Позиция по отношению к метафизике
موقف من الميتافيزيقا
Жанры
والنقطة الهامة التي نريد إبرازها هنا، هي أن الفروض المطلقة لا يسأل عنها، لا لأننا نحاول السؤال فلا نجد الجواب، بل لأنه تناقض منطقي أن نقول عن القول: إنه افتراض مطلق، ثم نظن في الوقت نفسه أنه قابل للتعليل بما هو أعم منه وأشمل، ومما هو جدير بالذكر في هذا الصدد أن الناس يثير منهم الغيظ الشديد أن تسألهم أي سؤال عن فروضهم المطلقة، فمثلا هنالك فرض مطلق تنبني عليه أحكام كثيرة، وهو افتراض أسبقية الله على مخلوقاته، فها هنا لو سألت: وكيف عرفت أن الله غير مسبوق بشيء آخر؟ غضب منك المسئول؛ لأنه يحس أن سؤالك غير ذي موضوع، إذ هو منصب على ما لا يحتمل السؤال، وهو لا يحتمل السؤال لأنه فرض مطلق بالنسبة إليه.
فإذا صدقنا فيما نرمي إلى تقريره في هذا الكتاب، وهو أن الفلسفة مهمتها التحليل، كان الكشف عن الفروض السابقة المطلقة التي ينطوي عليها تفكير الناس في عصر من العصور، هو الواجب الأول للفيلسوف، فلن نمل من تكرار ما قلناه، وهو أن الفيلسوف ليس من شأنه أن يقرر الحقائق عن العالم أو أي جزء منه؛ لأن ذلك من شأن العلماء وحدهم، كل عالم في المجال الذي اختص في بحثه، وإنما ينحصر عمل الفيلسوف في تحليل ما يقوله العلماء من قضايا، تحليلا يبرز تكوينها وعناصرها، ثم يظهر ما استبطن في جوفها من فروض سابقة متضمنة، ولعل سقراط أن يكون أول من استحق اسم الفيلسوف في تاريخ الفكر، إذ هو أول من اضطلع بمثل هذا التحليل على نحو صريح، فجعل مهمته أن يأخذ من الناس أقوالهم وأحكامهم - وبخاصة في مسائل الأخلاق - ليمضي في تحليلها، صاعدا من القول إلى الفرض المتضمن فيه، ومن هذا الفرض إلى ما قبله، وهكذا حتى يصل بمن يحاورهم إلى مرحلة فروضهم المطلقة ، فإذا ما سألهم عن الفروض المطلقة؛ أخذهم الغضب، فقد أسلفنا لك في الفقرة السابقة أن الإنسان كثيرا ما يغضبه أن تضع له فروضه المطلقة موضع السؤال والبحث، ولعل معاصريه حين اتهموه بأنه «مفسد للشباب»، كان ذلك أخص ما يقصدون إليه من المعاني، وهو أنه يبيح لنفسه أن يضع الفروض الأولية المقبولة عند الناس في غير حاجة إلى جدل أو نقاش، يضعها موضع البحث، فيشكك الشبان فيما لا يجوز لهم أن يتشككوا فيه.
إن الإنسان في تفكيره العابر - أعني حين لا يأخذ نفسه بصرامة المنهج العلمي - لا يكاد يدرك أن ما يقوله من عبارات تبدو عليها البساطة منطوية على فروض سابقة، فعند التفكير العابر لا تكون عبارة مثل قولنا: «الساعة تدل على الزمن» منطوية على شيء غير معناها هذا البسيط الظاهر، مع أنها - كما أسلفنا لك منذ حين - تنطوي على سؤال هو: «لماذا صنعت الساعة؟» وهذا السؤال بدوره ينطوي على فرض أسبق منه هو «أن لبعض الأشياء غايات مقصودة»، وهذا بدوره يتضمن اعتقادا أسبق، هو أن العالم ليس قوامه المصادفات ... وهكذا.
أقول: إن التفكير العابر، يأخذ أمثال هذه العبارات على أنها مكتفية بذاتها قائمة بنفسها، وليس وراءها من شيء آخر، وأما إذا أراد المفكر أن يمعن في تحليل أفكاره - والتحليل شرط جوهري للتفكير العلمي - فإنه لا بد أن يتعقب الفكرة إلى أصولها السابقة، حتى ينفض كل فحواها وينثر كل مكنونها، فيأمن بعد ذلك أن يقع في خطأ.
إنه يستحيل على الإنسان أن يكون صاحب تفكير علمي، إلا إذا أخذ نفسه أخذا شديدا في ترتيب الأسئلة التي يلقيها في موضوع بحثه، فلأن تعرف أي سؤال تلقيه في مجال بحثك، وكيف يكون ترتيب أسئلتك، هو في الحقيقة معرفتك لخطوات السير المنتج المستقيم.
ومن وسائل التدريب على مثل هذا المنهج العلمي، أن تعتاد حل الجملة إلى ما تنطوي عليه من أسئلة وفروض؛ فذلك بمثابة فك الخيوط المعقدة في حزمة متشابكة، ثم ترتيب تلك الخيوط خيطا خيطا، فعندئذ يتاح لك أن تعرف عناصر المشكلة التي أنت بصددها معرفة علمية مستنيرة. وفي كتب المنطق مغالطة مشهورة، هي مغالطة إدماج جملة أسئلة في سؤال واحد، تضليلا للشخص المسئول، والمثل الذي تسوقه معظم الكتب المنطقية لهذه المغالطة، هو أن يسأل سائل: «هل أقلعت عن ضرب زوجتك؟» هذا سؤال واحد من وجهة نظر النحو واللغة، لكنه جملة أسئلة عند المنطق، فيمكن تحليله إلى الأسئلة الآتية: (1) هل لك زوجة؟ (2) وهل تعودت ضربها؟ (3) وهل فكرت في الإقلاع عن ضربها؟ (4) وهل بدأت في تنفيذ ما اعتزمت عليه بفكرك؟
والتحليل وحده لا يكفي، بل لا بد من ترتيب العناصر؛ لأن سؤالا من الأسئلة قد يتوقف على السؤال السابق، ففي هذا المثل لا يجوز السؤال عن الإقلاع عن ضرب الزوجة، إلا إذا سبقه سؤال عما إذا كان هناك عادة ضربها، وهذا بدوره لا يجوز إلقاؤه إلا إذا سبقه سؤال عن وجود زوجة لدى الشخص المسئول.
هذا المثل الساذج، هو في الحقيقة صورة مصغرة بسيطة للتفكير العلمي المنهجي، فالتفكير العلمي هو تفكير مرتب، والترتيب معناه أن تضع عناصر المشكلة في وضعها المنطقي سابقا فلاحقا، ولا يتيسر ذلك بغير إخراج جميع العناصر الكامنة في المشكلة التي نكون بصدد بحثها لكي نضع الخطوة المفترضة قبل الخطوة التي تنبني على افتراضها.
ولو استطعنا أن نحلل أفكار شخص كما هي مبسوطة في عباراته، أو أفكار عصر كما هي قائمة في إنتاجه من مؤلفات وما إليها، بحيث نبرز الفروض الأولى التي يقوم عليها البناء كله، كنا بذلك فلاسفة بالمعنى الذي نريد تقريره لكلمة «فيلسوف»، وإذا قبلنا هذا المعنى للفلسفة، ثم إذا جعلنا «الميتافيزيقا» هي مثل هذا التحليل الذي يخرج الفروض السابقة المنبثة في التفكير العلمي، كانت «الميتافيزيقا» عملا مقبولا من وجهة نظرنا، إذ «الميتافيزيقا» بالمعنى المرفوض هي تلك المحاولات التي يحاول بها أصحابها أن ينبئوا بأحكام إيجابية عن أشياء غير محسوسة.
ولما كان «عمانويل كانت» قد جعل مهمته الأولى أن يحلل قضايا العلم مثل هذا التحليل الذي أشرنا إليه، كنا نعده في طليعة فلاسفة التحليل، وجدير بنا أن نلقي بعض الأضواء على ما أخذ «كانت» على نفسه أن يؤديه؛ ليزداد هذا القول وضوحا في ذهن القارئ.
Неизвестная страница