Позиция по отношению к метафизике
موقف من الميتافيزيقا
Жанры
لكن التحليل المنطقي وحده لا يكفي للتخلص من سائر المشكلات التي ما برحت تشغل الميتافيزيقيين، فيجيء التحليل الفلسفي ليجهز على البقية الباقية، فهنالك فرق بين نوعين من التحليل: المنطقي من ناحية، والفلسفي من ناحية أخرى.
وتمهيدا لإبراز الفرق بين هذين النوعين من التحليل، نقول: إن ألفاظ اللغة نوعان؛ أسماء وعلاقات، فأما الأسماء فهي الألفاظ التي تسمى بها الأشياء، فهذا قلم وهذا كتاب وهذه شجرة، وإذن فالألفاظ الثلاثة: «قلم» و«كتاب» و«شجرة» أسماء لأشياء، وأما العلاقات فألفاظ لا تسمي شيئا في عالم «الأشياء»، وإنما تربط الأجزاء في بناء واحد، دون أن تضيف إلى تلك الأجزاء جزءا جديدا، فحين أقول: «إن الكتاب بين المحبرة والمصباح»، لا يكون في عالم الأشياء إلا ثلاثة: «كتاب» و«محبرة» و«مصباح»، أما كلمة «بين» وكلمة «و» فلا تسميان شيئا، وكل عملهما هو أن تربطا الأجزاء الثلاثة الأخرى في بناء واحد لغوي، حتى تجيء العبارة المرتبطة الأجزاء صورة تعكس الواقعة الخارجية «بأشيائها» و«علاقاتها».
ومهمة المنطق الرئيسية هي البحث في هذه الألفاظ التي لا تسمي «شيئا» مثل «كل»، «بعض»، «إما ... أو»، «إذا ... إذن» ... إلخ؛ لأنه حين بحث في هذه الألفاظ «العلاقية» فإنما يبحث في التركيبة الصورية للعبارة ، بغض النظر عن «المادة» التي تملأ ذلك الإطار الصوري، فإذا تناولت هذا التركيب الصوري بالتحليل لأخرج ما يحتويه من علاقات بين أجزائه، كان التحليل منطقيا.
أما إذا تناولت أسماء «الأشياء» بالتحديد والتحليل، فليس ذلك «منطقا»، إنما هو تحليل «فلسفي»، فإذا حللت - مثلا - فكرة العدد أو فكرة المكان أو الزمان أو المادة أو الدولة وما شابه ذلك، فلا أكون عندئذ في مجال البحث المنطقي؛ لأن المنطق صوري بحت، بل أكون في مجال بحث آخر، هو الذي نسميه بالتحليل الفلسفي، ما دام الأمر لا يزال متعلقا بالألفاظ والعبارات؛ (لأنه لو جاوز ذلك إلى وصف الأشياء الخارجية نفسها وتحليلها إلى عناصرها تحليلا مباشرا، كان ذلك علما طبيعيا، فلا هو تحليل منطقي ولا هو تحليل فلسفي).
نقول: إن التحليل المنطقي وحده لا يكفي للقضاء على الميتافيزيقا؛ لأنه يقوم بجانب واحد، وهو بيان أن العبارات الميتافيزيقية تتكشف عن خطأ في فهم قائلها للبناء اللغوي وما ينطوي عليه من روابط وعلاقات، فيجيء التحليل الفلسفي ليجهز على البقية الباقية، إذ يتناول المدركات الفلسفية نفسها بالتحليل، مثل «القيم» و«حرية الإرادة» و«وجود العالم الخارجي» و«شخصية الدولة» وما إلى ذلك، والمشكلة التي عني بها «مور» بصفة خاصة هي مشكلة «وجود العالم الخارجي».
16
في التحليل الفلسفي نهدف إلى التقليل من الألفاظ الاصطلاحية، ولما كانت اللفظة الاصطلاحية الواحدة كثيرا ما تنحل إلى عبارة طويلة من الألفاظ الأخرى المألوفة في الحياة اليومية، كان التحليل في الكثرة الغالبة من الحالات، ينتقل من جملة أقل إلى جملة أكثر في عدد الكلمات، وبهذا وحده يمكن إخراج العناصر التي كانت منطوية في جوف الجملة الأصلية، فمثلا لتحليل عبارة: «إنسان كاذب» نقول: «يكون الإنسان كاذبا إذا قال خبرا على سبيل الإثبات، ليحمل السامع على الحكم بأنه - المتكلم - يعتقد في صدق الخبر، مع أنه في الحقيقة لا يعتقد في صدقه.»
ونحب هنا أن ننبه إلى نقطة هامة، وهي أن القارئ لعبارة ما، قد لا يعلم للوهلة الأولى كم هو يجهل من عناصر معناها، حتى إذا ما فصلت له تلك العناصر، لم يعرف جديدا، بل اتضح له في جلاء ما كان في إدراكه الأول مشوبا بالغموض، وإذا أردت مثلا لذلك فانظر إلى هذه العبارة البسيطة: «زهرة اللعب مكعبة»، هل برزت أمامك كل العناصر المحتواة في المعنى؟ إذا أجبت بالإيجاب فأعود إلى سؤالك: كم حافة لزهرة اللعب؟ إنني لا أدري بماذا ستجيب لنفسك عن هذا السؤال، لكني أرجح أن الإجابة الصحيحة وهي أن للمكعب اثنتي عشرة حافة لن تسرع إلى المثول أمام ذهنك، وإذا كان أمرك هكذا، إذن فلم تكن فكرة تكعيب زهرة اللعب واضحة كل الوضوح كما قد ظننت.
17
ونسوق لك مثلا آخر للتحليل الفلسفي، نحاول فيه أن يجيء بيانا للطريقة التي يهدم بها التحليل الفلسفي مدركات الميتافيزيقا: «تركيا حاربت اليونان.» انظر إلى هذه العبارة تجدها في ظاهرها شديدة الشبه بعبارة مثل: «زيد قاتل عمرا.» ففي كلتا العبارتين ترى طرفين مرتبطين بعلاقة ما، الطرفان في العبارة الأولى هما «تركيا» و«اليونان»، والعلاقة التي تربطهما هي «الحرب»، والطرفان في العبارة الثانية هما «زيد» و«عمرو»، والعلاقة التي تربطهما هي «القتال».
Неизвестная страница