От вероучения к революции (4): Пророчество – Воскрешение
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Жанры
11
وقد تقع منهم الأخطاء ويغفرها الله لهم، كما يغفر لباقي البشر، دون زيادة أو نقصان، بعد إعلان التوبة والندم. والحقيقة أن كل ذلك إن وقع فهي دروس تعليمية للناس، وتوجيه للأمة وإرشاد لها، ولا أحد معصوم من الخطأ ما دام بشرا يمارس حريته ويعمل عقله؛ فقد ينسى النبي، كما ينسى البشر، حتى في حفظ الوحي، وقد ينتابه ما ينتاب البشر من أهواء وانفعالات، وقد يرجح مرجوحا، وقد يخطئ في التحليل وفي إدراك موازين القوى، وقد يتسرع أو يهتم، وقد يشك، وقد يعزم ويجزم ويقطع. ويأتي درس التصحيح في حالة النبي كتعليم وتوجيه وإرشاد. وعلى هذا النحو ترى الأجيال بعده التوتر بين الواقع والمثال، بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون. وقد تكون كثير من الأفعال مشروطة أو محتملة ولم تقع بعد، ولكن التنبيه عليها وذكرها كحالة افتراضية قد تقع فيما بعد، يدخل في إطار هذا الدرس التعليمي، وهو منهج الوحي في التعليم من المحاولة والخطأ، وفي إعادة التكليف طبقا للواقع، وكما هو واضح في النسخ.
12
والحقيقة أن القول بعصمة الأنبياء هو رد فعل على القول بعصمة الأئمة؛ فإذا كانت هناك عصمة كتعبير عن التبجيل والتعظيم للقائد والزعيم، فالنبي أولى بها من الإمام. والقول بعصمة الإمام تستدعي القول بجواز الخطأ على النبي، والقول بعصمة الإمام في الحقيقة إنما هي نتيجة لزعامته لمجتمع الاضطهاد، وضرورة سيطرته على الجماعة وقيادته لها؛ فالعصمة تعطيه قوة معرفية وعملية، وتسمح له بالقيادة والإرشاد أكثر مما يعطيه جواز الخطأ والمراجعة عليه من الناس، وهو نتيجة لاتجاه المجتمع العظيم لتبجيل الزعماء والقادة، ورؤية خلاصه فيهم ومن خلالهم، ورفعهم إلى مستوى الأنبياء بل والآلهة؛ ففي كل المجتمعات المضطهدة تبرز أهمية الإمامة وصفاتها مثل العصمة، وطالما كان الإمام معصوما كان مطاعا، ويبرز ذلك في كل مجتمعات التسلط عندما يدعي الزعيم السياسي أنه هو وحده العالم والقائد والملهم والمرشد والمعلم، وأنه لا تجوز مراجعته أو نقده أو الخروج عليه، وأنه لا يجوز حتى لمس بغلة السلطان أو نقدها بكلمة، بل إن النبي يجوز أن يكفر ويعصي ويرتكب الكبائر، في حين لا يجوز ذلك على الإمام. وإن حاجة الإمام إلى العصمة أكثر من حاجة النبي؛ فإذا كان للنبي وحي يصححه فإن الإمام ليس له إلا العصمة. العصمة إذن سلاح سياسي لزعزعة الثقة في القيادة المعارضة؛ أي النبوة أو الخلافة، ولزرعها في قيادة جديدة هي الإمامة، فكل زعيم يدعي قومه أنه أولى بالعصمة من الآخر؛ وبالتالي أولى بالطاعة لأمره والانتصار له، وبالتالي يتنازع العصمة الخصمان؛ دعاة النبوة ودعاة الإمامة، مجتمع التسلط ومجتمع الاضطهاد. كل منهما يبغيه دفاعا عن ذاته؛ فدخلت العصمة كسلاح سياسي في الصراع من أجل السلطة.
13
ثم يطرح موضوع العصمة من الحاضر إلى الماضي، ومن آخر مراحل النبوة إلى أولها عبر التاريخ، ومن خاتم الأنبياء إلى الأنبياء السابقين، والغرض من ذلك تأصيل موضوع العصمة الحالية تاريخيا إثباتا أم نفيا؛ وبالتالي تستعمل أخطاء الأنبياء السابقين؛ إما لإثبات العصمة أو لنفيها وتأويلها. والحقيقة أن موضوع العصمة لدى الأنبياء السابقين مرتبط بتاريخ النبوة؛ فكان لا يعير النبي السابق أفعال العصيان؛ لأنها مظهر من مظاهر القوة والعظمة، مثل داود وسليمان في علاقاتهم النسائية، ومثل موسى في القوة والتشيع لقومه على حساب الحق وشمول المبادئ وعموم القيم. فكل نبي يعبر عن مرحلة نبوته؛ فهناك أنبياء لهم صفة الملك دون الفضيلة، مثل داود وسليمان، وأنبياء لهم صفة القوة دون الحق، مثل موسى. أما محمد خاتم الأنبياء؛ أي النبوة في مرحلتها الأخيرة، فقد بعث ليتمم مكارم الأخلاق. ففي المراحل السابقة: النبوة - الملك، أو النبوة - القوة، يجوز فيها العصيان؛ وبالتالي تنتفي العصمة. أما في المرحلة الأخيرة في مرحلة النبوة - القدوة، أو النبوة - فلا يجوز فيها العصيان.
14
كما يطرح السؤال بالنسبة ل «الملائكة» بدافع المبالغة، بمقارنة الأنبياء بالملائكة، وإن كان الاتفاق على عصمة الملائكة أسهل؛ فهم ليسوا مكلفين؛ وبالتالي ليسوا محاسبين، وهم ليسوا بشرا؛ وبالتالي ليسوا أحرارا عاقلين في موقف الاختيار بين الحسن والقيبح. لا يفعلون الخير إلا جبرا، باستثناء إبليس الذي أثار استعمال حريته في الاعتراض والرفض؛ فكان جزاؤه استعمال الحرية إلى أقصى حد، وإمهاله وإعطاءه الزمان كله لتحدي حرية الإنسان ذاتها.
15
ولو أن إبليس عند البعض لم يكن من الملائكة بل كان من الجن، وباستثناء هاروت وماروت، ولو أنهما أيضا عند البعض لم يكونا من الملائكة. وإدراج إبليس مع الجن في اللغة تغليبا. وقد زادت التفاصيل فيه في العقائد المتأخرة إلى حد جعل الجن متعبدين بالإسلام، طعامهم الروث والعظام. وربما لم يسأل إبليس الله النظرة، وربما لم يعص إبليس بتركه السجود لآدم، ولكن لجحده بالله. وكذلك زاد التفصيل في قصة هاروت وماروت، وأنهما ليسا ملكين عصيا الله وشربا الخمر، وحكما بالزور، وقتلا الناس، وزنيا ، وعلما زانية اسم الله الأعظم، فطارت به إلى السماء، فمسخت كوكبا وهي الزهرة، وأنهما عذبا في غار بابل، وأنهما يعلمان الناس السحر. والحقيقة أن إبليس هو رمز الحرية والرفض وتحدي الإنسان. أما هاروت وماروت فإنها قصة في نفس السياق؛ يتلو الشيطان على ملك سليمان، ويعلمان السحر، فيفرقون بين المرء وزوجه، ويضررون بالناس، ولكن الإنسان قادر على الدخول في التحدي ومقاومة الشر والدفاع عن صالحه وكيانه. (ج) تفضيل الأنبياء
Неизвестная страница