ليس في الدنيا أجمل ولا أثمن من الحب، فلا تستبدلوا به مالا أو عقارا واقرأوا نشيد الإنشاد في التوراة فإنه جعل الحب أدبا ودينا.
الفصل السابع والأربعون
الحب الأفلاطوني
على الرغم من أن أفلاطون - أستاذ أرسطو طاليس - كان مفكرا عميقا وإنسانا عظيما، فإنه أوقع الفلاسفة الإغريقية الناشئة في هوة بقيت فيها أكثر من ألفي سنة؛ ذلك أنه زعم أن « الفكرة» تسبق المادة، وأن هذا الكون له جوهر من الأفكار يعبر عنه مظهر من المواد، فوراء الدنيا الملموسة فكرة الدنيا، ووراء الجبل فكرة الجبل ... وهلم جرا.
وقد عطلت هذه «النظرية» التفكير البشري المثمر قرونا طويلة؛ لأنها حملت الباحثين على أن يستهينوا بمظهر المادة كما هي في جرمها وثقلها وكثافتها؛ اعتقادا بأن هذه الخواص لا قيمة لها إزاء الفكرة الأفلاطونية الكامنة فيها.
وقد نبذ العلم في عصرنا هذه «النظرية» واعتمد على درس الخواص المحسوسة للمادة وبذلك تمكن من التحرر من هذه الغلطة التي وقع فيها أفلاطون.
ولكن على الرغم من هذه الغلطة الفادحة التي وقع فيها أفلاطون فإن القارئ لأفكاره وآرائه في «المادية» وهي التي يعتقد بعضنا بأن كلمة «أدب» العربية صيغت على غرارها، هذه الأفكار والآراء هي دنيا عظيمة من ثراء الفكر وخصوبة التأمل ومعاني الخير والإنسانية.
ومن هذه الأفكار والآراء ما نسميه «الحب الأفلاطوني».
ونحن نزعم أننا عندما نقول أن حب هذا الشاب لهذه الفتاه «أفلاطوني» إنما نعني أنه بعيد عن أن يكون اشتهاء جنسيا، أو نزعم أنه ود اجتماعي أكثر منه حبا غراميا، ولكن الحقيقة أن أفلاطون لم يستثن العلاقة الحميمة بين اثنين من معنى الحب، ولكنه توسع في هذا المعنى إلى أن جعل لهذه الكلمة دلالة اجتماعية بل إنسانية، بل أستطيع أن أقول إنه جعل لها دلالات أخرى تصل بين الإنسان والطبيعة، وبينه وبين الحيوانات والنباتات، بل أكاد أقول إن أفلاطون حين توسع في معاني هذه الكلمة كاد يقول بالتطور وبأننا نحن البشر جزء متمم للطبيعة، وأننا أعضاء في عالم الحيوان والنبات لنا فيها جميعها قرابة، ولست أعني أنه عرف نظرية التطور، وإنما أعني أنه كان علي إحساس نفسي أو «صوفي» بها، وقد أحبه الصوفيون كثيرا لهذا السبب، ونزعة الحب العام الذي أشادوا به كثيرا تعود إلى أفلاطون.
يفهم أفلاطون من كلمة الحب أنه ذلك الإحساس الإنساني الذي يجعلنا ننشد سعادة الغير عندما ننشد سعادتنا نحن ، وأنه - أي الحب - هو إحساس التوافق بيننا وبين جميع الكائنات، فنحن حين نحب الجبل والنهر، والفرس والكلب، والشجر والعشب، نمتلئ فضيلة وسعادة معا وننأى عن الرزيلة والتعس.
Неизвестная страница