От вероучения к революции (4): Пророчество – Воскрешение
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Жанры
4
وكيف يكون الرسول وهو أرحم البشر أجمعين بهذه القسوة، يمنع العطشان من الحوض، وهو متدلي اللسان لاهث النفس، والرسول إنسان؟ وماذا عن باقي الأمم إن لم يكن لكل نبي حوض ؟ ولماذا يكون حوض صالح ضرع ناقة إن لم تكن المعجزة في النبوة رصيدا في الميعاد؛ وبالتالي يحد الماضي المستقبل بتصوراته وتخيلاته؟ وتزداد التفصيلات في وصف الحوض مكانا؛ طولا وعرضا وعمقا، ولونا ورائحة. فمن حيث الشكل هو حوض أو نهر لا تنافس بينهما ما دام المعنى واحدا، وهو الدلالة وتخفيف عذاب العطش، وهو متصل بالجنة ونهرها، وكلاهما كوثر؛ فالحوض مصدر النعيم مثل أنهار الجنة، مع أن الكوثر لغويا تعني الخير البالغ في الكثرة، وقد لا تعني شيئا حسيا ماديا مكانيا. مكانه مع الوقف وقبل الصراط؛ لأن الناس يخرجون عطشى من القبور، وكأن الإنسان في القبر ما زال له جسد ولسان وحلق يشعر بالعطش! وقد يكون هناك حوضان: الأول قبل الصراط والميزان، والثاني في الجنة. الحوض قبل الصراط؛ فالناس عطشى، والحوض بعده إرهاصا للجنة. وقد يعترض من القدماء بأن الحوض لو كان قبله لحالت النار بينه وبين الماء الذي ينصب فيه من الكوثر، وكأن النار متوسطة بينهما، أو أنه يستحيل التغلب على هذه الصعوبة بالالتفاف والكباري والسدود، أو أن القدرة الإلهية ليس في استطاعتها الإجابة الفعلية على هذا الاعتراض. مكانه على الأرض المبدلة، وهي أرض غير الأرض التي فنيت، ولا سبيل إلى معرفتها إلا قياس الغائب على الشاهد. هو جسم مخصوص متسع الجوانب على أرض بيضاء كالفضة. فهو حوض حسي حتى لا يكون مجرد خيال أو وهم، متسع الجوانب تعبيرا عن الفيض والكرم، على أرض بيضاء كالفضة تعبيرا عن الصفاء والنور والطهارة. واتساعه لمسافة ما بين أيلة ومكة، أو ما بين صنعاء ومكة، أو بين بيت المقدس ومكة، فهناك طرف ثابت وهو مكة، وطرف آخر متحرك وهو آيلة أو صنعاء أو بيت المقدس. الأول في وسط الجزيرة، والثاني في جنوبها أو في شمالها. وقد تكون المسافة ما بين المدينة وبيت المقدس، فتحل المدينة مكان مكة، ويكون القياس شمالا لا جنوبا. وقد تكون المسافة في جنوب الجزيرة ما بين عدن وعمان على طول حضرموت، حتى يحدث التقابل بين ظمأ حضرموت وري الحوض. وقد تتحدد المسافة أكثر فأكثر بالمسيرة بين نقطتين؛ فالمسيرة بين عدن وعمان شهرا، وما بين مكة وأيلة شهرا، وما بين صنعاء والمدينة شهرين، وقد كانت هذه الجهات تمثل أطراف الأرض القصية في الجزيرة العربية؛ وبالتالي يدل قياسها على اتساع الحوض وكثرة الماء بالتقابل مع قحط الجزيرة.
5
زواياه مربعة دليلا على الاتساق الهندسي، مستو ماؤه ضد الهيجان، صفحته هادئة ضد الأمواج حتى يصح الشرب في هدوء وسكينة، لونه أبيض ناصع مثل اللبن، مثل كل شراب الجنة، وطعمه أحلى من العسل، ورائحته أطيب من رائحة المسك. أمينه جبريل عليه حارس مع علي، ويصرف أمته بالضرة والتحجيل؛ مما قد يدل على بعض الصور التي تنشأ في مجتمع الاضطهاد والانتقال من الفقر التام إلى الغنى التام. من الناس من يشرب منه لدفع العطش، ومنهم من يشرب للتلذذ، ومنهم من يشرب لتعجيل المسرة. الشرب الأول حاجة، والثاني متعة، والثالث ازدياد. على الحوض ولدان صغار ذكورا وإناثا يخدمون الآباء والأمهات، وهي صورة المجتمع البدوي القبلي. في أيديهم أكواب وأقداح ومناديل لتجفيف الفم، وعليهم قباب الزخرف والنقوش. قد تكون الأقبية من الديباج، والمناديل من نور. بأيديهم أباريق من فضة وأقداح من ذهب. كيزانه كنجوم السماء باعتبار العدد أو اللمعان. يسقي الولدان آباءهم وأمهاتهم إلا من سخط الله عليهم فلا يسقونهم، فيتفرق الولدان عن آبائهم وأمهاتهم، وتمحى عاطفة الرحمة والبر بالوالدين في يوم الفراق، وكأن الله يفرق بين الابن وأبيه والبنت وأمها على الحوض. من شرب منه يوم القيامة لم يظمأ أبدا، وكأن في شربه أعظم لذة من شراب الجنة. ولا يشرب منه إلا من قدر له عدم دخول النار، وكأن من يدخل النار قد قدر له العطش في الأولى وفي الآخرة، قبل الحساب وبعده،
6
بل ولا يشرب منه كل من ينكره، وكأن إنكار الحوض يحتاج إلى عقاب بالعطش، وهي حجة تهديدية توعدية أكثر منها حجة عقلية، وكأن الاجتهاد والرأي جريمة يستحق صاحبها العقاب. كما قد يدعى على المنكرين له بألا يشربوا منه هجوما على الشخص دون حوار مع الأفكار، مع أن الإنكار هو نوع من تأويل الحوض بالخير الكثير أو النبوة أو القرآن أو الرضا والرضوان.
7
ولا يمكن رد الإنكار إلى أثر خارجي دون تناول للصورة ذاتها، هل هي حس أم تخييل، واقع أم إيهام، حدث تاريخي أم بنية نفسية؟ لذلك قد لا يكفر منكره، بل يخطأ فحسب؛ لأنه مما لا يجب اعتقاده.
8
وعلى هذا النحو، لا يقع التعطيل فقط في الإلهيات، بل يقع أيضا في الأخرويات، وهو قائم أساسا على رفض مادية المعاني وحرفية النصوص.
Неизвестная страница