От вероучения к революции (4): Пророчество – Воскрешение
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Жанры
53
وما أسهل بعد ذلك من تأويل الحجج النقلية التي تتفق مع هذه الحجة الإشراقية. ويتجاوز الأمر من مجرد حجة لإثبات بقاء النفس بعد فناء البدن إلى إثبات للثواب والعقاب في هذه المفارقة ذاتها، فنعم النفوس الطاهرة في معرفتها، وشقاؤها في جهلها، دونما حاجة إلى ثواب أو عقاب حسيين حيث لا بدن.
54
وتنتهي حجج بقاء النفس بعد فناء البدن إلى غايتها القصوى، وهي إثبات المعاد الروحاني، وهذا الذي ركزت عليه مراحل الوحي السابقة، في حين ركزت المرحلة الأخيرة على المعاد الجسماني. فالمعاد الروحاني وارد، والمعاد الجسماني وارد أيضا، والجمع بينهما بناء على العقل والشرع. وكلاهما يدل على رغبة الإنسان في تجاوز الموت واستمرار الحياة.
55
الأول ليس موضوعا للتكليف، ولا يرفضه الشرع رفض الحكماء لحشر الأجساد. يدل عليه العقل والشرع، وتؤيده بداهة الوجدان.
والحقيقة أن المعاد الروحاني يقوم على تصور ثنائي للعالم، الحط من شأن البدن والإعلاء من شأن النفس. وهي نظرة متطهرة للعالم، ترى المادة شرا والروح خيرا؛ مما يؤدي في أغلب الأحيان إلى رد فعل عكسي؛ تصبح المادة خيرا والروح شرا، كما هو الحال في المذاهب المادية، أو تتحول إلى نفاق ورياء عندما يعيش الإنسان على مستوى المادة، ويتظاهر بأنه يسلك على مستوى الروح. فطالما هناك ثنائية متعارضة لا يسلم الإنسان إما الوقوع في الخلط بينهما بدعوى التمييز، فيعيش في مستوى المادة مغطيا نفسه بمظاهر الروح، وهو النفاق؛ أو تتسرب إليه المادة كلما أغرق في الروح، وكأن الصورة لا تعيش إلا بمضمون، حتى ولو على نحو خفي. وكثيرا ما تنتهي تحليلات الروح إلى وصف للمادة. والتصور الثنائي للعالم تصور طفولي للإنسان قائم على ثنائية الخير والشر والثواب والعقاب، في حين أن الإنسان البالغ العاقل يعمل الخير لذاته، ويتجنب الشر لذاته، دونما انتظار لثواب أو خوف من عقاب، دونما ترغيب أو تخويف. وهذا لا يمنع من حدوث ردود أفعال للأفعال الحسنة أو القبيحة في الدنيا، في الحال أو في المآل تكون في رأي الناس جزاء أو عقابا، وهي أفعال متولدة في الطبيعة ومنتجة في التاريخ. والتصور الثنائي للعالم موقف صاد يقوم على الالتذاذ بعذاب الآخرين؛ وبالتالي فهو موقف يقوم على الكراهية لا المحبة؛ فالآخر غير قادر على الوصول إلى المعاد الروحاني مثل وصول الأنا، وهذا ما يعطي الأنا نوعا من السرور والرضا عن الذات في مقابل عذاب الآخر وإحباطه؛ لذلك منع الصوفية العذاب للآخرين عندما أحبوا كل البشر. ومنهم من رغب فداء البشر كلهم بعذابه وحده، ويصبح الإنسان بطلا منقذا، مركز العالم، ومحور التاريخ. وفي الوقت نفسه، يكون التصور الثنائي للعالم موقفا ماسوشيا يقوم على تعذيب البدن في سبيل إعلاء الروح، وكلما عذب البدن درجة صعدت الروح درجة، وكلما اشتد العذاب كما قويت الروح كيفا، وكلما اشتد العذاب كيفا تجلت الروح وجودا؛ فالألم البدني لذة في سبيل سعادة أعظم هي رقي الروح. والتصور الثنائي للإنسان تصور تشاؤمي؛ لأنه يقوم على أن البدن شر والروح خير، وأن هذا العالم ميئوس منه، وأن لا أمل فيه، وأن الرجاء كله خارج العالم، في العالم الآخر. يقوم باليأس من إنقاذ العالم، ثم يعوض هذا اليأس في إنقاذ الروح؛ لذلك يظهر هذا التصور الثنائي للعالم في لحظات الضعف والهزيمة عندما يتحد الإنسان بالجزء الفاني، ويعشق الجزء الخالد؛ تعويضا له عن الهزيمة، أو عندما يتحد القاهر بالجزء الخالد، ويفعل في المقهور الذي اتحد مع الجزء الفاني ما يشاء، ثم يود المقهور أن يصبح قاهرا؛ كي يحول القاهر إلى مقهور بالفعل. يعبر إذن هذا التصور الثنائي عن جدل الهزيمة والنصر، ويكشف عن أن الحياة معركة، ولكنه يجعلها مشخصة فردية خارج العالم من أجل إنقاذه! والتصور الثنائي للعالم تصور «رأسمالي» يقوم على المنافسة والمسارعة إلى الكسب، يعوض الخسارة إلى مكسب وبأسرع الطرق، لا عن طريق النزول إلى الأسواق، بل عن طريق المضاربة والمراهنة واحتوائها من أعلى. ففهم قوانين اللعبة مقدمة لاحتوائها، وكأن اللاعب الكبير يترك اللاعبين الصغار يتنافسون على الفتات، وهو يتمتع بالقسط الأكبر، ويمتلك القسط الأعظم. يتعامل الصغار مع «الصرف»، في حين يتعامل الكبير مع «الأوراق البنكية». وإذا كان الصغار فقراء، فالخوف على الأغنياء أن تكون أوراقهم المالية غير مغطاة، أو أن تكون شبكاتهم بلا رصيد. وأخيرا التصور الثنائي للعالم تصور طبقي يقوم على افتراض طبقات في العالم الآخر يتميز الإنسان بأعلاها عن غيره، وتنتقل المنافسة من الأرض إلى السماء، ومن الدنيا إلى الآخرة؛ فالصعود دائما إلى أعلى وعلى درجات، دون أن يكون هناك هبوط. ويتربع على القمة الفرد الأقوى والأغنى والأكمل، وكأن التصور الثنائي للعالم ينتهي إلى تصور فردي خالص؛ إنقاذا للذات على حساب الآخرين.
وكرد فعل على هذا التصور الثنائي، سواء في المعاد الجسماني أو المعاد الروحاني، أصبح الخلود للنفس الكلية المتحدة بالنوع، وليس للنفس الفردية. لا يتحقق الخلود بتشخيص الرغبات، بل يتحقق بالفعل من خلال الزمان بالنشاط والجهد؛ وذلك بتحقيق الإنسان وغايته في الحياة، وبتحوله إلى تاريخ وحضارة. ويمكن للإنسان أن يخلد نفسه من خلال حياته بنشاطه وفعله وعمله، عندما ينتج فكرا ويترك أثرا؛ وبالتالي يتحول وجوده الزماني إلى وجود حضاري، كما يفعل الفلاسفة والشعراء والثوار والشهداء. ليس الخلود واقعة يمكن الحصول عليها أو لا يمكن لكل فرد، بل هي عملية تخليد، إمكانية محضة مشروطة بجهد الإنسان وفعله، وكل قادر على الخلق والتأثير. فالمعاد ليس جسمانيا أو روحانيا، بل المعاد إنساني خالص تكشف عنه رغبة الإنسان في مقاومة الموت واستمرار الحياة عن طريق أفعاله في الدنيا وآثاره في الناس، فيتحول وجوده الفردي إلى وجود جماعي، ويخلد الفرد في الجماعة، ويبقى في الأمة.
56
ثامنا: علامات الساعة
Неизвестная страница