وجرعت النفس بفقده مرارة حسرتها. فلما أن أزلفتني الرأفة الربانية من الألطاف الإلهية بعنايتها، وأعرضت عن متاع الدنيا من جاهها ومالها وولايتها، رأى بعض الصالحين أمير المؤمنين عليا ((عليه السلام)) فسأله مسائل تتعلق بالمعارف القدسية وربوبيتها، فأجابه ((عليه السلام)) بكلمات، فقال: يا أمير المؤمنين لم احط علما بمعرفتها، فأحاله علي في أن أشرح ذلك له وأفصل منه ما أجمله وأبين تفاصيل قوله وجمله. فلما حضر لدي وقص علي حقيقة الحوالة في جواب ما سأله، قابلت أمره ((عليه السلام)) بالامتثال، وبادرت في الوقت والحال إلى استخراج الجواب عن ذلك السؤال. وبعد قيامي بواجب الحوالة وقضائها وامتثال أمره المطاع باستخراج أجوبتها وشرح أسمائها، ألزمت نفسي تأليف هذا الكتاب قياما بحقه ((عليه السلام))، إذ خصني بإحسانه وجعلني أهلا لاستنابته إياي في شرح اشكال من العلم اللدني وتبيانه، وليكون خلفا عن ذلك الكتاب الذي غاله الدهر بيد عدوانه فشرعت في تصنيفه وجمعت همتي لتأليفه.
وسميته مطالب السئول في مناقب آل الرسول، ونهجت جدد المطالب، واستخرجت زبد المناقب بمخض المعقول والمنقول، فجاء جامعا للفضائل صادعا بالدلائل، شارعا مناهج الوصول إلى السئول تكفيه منقبة تلقين المناقب وكونه بترتيب مراتب الأئمة الأطايب قيد العيون والعقول من قدر قدره قدمه، ومن خبر خبره خدمه وتلقى وجهه بالتقبيل والقبول، ولما أسرى القلب بعزمه لإدراك هذه المطالب وأجرى قلم فكره الصائب في تأليف هذه المناقب، ناجته نفسه المهتدية بالقول الثابت والنور الثاقب بأن هذا التأليف الجامع أشتات هذه الفضائل والرافع مراتب صفات الأئمة الأفاضل، وإن كانت جواهر مضمونه مشرقة وأنوار مكنونه متألقة، وأنهار عيونه مغدقة واشجار فنونه مورقة وثمار غصونه مونقة، فلا يستضيء بنور أفقها إلا من يعتقد وجوب القيام بحقها، ولا يرقى في معارج فضائلها وطرقها إلا من حكم التأييد الإلهي لنفسه
Страница 33