От вероучения к революции (4): Пророчество – Воскрешение
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Жанры
وكيف تفرق الأرض بين المؤمن والكافر، فتضم الأول برفق وتعصر الثاني وتهشم أضلاعه؟ وإن كان بالصحراء أو باليم، هل يضم عليه الجو، أو تخنقه المياه، ويضيق عليه المكان؟ وقد يقوم بالعذاب الوحوش؛ تسعة وتسعون تنينا تنهش لحم الميت وتلدغه؛ لإعراضه عن أسماء الله التسعة والتسعين، كل اسم بتنين! فإن لم تكن هناك عظام لتهشيمها فهناك لدغ العقارب والحيات، وإن لم يكن هذا ولا ذاك فهناك الضرب. وماذا لو مات الإنسان من شدة ضغط العظام أو نهش اللحم أو اللدغ أو الضرب؟ هل يموت ثم يحيا ثم يموت، وهكذا إلى أبد الآبدين؟ وهل هو تعذيب في سجون الدنيا وعذاب في القبور طريقا إلى الآخرة؟ وكيف تتكلم الأرض وتنذر الكافر وتبشر المؤمن؟ كلام الأرض زهد وتصوف وسوداوية، ورفض للعالم، واحتقار للإنسان، ولفظ له حيا وميتا. وتأتي كثير من التصورات من التصوف، حيث يذخر بالخيال الشعبي واصفا حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
27
ويستثنى من عذاب القبر الأنبياء وآل البيت؛ إذ تحنو الأرض على فاطمة أم علي؛ فقد ألحدها الرسول ونزع قميصه ووضعه عليها؛ حتى لا تمسها النار أبدا!
28
وهل يبقى القميص إلى يوم القيامة؟ وما شفاعة قميص؟ كالشرطي يلصق شرائطه على الحائط ويذهب، ويقف العسكر صفا أمامها لا يتحركون؛ فهي بديل عنه ورمز له، وحافظة للنظام في غيابه. ولماذا فاطمة أم علي، وليس فاطمة زوجة علي، وليس عليا ذاته أو بنيه؟ ولماذا قارئ سورة الإخلاص في مرضه، وليس قارئ القرآن في صحته؟ ألا يستثنى من العذاب إلا الإنسان في حالة الضعف وبمجرد الإيمان بالوحدانية دون ممارسة العدل؟
ويتم عذاب القبر في البرزخ. والبرزخ يعني الانتقال من مكان إلى مكان أو من زمان إلى زمان؛ فهو مفهوم يختلط فيه المكان والزمان معا. وهو لفظ قرآني يشير إلى المكان أكثر مما يشير إلى الزمان، ويكثر استعماله في التراث الشيعي وفي الفكر الصوفي. وقد يكون لفظا أعجميا أكثر من كونه لفظا عربيا. ولماذا تكون هناك مرحلة متوسطة بين الحياة والموت، حياة هي موت، وموت هو حياة؟ ولكن إيقاع الأصوات يدل على أن الحوادث تحدث في الزمان، وأن الزمان به مراحل كما أن المكان به مراتب. يحيا الإنسان مرتين، ويموت مرتين؛ يحيا في الدنيا ثم يموت، ثم يحيا في القبر مرة ثانية، وتنتهي حياة القبر بعد المساءلة والعذاب، ثم يموت ميتة ثانية حتى يبعث من جديد، فيحيا بعد البعث والنشور. قد تكون الحياة الثانية، حياة القبر، نموذجا أو «بروفة» لما سيحدث بعد ذلك، وقد تكون استمرارا للحياة الدنيا والجسد ما زال دافئا ولم تسر فيه برودة الموت بعد؛ لذلك فهي حياة متوسطة، مثل البرزخ، بين الحياة الدنيوية والحياة الأخروية. وقد يرفع العذاب يوم الجمعة وفي شهر رمضان. وإن مات الإنسان يوم الجمعة أو ليلتها يكون العذاب ساعة واحدة؛ وذلك بحرمة النبي. ولماذا يتفاضل الزمان؛ يوما في الأسبوع هو يوم الجمعة أو ليلتها، أو شهرا في السنة هو شهر رمضان، لا تكون فيه ضغطة القبر؟ هل هي لحظات متميزة في الزمان؟ ولماذا يعود العذاب بعد ذلك؟ هل هو التعذيب؛ فالعذاب المنقطع أشد على الإنسان من العذاب الدائم؛ فبعد أن تندمل الجروح ويبرأ الإنسان تتقيح الجروح، وينتكس المريض ويعاوده الألم؟ وكيف يبدأ العذاب بين النفختين في الصور مع سؤال الملكين ، والنفخ في الصور من علامات الساعة، والساعة لم تقم بعد؟ والنفخ في الصور يعني ازدواج الصورة السمعية مع الصورة المرئية. ولماذا تموت الملائكة بين النفختين وكلها حياة أبدية، ولا داعي لموتها؟ ومن الذي يقوم بوظائفها بعد موتها؟ وكيف يبدأ عذاب القبر والحساب النهائي يوم البعث لم يتم بعد، والمحاكمة لم تعقد بعد، ولم يسمع فيها قول الشهود أو دفاع المتهم، بل ولم يصدر فيها حكم القاضي؟ وما وجه السرعة في إنزال العذاب بالكافر وبمن يستحق العقاب وهو لن يفر من قبره، ولا ملجأ أو مخبأ له؟ وهل يستعجل الله عذاب البشر إلى هذا الحد؟ هل الله سوداوي منتقم جبار إلى هذا الحد؟
29
ونادرا ما يتم الحديث عن نعيم القبر، أو وصفه بمثل هذه الدقة والتلذذ، كما يتم ذلك في وصف عذاب القبر! بل إن عنوان الموضوع عذاب القبر، وليس نعيم القبر. ومع ذلك فإن نعيم القبر يكون بأن يتحول القبر إلى جنة، بفرشها الوثير، وروائحها الطيبة، وحياتها الناعسة. يصبح القبر روضا من رياض الجنة، به زرع وحياة وماء ورباحة في المكان. يتسع القبر ويصبح فسحة من المكان إلى البلد البعيد الذي يشتاق إليه الإنسان، وبه غلمان وولدان تؤنس المطيع في وحدته إن كان من أهل العلم، به نور وشاب جميل بيده قنديل، دونما ذكر للجنس طبقا لعادات البيئة الصحراوية وممارسات البدو، وإن كانت هناك مقدماته والتمهيدات له. وقد يكون الشاب الجميل تشخيصا للعمل الصالح، وقد تكون صحبة الغلمان تعويضا عن وحدة العالم وعزلته في الدنيا مع القلم والقرطاس؛ استباقا للحور العين في جنة النعيم.
30
وبإدراك صور النعيم يدرك التقابل بينه وبين العذاب، ونشأة الصورة الفنية بقياس الغائب على الشاهد. فتوسيع القبر في مقابل ضغطه، ورحابة المكان في مقابل ضيقه، وجعل القنديل فيه ضوء مقابل الظلمة، وفتح طاقة فيها هواء في مقابل الاختناق، وانفتاح في مقابل الانغلاق، وامتلاؤه بالريحان مقابل عفن الجيفة، الرائحة الطيبة في مقابل الرائحة النتنة. وهل في القبر نعيم، في ظلمته ووحدته ووحشته وعزلته، وديدانه وتعفنه وتحلل الجسد فيه؟ وكيف يتم النعيم في القبر في وحشته وظلمته ورائحته وعزلته وغربته وصمته مثل صمت القبور، وفقره وترابه وديدانه وحشراته، وفوقه موبقات سكان القبور، وحوله شراذم العصاة والمذنبين والفارين؟ أم إن النعيم يكون بتخفيف العذاب والخنق والضغط والروائح العفنة؟ وبالتالي يرجع السؤال الأول: هل هناك عذاب القبر؟ وهل هناك حية فيه؟ ومع ذلك يظل التركيز على عذاب القبر دون نعيمه؛ للترهيب لا للترغيب، وكأن الحياة توضع خصيصا للعذاب، وكأن الحياة للعذاب، وكأنما تعاد الحياة إلى الجسد في القبر كي يتعذب الإنسان من جديد، عذاب في الحياة، وعذاب في الممات! أليست هذه نظرة سوداوية، واتجاها تشاؤميا في الحياة، وصادية يتلذذ بها صاحبها بالتفنن في عذاب الآخرين؟ وهل أصبح الألم له مثل هذا الوجود الضاغط، بحيث يتحول إلى عقيدة في علم أصول الدين؟ ألم يبعث الرسول هاديا ولم يبعث جابيا؟ وكيف يكون للعذاب كل هذا الثقل ممن عرف عنهم أنهم من أهل الرحمة؟ وكيف يخلق العقل للتعذيب والتمتع بالعذاب، والعقل نور العلم ونعمة الفكر وطريق الهداية، وكأن وظيفة العقل هي تبرير الشر وتقبله، وليس الاعتراض والتمرد عليه؟ وهل يعذب العقل وهو نعمة من الله وروح منه؟ وهل خلق الله الحياة للتعذيب أم للنعم والتمتع بخيرات الله؟ أليست الحياة كالعقل إحدى نعم الله؟
Неизвестная страница