От вероучения к революции (4): Пророчество – Воскрешение
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Жанры
فإذا ما استحال يقين التواتر لسند الرواية بضرورة مطابقتها للحس والعقل، فإنه يبقى ضرورة مطابقة متن الرواية أساسا، ليس فقط مع الحس والعقل، بل مع الواقع أيضا. وإن لم يكن تواتر الرسالة دليلا على صدقها تكون مطابقتها لمبادئ العقل وضرورات الواقع أدلة أخرى على صدقها؛ فالمطابقة لا تكون مع التاريخ وحده، بل أيضا مع بداهات العقل ومع مصالح الناس. الوحي إثبات لحقائق العقل والواقع. وقد يدخل الشعور في التعريف، وتكون المطابقة أو عدم المطابقة بعلم أو بغير علم. وقد يدخل بعد ثالث للتعريف في نشأة القضية ذاتها؛ هل هي خبر؛ أي سمع ونقل من وحي، أم هي خبر قائم على الإدراك والتصور ثم الإيصال والمشافهة؟ لا يعلم صدق الخبر أو كذبه إلا بعد التحقق في الواقع لا قبله، وقبل التحقق يكون الخبر مجرد افتراض. مضمون الخبر لا يقل أهمية عن روايته، ومتن الرواية أحد وسائل تحقيق صدقها مثل سندها. والتحقق من صدق المتن لا يقل أهمية عن التحقق من صحة السند.
12 (2) تطبيق شروط التواتر على الكتب المقدسة
وشروط التواتر ليست خاصة برسالة دون رسالة، أو بكتاب دون كتاب، أو بأمة دون أمة؛ فهي شروط واحدة تنطبق على أية رسالة، وعلى أي كتاب، ولدى أية أمة. ولو أنها تخرج من كتاب خاص وحالة خاصة، إلا أنه يمكن تعميمها حتى تستقل كمناهج رواية، وطرق نقل يصح تطبيقها على كل الكتب المقدسة الأخرى في مراحل الوحي السابقة، أو حتى روايات الأدب الشعبي، وروايات الشعر العربي القديم. وتبرز قوة الوحي في آخر مرحلة له، من حيث تواتر الرسالة، وصحتها في التاريخ، ونقده لتحريف الكتب المقدسة الأخرى تاريخيا وعقائديا وسلوكيا، من حيث الصحة التاريخية، وفهم العقائد، وسلوك أهل الكتاب.
13
فإذا ما طبقت شروط التواتر ومناهج النقل وطرق الرواية على الكتب المقدسة السابقة، التوراة والإنجيل؛ فسرعان ما يظهر تحريفها وتبديلها كما وصف القرآن، وكأن الاكتمال يفترض التاريخ، والبناء يكشف عن التطور، وتدوين آخر مرحلة مقياس لما كان يمكن أن يتم في المراحل السابقة. وقد يستقل هذا الموضوع عن النبوة، ويصبح جزءا مستقلا، ويكون موضوعا جديدا أقرب إلى تاريخ الأديان ونقد النصوص، وهو ما تحول بعد ذلك في حضارة أخرى، هي الحضارة الغربية الحديثة، وبفضل الحضارة الإسلامية إلى علم مستقل باسم «النقد التاريخي للكتب المقدسة»، كما استقل من قبل أحد أوصاف الذات الست وهي الوحدانية، لتصبح تاريخا للوحدانية مقلوبا؛ أي عقائد الشرك والوثنية في الفرق غير الإسلامية.
14
وتظهر المناهج الإسلامية، سواء من علم أصول الفقه أو من مصطلح الحديث، والتي استمد منها علم أصول الدين هذا الجزء عن تواتر الرسالة في موضوع النبوة. وترفض النظريات اللاهوتية في النقد مثل رفع الله كلامه من الصحف؛ لإنقاذه من التحريف، وهو مثل حفظ الله كلامه في القرآن؛ فالتوراة الصحيحة والإنجيل الصحيح لم يرفعهما الله، بل ضاعا؛ إما في مرحلة الشفاهي، أو تم تحريفهما وتبديلهما زيادة ونقصانا في مرحلة النقل الكتابي.
ويمكن تصنيف أحكام القدماء على التوراة والإنجيل، وكيف أنهما لم يستوفيا نقلهما شروط التواتر في ثلاث قضايا رئيسية؛ الأولى تحريف النصوص وتبديلها وتغييرها؛ وبالتالي عدم صحتها تاريخيا، وتستعمل لإثبات هذه القضية مناهج تحليل النصوص، وذكر أهمها وأسمائها وضياع النصوص، مع ذكر العوامل الاجتماعية والسياسية التي كانت وراء النقل، وحال الدولة قبل السقوط وبعده، ودور الأخبار في التزييف. والثانية سوء فهم هذه النصوص المحرفة، وتزييف عقائدها، وضياع التوحيد والعدل، وإنكار النبوات والمعاد، ونهاية العمل الصالح، وسقوط الدولة؛ فأصبح التحريف مضاعفا؛ تحريف النصوص أولا، ثم تحريف العقائد الثانية. والثالثة سوء أفعال أهل الكتاب، وعدم قيام النصوص بدورها الرئيسي في توجيه سلوك الأفراد والجماعات.
فالتوراة التي بين أيدينا اليوم محرفة ومبدلة، وليست منزلة من عند الله، ولم تبق التوراة واحدة لم تتغير ولم تتبدل عبر الأجيال؛ فتاريخ النص يثبت هذا التغيير والتبديل، سواء أثناء قيام الدولة أو بعد انقراضها. وتخالف السبعينية توراة عزرا الأولى وليست مطابقة لها. ولا يوجد اتصال بين الأنبياء والرواة، بل تنقطع سلسلة الرواة ولا تتعدى كونها مشهورة، وهي مملوءة بالأخطاء التاريخية؛ فهناك تواريخ يقص فيها موسى حياته قبل مولده وبعد وفاته، وضعها الأحبار على لسانه؛ فقد كان لهم دور بارز في التحريف والتبديل في النصوص والشرائع، وهي مملوءة بالاضطراب الزماني، وتحتوي على خلط في الأنساب، واضطراب في إحصاء الأجيال، كما أنها مليئة بالوقائع المعارضة لحوادث التاريخ وعلوم الطبيعة والجغرافيا، في وصف أنهار الأرض ومصابها ومنابعها وروافدها، ويناقض بعضها البعض من حيث التحديدات المكانية؛ مما يكشف عن خطأ المترجم ووضع الأحبار؛ فالتوراة مناقضة للواقع التاريخي والجغرافي (النقد الخارجي)، ومتناقضة فيما بينها (النقد الداخلي، ومراجعة الكتاب على نفسه).
15
Неизвестная страница