حتى ننظر في أمرنا ثم نأتيك غدا، فلما خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب- وكان ذا رأيهم وصاحب مشورتهم- ما ترى من الرأي؟، فقال لهم: والله لقد عرفتم يا معاشر النصارى أن محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل ووالله ما لا عن قوم قط نبيا إلا هلكوا، فإن أبيتم الإقامة على دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا. فلما أصبحوا جاءوا إلى رسول الله فخرج إليهم وهو محتضن الحسين ((عليه السلام)) آخذ بيد الحسن وفاطمة خلفه وعلي خلفهما ويقول: «اللهم هؤلاء أهلي». قال الشعبي قوله (تعالى):
ابناؤنا الحسن والحسين ((عليهم السلام)) ونساؤنا فاطمة وأنفسنا علي فقال لهم رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)): «إذا أنا دعوت فآمنوا».
فلما رأى وفد نجران ذلك وسمعوا قوله قال لهم كبيرهم: يا معشر النصارى أني لأرى وجوها لو سألوا الله (تعالى) أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى منكم على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فاقبلوا الجزية فقبلوها وانصرفوا. فقال رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)): «والذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم الوادي عليهم نارا ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر ولما حال الحول على النصارى حتى هلكوا».
فانظر بنور بصيرتك أمدك الله بهدايته إلى مدلول هذه الآية ويزيد مراتب عباراتها وكيفية إشاراتها إلى علو مقام فاطمة ((عليها السلام)) في منازل الشرف وسمو درجتها وقد بين ذلك رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وجعلها بينه وبين علي تنبيها على سر الآية.
وحكمتها، فإن الله (عز وعلا) جعلها مكتنفة من بين يديها ومن خلفها ليظهر بذلك الاعتناء بمكانتها.
وحيث كان المراد من قوله وأنفسنا نفس علي ((عليه السلام)) مع النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)) جعلها بينهما إذ الحراسة بالإحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأبناء في دلالتها.
Страница 49