От учения к революции (5): Вера и действие - Имамат
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Жанры
وماذا يبقى من فرق الأمة لو كفر الجميع؛ لو كفرت الفرقة الناجية الفرق الهالكة ضد الخصوم تحت ستار المعتقدات والمزايدة في الإيمان تملقا للعامة ودفاعا عن السلطان؟ بل إن العقائد ذاتها هي أيضا سلاح نظري عند كل فرقة تدافع به عن مواقفها الاجتماعية والسياسية. لا يوجد إذن تكفير نظري أو عملي، بل يوجد تباين في المواقف السياسية، وبالتالي اختلاف في الأطر النظرية. فإذا ما تم إرجاع «الإلهيات» إلى «الإنسانيات»، وبالتالي العودة إلى التجارب الإنسانية الأولى التي منها نشأت الإلهيات، ينتهي سبب التكفير؛ فقد كان في أحسن الأحوال وبفعل الفقهاء حكما شرعا على صور فنية ونظريات دفاعية أو هجومية لها تأويلها في التجارب الإنسانية، وليس بناء على أحكام عقلية أو شرعية. وإذا ما تم الاتفاق على حد أدنى من المواقف السياسية والاجتماعية، ودون الوقوع في المزايدة الإيمانية أو تبعية للسلطات السياسية، فإنه يمكن نزع سلاح التكفير، والسماح باختلاف الأطر النظرية على أساس أنها اجتهادات نظرية في مواقف اجتماعية مختلفة. وتظل كلها شرعية في إطار الوحدة الوطنية لأمة واحدة.
ثانيا: هل هناك تكفير عقائدي نظري؟
كان تكفير الفرقة الناجية للفرقة الضالة الهالكة تكفيرا عقائديا نظريا بالأساس قبل أن يكون تكفيرا عمليا، إخفاء للمواقف العملية، وإبرازا للعقائد النظرية؛ تملقا للعامة ودفاعا عن السلطان. فهل يتم التكفير طبقا للآراء النظرية أم للأفعال؟ إن الآراء النظرية ما دام لا ينتج عنها فعل فإنها تظل خارج نطاق التكفير، بل إن تعريف الفرقة الناجية للأمة هو كل من نطق بالشهادتين؛ فالإيمان قول قبل أن يكون نظرا أو تصديقا أو فعلا. فكيف يتم التكفير النظري والنظر ليس من الإيمان عند الفرقة الناجية؟ وكيف يتم التكفير في أصلي التوحيد والعدل؟ هل يكفر أحد في التوحيد والعدل؟ لماذا يكفر من يرى أن هناك ذاتا لها صفات وأن هناك إنسانا حرا عاقلا ومسئولا؟ ولماذا تكفر باقي الأصول الخمسة، الوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وإذا اتفقت فرق المعارضة الرئيسية الثلاث على أصلي التوحيد والعدل، فإن ذلك يعني التكفير النظري لها جميعا.
1
والحقيقة أن الفرق إنما نشأت أولا بسبب موضوعات عملية، وفي مواقف عملية، وبناء على اختلافات عملية وليست نظرية؛ فقد نشأ صراع حول السلطة وحول الشرعية، حول البيعة والعقد، ثم تحول هذا الخلاف إلى مسألة نظرية في الإيمان والكفر، والطاعة والعصيان. كانت المسألة إذن عملية في إطار نظري مثل مرتكب الكبيرة أو التحكيم، ثم أخذت بعد ذلك طابعا في مسألتي الأسماء والأحكام وفي الإمامة، ثم انتقل العرض النظري لها إلى عرض نظري آخر على مستوى الأصول العقلية في التوحيد والعدل. كان الخلاف إذن حول الموضوعين الأخيرين في السمعيات، ثم انتقل بعد ذلك إلى العقليات؛ أي نظرية الذات والصفات والأفعال التي هي أساس أصلي التوحيد والعدل. لم يكن الخلاف حول النبوة والمعاد، أي حول التاريخ، في الماضي وفي المستقبل، بل كان حول الحاضر، الفرد والجماعة، العمل والدولة، ثم امتد الخلاف بعد ذلك طابعا نظريا في مسألتي الأسماء والأحكام وفي الإمامة، ثم انتقال وكأنها موضوعات مستقلة بعيدة عن نشأتها العملية. ولما كان نسق العقائد يقوم على مقدمتين نظريتين، نظرية العلم ونظرية الوجود، وعلى قسمين رئيسيين؛ الأول عن الإلهيات، وهي الإنسانيات؛ الوعي الخالص (الذات) والوعي المتعين (الصفات)، وهو الإنسان الكامل، ثم خلق الأفعال والعقل الغائي، وهو الإنسان المتعين؛ والثاني عن السمعيات أو النبوات، وهو التاريخ، تاريخ الوحي (النبوة) ومستقبل البشرية (المعاد)، وهو التاريخ العام، ثم النظر والعمل (الأسماء والأحكام) ثم الحكم والثورة (الإمامة)، وهو التاريخ المتعين وتذييلها عن انهيار التاريخ (تكفير الفرق)؛ فإن التكفير العقائدي ينصب على كل موضوع على حدة. (1) هل هناك تكفير في المقدمات النظرية؟
يبدأ علم أصول الدين بمقدمات نظرية أولى، نظرية العلم إجابة على سؤال «كيف أعلم»، ونظرية الوجود إجابة على سؤال «ماذا أعلم». والسؤال عن الذات العارفة يسبق السؤال عن موضوع المعرفة، وهي موضوعات نظرية صرفة تنبع من طبيعة الذهن، ولا يكاد يختلف عليها عاقلان. ومع ذلك كفرت فيها الفرقة الناجية الفرق الضالة. (1-1) نظرية العلم
إن الموضوعات التي تكفر فيها الفرقة الناجية الفرق الهالكة فيما يتعلق بنظرية العلم في حقيقة الأمر ليست عقائد، بل هي مجرد نظريات في العلم أو طرق في النظر والاستدلال يختلف فيها النظار دون أن يكفر بعضهم أو كلهم. فإذا كان من ضمن نظرية العلم قسمة المعرفة إلى ضرورية واستدلالية، فإن التركيز على المعارف الضرورية، واعتبار أن كل المعارف ضرورية، حتى إن الكسبية منها تكون ضرورية كذلك ويقوم على ضروري، ليس كفرا، بل تثبيت للمعارف واعتبارها مغروزة في النفس؛ وبالتالي تحول نسق العقائد كله إلى معارف فطرية غير مكتسبة، تأتي من طبيعة النفس وليس من الخارج، وهو ما يجعل الإيمان واجبا عقليا.
2
وما الحكمة في التركيز على المعارف المكتسبة؟ هل السبب في ذلك الرغبة في تلقين الناس نسقا للعقائد يعارض الفطرة ويأمر بالخضوع للسلطان والتسليم لأولي الأمر؟ ولكن ذلك سلاح ذو حدين؛ إذ يمكن أيضا رفض ما تلقنه السلطتان السياسية والدينية للناس ما دامت معارفهما مكتسبة، وتوجيه المعارف الفطرية، مثل الثورة على الظلم والخروج على الإمام الجائر، ضد المعارف المكتسبة. وفي النهاية، الضروري أقوى من المكتسب، وأرسخ منه في النفس، وأقوى منه كباعث ومقصد. ولماذا يكفر القول بأن المعرفة تتولد من النظر؟
3
Неизвестная страница