فالجواب أن نقول مهبط الوحي في الحقيقة قلب رسول الله ﷺ كما قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ فهذا محل الوحي ومستقره وقوله: ومنبع الإيمان الإيمان ينزل به الوحي من السماء لا ينبع من الأرض ومحله قلوب المؤمنين وهذه السورة المكية في القرآن معلومة التي نزلت على النبي ﷺ وأكثر من في مكة المشركون وفيها ذمهم والرد عليهم كقوله: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ﴾ وقوله: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ وقوله: ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ ونحو هذه الآيات كما في فصلت والمدثر وغيرها.
ثم هاجر النبي ﷺ وأصحابه إلى المدينة وأهل الشرك لم يزالوا بها ومنعوا رسول الله ﷺ وأصحابه من دخولها بالوحي وقاتلوهم ببدر وأحد والخندق وهم كانوا آخر العرب دخولا في الإسلام حاشا من جاهر وكل هذا بعد نزول الوحي ونحن بحمد الله لا ننكر فضل الحرمين بل ننكر على من أنكره ولكن نقول الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس المرء علمه وعمله فالمحل الفاضل قد يجتمع فيه المسلم والكافر وأهل الحق وأهل الباطل كما تقدم فأهل الحق يزدادون بالعمل الصالح في محل الفضل لكثرة ثوابه وأهل الباطل لا يزيدهم ذلك إلا شرا تعظم فيه سيئاتهم كما قال تعالى: في حرم مكة ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ فإذا كان هذا الوعيد في الإرادة فعمل السوء أعظم فالمعول عليه هو الإيمان والعمل الصالح ومحله قلب المؤمن والناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخيرا وإن شرا فشر وقوله: ولو قيل إن هذا الحديث ورد في ذم نجد وأهلها إلى آخره.
1 / 77