От вероучения к революции (4): Пророчество – Воскрешение
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Жанры
فلفظ «شق» فعل متعد يدل على قوة خارجية فاعلة أكثر مما يدل عليه لفظ «انشقاق» وهو فعل لازم يوحي وكأن الفاعلية في داخل الشيء، وهو تصور أقل عظمة من الأول؛ فالقوة الخارجية في الخيال أقدر من القوة الداخلية، وأكثر تشخيصا وجذبا للانتباه من القوة الداخلية التي هي أقرب إلى التفسير العلمي، وإذا ما حدث الشق أو الانشقاق فإنه يحدث بطبيعة الحال الفلق أو الانفلاق، فهما حركتان متضادتان، ولا يمكن أن يظل القمر منشقا إلى ما لا نهاية؛ لأن المعجزة خرق مؤقت لقوانين الطبيعة. وقد تعتمد الصيغة على نص قرآني لواقعة مشابهة مع تغيير وقتها، بدل أن تكون في آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة تحدث في وقت النبي. ويضاف إليها التعليل لهذا النقل من الآخر إلى الأول، ومن المستقبل إلى الحاضر، مثل أن يكون ذلك ردا على الأعداء حين السؤال عن وقت الحادثة. ويحدث نقل آخر من الأرض إلى السماء؛ فمعجزات السماء أقوى من معجزات الأرض. وفي حالة الشق كفعل متعد يظهر الفاعل وهو سبابة الرسول يشق بها القمر في السماء، إشارة إلى الطاعة وصورة للسكين، وتوجيها للأمر. وهذا ليس بجديد؛ فقد حدث من قبل لدى أنبياء بني إسرائيل في توقف الظل والشمس. أما وقوف الشمس مدة من الوقت وردها بعد المغيب فواضح أنه نسج على أصل انشقاق القمر مرة بشق الكم، ومرة بتغيير الكيف، بتوقيف الحركة كما وقفت ليوشع بن نون عندما كان مع بني إسرائيل يقاتل الجبارين.
11
وقد يحاول بعض المعاصرين إثبات ذلك علميا، فلا يثبت المعجزات ولا ينكرها، أو ينكرها كحادثة خارقة للعادة، ويثبتها كحادثة طبيعية. وفي هذه الحالة يصبح العلم هو أساس الإثبات أو النفي وليس الرواية، كما يصبح مقياسا لصدق المعجزة؛ وبالتالي لصدق النبوة، ولا تصح المعجزة مباشرة دليلا على صدق النبوة. ولما كان العلم نتاجا للغرب، يصبح التراث الغربي مقياسا لتراثنا القديم؛ وبالتالي يزداد وقوعنا في التغريب بدل تخلصنا منه. والحقيقة أن الشمس والقمر آيتان لله لا ينكسفان ولا ينخسفان لموت أحد بنص الحديث، يخضعان للقانون الطبيعي، ومسخران لنفع الإنسان. وأي اضطراب فيهما يسبب اضطرابا مشابها في حياة الإنسان.
12
وفي مجتمع صحراوي لم يكن للآلهة أو للسحرة فيه أي قدرة على خرق قوانين الطبيعة، ولدى قبائل تجهل قوانين العلم، كان من الطبيعي أن يكون انشقاق القمر وتوقف الشمس في الخيال الشعبي ولدى رواة المدح وكتاب التعظيم أحد وسائل التخييل وطرق الإقناع. (2)
أما ظواهر الطبيعة الأخرى فتأتي هذه المرة من الأرض وليس من السماء. ليس من الشمس والقمر والنجوم وهي قيم في نهار الصحراء وليلها، بل من طبيعة أرضها وحاجاتها، مثل الماء للسقي أو للوضوء. فمن هذا النوع نبع الماء بين أصابعه، وقد يضاف إلى ذلك الغاية أو العلة أو العلة الغائية لذلك، وهو وضوء الجيش، أو سقيه العدد الكبير من الماء اليسير أسوة بمعجزة الطعام، إشباعه الخلق الكثير من الطعام القليل. وقد يضاف شرب الدواب مع شرب البشر، ما دام الكل عطشى، وكائنات حية، ورحمة عامة. ولو استمرت فترة الخلق كما تستمر عند الصوفية لشربت الطير والهوام وكل ذي حياة ونفس، كما يظهر النموذج القديم في تاريخ الأديان مذكورا في صياغة المعجزة، مثل خروج الماء من الحجر لموسى، واعتبار المعجزة الجديدة أعجب من النمط القديم. وقد تذكر شهادة الحاضرين لتوثيق المعجزة والتصديق بها أمام الشهود. وقد تتحول المعجزة من مجرد واقعة وقتية إلى ظاهرة طبيعية دائمة، فيصبح الماء عينين في مكان محدد مثل تبوك، وقائمين إلى الآن أسوة ببئر زمزم الذي يوجد حتى اليوم. فليس محمد أقل من إبراهيم وإسماعيل وهو من نسلهما على أية حال. وبدلا من أن يأتي الماء نبعا من الأرض، قد يأتي نزولا من السماء، فينزل المطر بدعواه حتى ولو في وقت الصحو دونما حاجة إلى غمام، فذاك أعظم حتى لا يكون هناك رابط ضروري بين العلة والمعلول. ونبع الماء ونزول المطر في بيئة صحراوية جافة يعد معجزة في حد ذاته، وفي مجتمع الماء حياته، والجفاف موته.
13 (3)
أما ظواهر الجماد فهي في مقابل الماء في الصحراء، فذلك مثل تسبيح الحصى بين يديه، وتسليم الحجر عليه، وكلام الجماد.
14
وقد يسبح الحصى بين يديه من فعله أو من يديه؛ أي من فعل الرسول، وهو أكثر إغراء؛ نظرا لوجود العلة الخارجية من مجرد التسبيح بعلة داخلية، تسبيح الحصى من ذاته. وقد يكون التسبيح يبن الأصابع أو في الكف، صورتي الحركة أو الثبات؛ بين الأصابع نظرا لوجود صوت الخشخشة، وفي الكف بلا أصوات طبيعية وهو أعظم وأقدر وأبلغ. وقد يسمع الحاضرون التسبيح؛ أي بحضور الشهود والجمع الغفير؛ حتى لا تكون المعجزة ذاتية فردية، وحتى يعطى لها تصديق موضوعي جماعي. فلو كان هناك احتمال الخطأ في واحد فلا يمكن أن يعم هذا الاحتمال الجميع. وقد يسلم الحجر عليه ويتعرف على النبي، مقابلة بجهل الإنسان وتكذيب غير المصدق به؛ فالجماد أكثر تصديقا من الإنسان. وقد يتكلم الجماد من مجرد لمس النبي له، وكأن النبوة كما هو الحال في المثل الشعبي: «تخلي الجماد ينطق». فما بال الإنسان لا ينطق تصديقا بها؟ وفي جو الصحراء حيث يعز الكلام، ولا يجد الأعرابي من يكلمه، فإنه يشعر لا محالة بكلام الحصى والجماد له حتى يأنس في وحدته، وكما هو الحال في الشعر العربي، وفي كل شعر في الخطاب المتبادل بين الشاعر وظواهر الطبيعة. (4)
Неизвестная страница