إذا عرف ذلك فليعلم أن مسيلمة وبنو حنيفة إنما كفروا بجحودهم بعض آية من كتاب الله جهلا أوعنادا وهذا المعترض وأمثاله جحدوا حقيقة ما بعث الله رسله من التوحيد الذي دلت عليه الآيات المحكمات التي تفوت الحصر وعصوا رسول الله ﷺ بارتكاب ما نهى عنه من الغلو والشرك فجوزوا أن يدعى مع الله غيره وقد نهى الله ورسوله عن ذلك في أكثر سور القرآن وجوزوا أن يستعان بغير الله وقد نهى الله ورسوله عن ذلك وجوزوا الالتجاء إلى الغائبين والأموات والرغبة إليهم وقد نهى الله ورسوله عن ذلك أشد النهي وجعلوا لله شريكا في ملكه وربوبيته كما جعلوا له شريكا في إلهيته وجعلوا له شريكا في إحاطة العلم بالمعلومات كلياتها وجزئياتها وقد قال تعالى: مبينا لما اختص به من شمول علمه: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ إلى قوله: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ﴾ الآيات.
وهذه الأصول كلها في الفاتحة يبين الله تعالى أنه هو المختص بذلك دون كل من سواه ففي قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ اختصاص الله بالحمد لكماله في ربوبيته والهيته وملكه وشمول علمه وقدرته وكماله في ذاته وصفاته ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هو ربهم وخالقهم ورازقهم ومليكهم والمتصرف فيهم بحكمته ومشيئته ليس ذلك إلا له ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فيه تفرده بالمالك كقوله: ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ وقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فيه قصر العبادة عليه تعالى بجميع أفرادها وكذلك الاستعانة وفي إياك نستعين أيضا توحيد الربوبية.
1 / 80