Позиция по отношению к метафизике
موقف من الميتافيزيقا
Жанры
وننتقل من هذا المثل إلى مثل شبيه به عميق الأثر في الفلسفة الميتافيزيقية التأملية التي نعمل على محوها وهدمها، فكم من فيلسوف يحدثك عن «الوجود» حين يقصد «بالوجود» كل الموجودات جملة واحدة، أرأيت الآن كيف يجيء كل كلام عن «الوجود» كله دفعة واحدة كلاما فارغا بغير معنى؟ لأن «الوجود» تعميم لمفردات، ولا يكون التعميم مفردا من المفردات كأنه واحد منها؛ لأنه من نمط أعلى من نمطها، فما يجوز أن تحكم به على كل فرد على حدة، لا يجوز أن تحكم به هو نفسه على مجموعها كأنه هو الآخر فرد منها.
وبعبارة اصطلاحية أسلفناها لك مرارا فيما مضى، نقول: إن أية عبارة تتحدث عن «الوجود» هي عبارة فارغة لا تجوز منطقيا؛ لأنها استخدمت دالة القضية قيمة «لمجهول نفسها»، فاحكم بما شئت على هذا الكائن أو على ذاك؛ لأنه سيكون في مستطاعنا عندئذ أن نراجع حكمك على الكائن الفرد الذي تحكم عليه، لنرى إن كنت قد أصبت أم أخطأت، لكن لا تحكم على مجموعة الكائنات كلها كأنها كائن واحد؛ لأن المراجعة عندئذ تستحيل علينا، وبالتالي لا يكون كلامك من الكلام المقبول المفهوم في شيء، إنه لا يكون كذبا فحسب، بل يكون كلاما فارغا من المعنى.
الكلام الفارغ منطقيا هو الذي يجعل قيمة المجهول في دالة القضية من نمط غير النمط المطلوب، فلو كانت دالة القضية هي: «س إنسان»، فلا تكون القضية المستحدثة ذات معنى إلا إذا اخترنا للرمز «س» قيمة من نمط معين، هو نمط الأفراد، فنقول: «العقاد إنسان»، لكن الكلام يكون فارغا بالمعنى المنطقي إذا وضعنا مكان الرمز «س» قيمة من نمط آخر، فنقول مثلا: «الحكمة إنسان» أو «الناس إنسان».
وإذا كانت دالة القضية هي «س كثير»، فإن العبارة المتكونة تكون فارغة من المعنى لو وضعنا اسم «العقاد» قيمة للرمز «س»، فنقول: «العقاد كثير»، لكنها تصبح ذات معنى لو قلنا: «الناس كثير»؛ لأن القيمة المطلوبة هنا - على خلاف المثل السابق - لا بد أن تكون فئة لا فردا واحدا. وهكذا ترى لكل دالة - أعني لكل سياق - نمطا يصلح وأنماطا لا تصلح، والخلط في ذلك مدعاة إلى الخطأ.
إننا نكرر هنا ما قلناه في موضع سابق، وهو أن مهاجمة الميتافيزيقا التأملية لا تكون بمناقشة «نظرياتها»، إذ لا «نظرية» هناك تناقش، بل المهاجمة تكون بتحليل عباراتها؛ لبيان خلائها من المعنى.
ونعود إلى مثل «الوجود»، فلو قال فيلسوف مثالي: «الوجود واحد» فيكفيك للرد عليه أن تحلل له هذه العبارة نفسها تحليلا يكشف عن حقيقة تركيبها، وعندئذ سيرى معك أنها لا تحمل معنى، وبالتالي لا تعبر عن «نظرية» كائنة ما كانت؛ لأن دالة القضية «س واحد» يحتاج رمزها «س » إلى قيمة من الأشياء التي تعد بالواحد، أعني تحتاج إلى شيء من نطاق «الأفراد»؛ كي تصبح قضية مفهومة، أما إذا أحللت محل الرمز «س» فئة، فقد قفزت من نمط إلى نمط آخر، وقد أسلفنا القول بأن الكلام الفارغ منطقيا هو الذي يجعل قيمة المجهول في حالة القضية من نمط غير النمط المطلوب، إن كلمة «الوجود» تساوي «كل الموجودات»، وإن جاز لك أن تحكم على كل موجود على حدة، فلا يجوز أن تحكم على «كل الموجودات»؛ لأن العبارة التي تبدأ بقولنا: «كل الموجودات» هي عبارة تعمم أحكاما كثيرة متفرقة قيلت عن الموجودات وهي فرادى، أي إنها تلخيص لأحكام سبق الحكم بها على مفردات، فلا ينبغي أن تكون هي بدورها موضوع حكم، ولو فعلنا لما اقتصرنا على الوقوع في الخطأ، بل لتجاوزنا حدود الخطأ إلى حيث الكلام الخالي من المعنى.
إن لأفلاطون عبارة عجيبة في محاورة «بارمنيدس» يقول فيها ما ملخصه: إنه إذا كان هنالك العدد 1، إذن فالعدد 1 له وجود، لكن العدد 1 وصفة الوجود ليسا متطابقين تطابقا ذاتيا يجعلهما شيئا واحدا بذاته، وإذن فهما اثنان، وإذن فهناك العدد 2، وإذا ضممنا العدد 2 إلى العدد 1 وإلى صفة الوجود كان لنا بذلك مجموعة عددها ثلاثة وهكذا، وهكذا تستطيع أن تمضي في مثل هذا التفكير حتى يتكامل لديك ما شئت من أعداد. ويقول «رسل» تعليقا على هذا التفكير الأفلاطوني: إنه فاسد بما فيه من أغاليط، من ذلك «أن كلمة الوجود ليست بذات معنى محدد»، أضف إلى ذلك أنه حتى لو اخترع لها معنى محدد؛ لوجدنا أن ليس للأعداد وجود؛ لأن الأعداد في حقيقة أمرها «تصورات منطقية».
42
إن القارئ لكثير جدا مما كتبه الفلاسفة الميتافيزيقيون، لو أراد محاسبة هؤلاء الفلاسفة على المعاني الدقيقة التي ينبغي أن تكون لكل كلمة وكل عبارة؛ لدهش دهشة بالغة مما يتحول إليه معظم ما كتبوه، إذ إنه سرعان ما يتحول في ضوء التحليل إلى كلام لا دلالة له ولا معنى.
الفصل السابع
Неизвестная страница