Позиция по отношению к метафизике
موقف من الميتافيزيقا
Жанры
8
على نحو ما يقول زميله العالم مثلا: إن الزئبق الصلب لا يوجد إلا والحرارة أقل من 38,86 درجة تحت الصفر بمقياس فهرنهيت، لكن العالم الطبيعي حين يقول ذلك، في مستطاعه أن يمسك ببضعة من زئبق سائل في أنبوبة، وأن يأخذ في خفض درجة حرارته درجة درجة؛ ليرى هو ومن أراد أن يرى معه، في أية درجة سيتحول الزئبق السائل إلى زئبق صلب، وإذن فقد شاهد الزئبق في الحالتين: في الحالة التي كانت درجة الحرارة فيها أكثر من 38,86 تحت الصفر بمقياس فهرنهيت، وفي الحالة التي كانت درجة الحرارة فيها دون ذلك، فرأى أن الزئبق لا يكون متجمدا إلا في الحالة الثانية دون الأولى. أما زميلنا الفيلسوف حين يصوغ قضيته على هذا الغرار، قائلا إن الشيء لا يوجد إلا وهو مدرك ، فليس في وسعه أن يخبر إلا حالة واحدة، وهي عندما يكون الشيء مدركا. إنني الآن أنظر إلى خزانة كتبي، فأرى فيها صفوفا من الكتب خلف لوح الزجاج، لكنني لا أرى الكتب التي رصصتها في أجزاء الخزانة التي تحجبها أبواب خشبية، فبناء على هذا المبدأ الفلسفي المذكور، لا أحكم بالوجود إلا على الكتب التي أراها، وأما الكتب التي لا أراها الآن لاحتجابها وراء الحواجز الخشبية فهي غير موجودة، فتسأل فيلسوفنا: كيف لا تكون موجودة وقد رأيتها منذ لحظة حين فتحت الأبواب الخشبية، كما أستطيع أن أراها بعد لحظة إذا كشفت عنها الغطاء من جديد؟ فيجيبك: إنها كانت موجودة منذ لحظة؛ لأنك كنت تدركها، وقد توجد بعد لحظة لأنك ستدركها، وأما الآن فهي ليست موجودة لأنها غير مدركة. أعود فأقول إن فيلسوف هذا المبدأ قد أشار في مبدئه هذا إلى حالتين: حالة إدراكه للشيء، وحالة عدم إدراكه له، ثم قال إن الشيء يكون موجودا في الحالة الأولى دون الثانية، مع أن الحالة الثانية - بحكم التسمية نفسها - لا تقع في حدود خبرته، وبالتالي لا يجوز له الكلام فيها.
إن أمثال هذه «المشكلات الفلسفية» المزعومة إن هي إلا لعب بالألفاظ؛ فنحن إذ نقول: «إن الشيء لا يوجد إلا وهو مدرك» إنما نستعمل كلمة «يوجد» بمعنى «يدرك» فكأننا نقول «إن الشيء لا يدرك إلا وهو مدرك»، وهو تحصيل حاصل لا يفيد شيئا. •••
ومن هذا القبيل نفسه «مشكلة فلسفية» أخرى - وهو مثل رابع نسوقه لما تزعمه الفلسفة من مشكلات - وأعني مشكلة الإدراك الحسي لشيء ما، فهل يجوز لي أن أحكم بوجود الشيء نفسه في الخارج مع أن كل ما لدي منه حاضرات حسية؟ مثال ذلك: إنني أرى الساعة الآن قائمة على مكتبي، وأسمع دقاتها، فكل ما لدي منها انطباع لوني على عيني واهتزاز صوتي في أذني، فهل تمثل هذه الحاضرات الحسية شيئا خارجها موضوعا هنالك على سطح المكتب بعيدا عني؟ أم أن حقيقة الساعة في هذا الانطباع اللوني والاهتزاز الصوتي لا أكثر؟
والحق أنك لو أمعنت في الأمر قليلا ، لما رأيت فيه إشكالا؛ لأن المشكلة المزعومة هنا - كما هي الحال في المثل السابق - قد نشأت من طريقة استعمالنا الكلمات، وليست هي بالمشكلة التي تدور حول الوقائع ذاتها، ولكي تتصور ما نريده، افرض لنفسك شخصين اختلفا مذهبا؛ أما أحدهما فيقول بأن الحاضرات الحسية معطيات جاءتنا من شيء خارجي، وأما الآخر فيقول بالمذهب الثاني وهو أن الحاضرات الحسية هي كل ما هنالك من حقيقة، ولا شيء خارجي هناك، فكيف السبيل لأحد الرجلين أن يقنع الآخر كي ينحسم ما بينهما من خلاف؟ ليس هنالك من سبيل؛ لأنهما لا يختلفان على واقعة بذاتها، حتى يمكنهما الرجوع إليها في تصديق أحدهما وتكذيب الآخر، وإنما الاختلاف على «الاسم» الذي يطلقه كل منهما على تفصيلات الموقف الذي هما بصدده، والذي لا خلاف بينهما على تفصيلاته، فأحدهما يفضل أن يسمي الموقف بلفظتي «حاضرات حسية»، وأما الآخر فيؤثر أن يطلق على الموقف نفسه اسما آخر، هو «شيء خارجى». ولزيادة الإيضاح نقول: افرض أن رجلين قد شاهدا - وهما سائران معا في الطريق - حيوانا معينا، لا يختلفان على وصف ما يشاهدان منه، أي إنه لو طلب لكل منهما أن يذكر كل التفصيلات التي تتجمع لديه عن الحيوان المشاهد؛ لجاء الوصف في كلتا الحالين متطابقا أتم التطابق، ثم افرض بعد ذلك أن أحد الرجلين قد أصر على أن يسمي هذا الذي يراه «ذئبا»، بينما أصر الآخر على أن يسميه «ثعلبا»، أفلا يكون الاختلاف بينهما على التسمية دون الخبرة التي يخبرانها؟ إنه إذا أراد أحدهما أن يصحح الآخر، فلا يرجع به إلى شيء من تفصيلات المشاهدة؛ لأنه لا اختلاف عليها، وإن جاز أن تقوم بينهما مناقشة في أمر اختلافهما، فينبغي أن تكون المناقشة في أي التسميتين «أفضل». مثل هذا هو الاختلاف الذي يقوم بين الفلاسفة حين يقول فريق منهم: إننا ندرك الحاضرات الحسية وحدها، ويقول فريق آخر: بل إننا ندرك الأشياء الخارجية التي بعثت إلينا بتلك المعطيات الحسية. لا اختلاف بين الفريقين على تفصيلات الخبرة، فما يقع في خبرة الفريق الأول هو نفسه ما يقع في خبرة الفريق الثاني، إنما آثر الفريق الأول أن يسمي هذا النوع المعين من الخبرة «حاضرات حسية»، بينما اختار الفريق الآخر أن يسميه «أشياء خارجية»، فإذا جاز للفريقين أن يقوم بينهما مناقشة وبحث، فينبغي أن ينحصر الأمر في اختيار أفضل الاسمين للدلالة على الموقف لا أكثر ولا أقل. •••
ومثل خامس وأخير نسوقه لك توضيحا لما أردناه حين زعمنا أن العبارات الميتافيزيقية أقوال فارغة من المدلول والمعنى، وأن «المشكلات الفلسفية» وليدة لعب بالألفاظ لا أكثر ولا أقل، يقول «برادلي» وهو من أعظم الفلاسفة الإنجليز المحدثين، يقول هذه العبارة الآتية في سياق كتابه المشهور «المظهر والحقيقة»:
9 «يدخل المطلق في تطور العالم وتقدمه، لكنه هو نفسه لا يطرأ عليه تطور أو تقدم.» ومعنى ذلك عنده - فيما أظن - أن العالم في سيره التطوري الذي جعل يتقدم به من الحالة السديمية إلى الحالة التي هو عليها الآن - بما فيها من نبات وحيوان وإنسان - قد تأثر بعدة عوامل من بينها عامل اسمه «المطلق»، لكن هذا «المطلق» - على الرغم من أنه قد عمل على تطور العالم وتقدمه من حالة إلى حالة - فإنه هو نفسه ثابت على حالة واحدة، لا تطور فيها ولا تقدم.
لو قال لنا عالم بيولوجى إن اختلاف البيئة يؤدي إلى تطور الحيوان من حالة إلى حالة، رأيته يقول القول وفي كراساته الأدلة التي جمعها من مشاهداته؛ لأنه حين يقول مثل هذا القول لزملائه علماء البيولوجيا، لا يفترض أن هؤلاء الزملاء سيتلقون منه القول كأنه وحي أوحي به إليه من السماء، وفي مستطاع كل زميل أن يدحض له قوله بمشاهدات أخرى إن كانت عنده مشاهدات أخرى من شأنها أن تدحض ما زعم، وهكذا يجري الأمر بين العلماء إثباتا ونفيا، فمن يثبت منهم أمرا فإنما يثبته بما قد شاهد، ومن ينفي أمرا فإنما ينفيه بما قد شاهد كذلك.
ولو قال لنا متحدث في الشئون اليومية إن إخراج الحكومة للتسعيرة قد أدى إلى تطور الأسعار من حالة إلى حالة، رأيته أيضا يقول القول وعلى لسانه الأمثلة مما قد رأى في السوق، فقد كان البرتقال ثمنه كذا وأصبح كيت، ولك - إن أردت - أن تذهب إلى السوق لتثبت أو تنفي.
فما بال الفيلسوف يجيز لنفسه ويجيز له الناس - فيما يظهر - أن يرسل ألفاظه إرسالا بغير حساب أو عقاب؟
Неизвестная страница