سلمة ومعه زيد مولاه، فقال: «ما لك فداك أبي وأمي يا علي» فقلت: إن عمك حمزة فعل بشارفي كذا وأخبرته الخبر، فقام رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) ولبس نعليه ورداءه ومشى بين أيدينا واتبعته أنا وزيد فسلم واستأذن ودخل البيت، فقال: «يا حمزة ما حملك على أن فعلت ما فعلت بشارفي ابن أخيك» فرفع رأسه وجعل ينظر إلى صدر رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وإلى ساقيه ويصوب النظر إليه ثم قال:
ألستم وآبائكم عبيدا لأبي؟ فرجع رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) القهقرى فقال: «إن عمك قد ثمل وهما لك علي» فغرمهما النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم))، فلما أصبح غدا حمزة إلى رسول الله يعتذر، فقال له: «مه يا عم فقد سألت الله (تعالى) فعفا عنك» فكان ذلك سبب حراسته العقل الشريف من زواله بشرب الخمر فحرمت لذلك.
فأصخ بسمعك لنفعك إلى متلو هذا النبأ العظيم وانظر ببصيرة قلبك إلى مجلو حكمة حكمه العميم، وتدبر بثاقب فكرك ما لأجله خصت الخمرة بالتنجيس والتحريم، فإنه لما كان العقل مناط معرفة المصالح والمفاسد وبه تعلم أقدار مراتب المراشد، وهو على الحقيقة معيار اعتبار الأعمال والمقاصد وحكم عدل يميز بين صفاء المصادر وأكدار الموارد، وصدر من حمزة في حق علي ما لو أن عقله معه ما أتاه بل لكان سارع إلى ما تصل إليه يدا مكانه فمنحه إياه وأتاه، لكن لما نزح أو حجب عنه عقله قبح لذلك فعله ووضح بما اقدم عليه جهله، فحرم الله (سبحانه) الخمر وحكم بنجاستها وأمر رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) كل من كانت عنده بإراقتها، وأوجب الحد على من شربها ترهيبا من مقاربتها وترغيبا في مجانبتها لتسلم العقول عن أن يتطرق إليها خلل الزوال وتحرس على أربابها فلا يشينها زلل الاختلال.
ولا يخفى أن في حفظ العقول عليهم منة تقلد أجياد العباد فلا بد من شكرها ونعمة يعظم عند ذوي الدراية والمعرفة مقدار قدرها.
Страница 56