضة وغير محضة.
فالمحضة مفاجأة اللفظ بما يضاده من جهة المعنى كقول جرير: (الكامل -ق- المتدارك)
وباسط خير فيكم بيمينه ... وقابض شر عنكم بشماليا
فقوله باسط وقابض وخير وشر من المطابقات المحضة. ومن ذلك قول دعبل: (الكامل -ق- المتراكب)
لا تعجبني يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
وغير المحضة تنقسم إلى مقابلة الشيء بما يتنزل منه منزلة الضد وإلى مقابلة الشيء بما يخالفه.
فأما ما تنزل منزلة الضد فمثل قول الشريف: (الرجز -ق- المترادف)
أبكي ويبسم والدجى ما بيننا ... حتى أضاء بثغره، ودموعي
فتنزل التبسم منزلة الضحك في المطابقة.
وأما المخالف فهو مقارنة الشيء بما يقرب من مضاده كقول عمرو ابن كلثوم: (الوافر -ق- المترادف)
بأنا نورد الرايات بيضا ... ونصدرهن حمرا قد روينا
ومن أبدع ما ضوغفت فيه المطابقة وجاءت العبارة الدالة عليها في أحسن ترتيب وأبدع تركيب قو أبي الطيب المتنبي: (البسيط -ق- المترادف)
أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي
وقد اجتمع في هذا البيت صنفا المطابقة: المحضة وغير المحضة.
٢- تنوير: وقد تكون المطابقة بالإيجاب والسلب كقول السموءل: (الطويل -ق- المترادف)
وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول، حين نقول
وقول البحتري: (الطويل -ق- المتدارك)
تقيض لي من حيث لا أعلم النوى ... ويسري إلي الشوق، من حيث أعلم
وقد تقع المطابقة بغير اللفظ الصريح فيها، كقول بعضهم: (الطويل -ق- المتدارك)
1 / 15