1 - يجب أن نمارس الحياة
2 - الإنسانية أسمى أنواع الذكاء
3 - الحكمة ثمرة الخبرة
4 - اجعل حياتك حافلة
5 - الاستهتار برهان السأم
6 - لن نخسر المعركة
7 - يجب أن نتفاءل
8 - الخوف ضد الذكاء
9 - الشجاعة سعادة
10 - أسوأ من الموت
Неизвестная страница
11 - اطلب الدلالة
12 - النوم شقيق الموت
13 - امتحانات الذكاء
14 - اسأل مجرب
15 - لا تخش القلق
16 - لماذا ينتحر؟
17 - تربية العظماء
18 - ضرورة الجنون
19 - الكوارث التي تعلمنا
20 - شارة الشرف
Неизвестная страница
21 - كن طالبا طيلة عمرك
22 - التفكير الذهني
23 - ماذا تدرس
24 - أطفال عاشوا ذئابا
25 - الشعب العظيم
26 - السخط المقدس
27 - الحرية فكرة أولا
28 - الحكومة الخيرية
29 - فلسفة الأحزاب
30 - ضيوف الحضارة
Неизвестная страница
31 - أثمن العواطف
32 - القلب المهذب
33 - فلسفة أنا وحدي
34 - كلمات الكاتب
35 - الكتب والصحافة
36 - اختر أدباءك
37 - النسك والعظمة
38 - شم النسيم
39 - عبقرية الصباح
40 - السياحة
Неизвестная страница
41 - شرق وغرب
42 - شبابنا
43 - أخطر أعمالك
44 - حول تحديد النسل
45 - الحب أساس الزواج
46 - الحب في التوراة
47 - الحب الأفلاطوني
48 - ذكاء المرأة
49 - مساواة المرأة بالرجل
1 - يجب أن نمارس الحياة
Неизвестная страница
2 - الإنسانية أسمى أنواع الذكاء
3 - الحكمة ثمرة الخبرة
4 - اجعل حياتك حافلة
5 - الاستهتار برهان السأم
6 - لن نخسر المعركة
7 - يجب أن نتفاءل
8 - الخوف ضد الذكاء
9 - الشجاعة سعادة
10 - أسوأ من الموت
11 - اطلب الدلالة
Неизвестная страница
12 - النوم شقيق الموت
13 - امتحانات الذكاء
14 - اسأل مجرب
15 - لا تخش القلق
16 - لماذا ينتحر؟
17 - تربية العظماء
18 - ضرورة الجنون
19 - الكوارث التي تعلمنا
20 - شارة الشرف
21 - كن طالبا طيلة عمرك
Неизвестная страница
22 - التفكير الذهني
23 - ماذا تدرس
24 - أطفال عاشوا ذئابا
25 - الشعب العظيم
26 - السخط المقدس
27 - الحرية فكرة أولا
28 - الحكومة الخيرية
29 - فلسفة الأحزاب
30 - ضيوف الحضارة
31 - أثمن العواطف
Неизвестная страница
32 - القلب المهذب
33 - فلسفة أنا وحدي
34 - كلمات الكاتب
35 - الكتب والصحافة
36 - اختر أدباءك
37 - النسك والعظمة
38 - شم النسيم
39 - عبقرية الصباح
40 - السياحة
41 - شرق وغرب
Неизвестная страница
42 - شبابنا
43 - أخطر أعمالك
44 - حول تحديد النسل
45 - الحب أساس الزواج
46 - الحب في التوراة
47 - الحب الأفلاطوني
48 - ذكاء المرأة
49 - مساواة المرأة بالرجل
مشاعل الطريق للشباب
مشاعل الطريق للشباب
Неизвестная страница
تأليف
سلامة موسى
الفصل الأول
يجب أن نمارس الحياة
لا أتمالك أن أقول كلمة لشبابنا من الجنسين، وهم يستقبلون كل عام جديد: إنه عام سيزيد أعمارهم سنه فهل هو سيزيدها حياة؟
إنه يجب على كل شاب أو فتاة أن يولد من جديد في بداية كل عام ... وذلك بأن يراجع حياته الماضية ويقلب صفحات الأصول والخصوم فيها ، ما كسب منها من الأخلاق العليا والعادات الحسنة والثقافة الصحية، والصحة في النفس والجسم، وما خدم به أمته وعائلته، ويقابل هذا بصفحات الخصوم مما خسر ووقع فيه من عادات وأخلاق لا يجب بقاؤها، ومن إهمال للثقافة والصحة، ومن إهمال لخدمة المجتمع.
إن أحسن الأنواع للاستمتاع هو ذلك الذي يزيد حياتنا حيوية وتوسعا وتعمقا، بحيث نحس أننا أحيا مما كنا، ولن يتحقق لنا ذلك إلا بمجهودات متوالية للاستزادة من الحياة.
وإنما نستزيدها بأن ننمو وبأن نتطور وبأن نرقى، وبكلمة أخرى أن نعيش في طموح، وأن ننظر النظرة الايجابية للحياة، فلا نقنع بالإقلاع عن عادة سيئة، وإنما نعمد أيضا إلى اتخاذ عادة حسنة، ولا نقنع بتجنب رذيلة وإنما نمارس فضيلة؛ ذلك لأن الهدم وحده لا يكفي، إذ يجب أن نبني.
فلا تشك أيها الشاب أن ظروفك سيئة وأنها تؤخرك، فأنا أعرف وأسلم بما فعلته بك الظروف السيئة، ولكن ماذا فعلت أنت بها؟ هل سكت وخضعت؟
إننا نعيش في وسط يؤثر فينا ونؤثر فيه، ويجب أن نؤثر فيه ونغيره، وإذا لم نستطع نغيره فلننقحه، ويجب أن يسعى كل منا لأن تكون لحياته دلالة، يجب أن يكون رجلا يدل.
Неизвестная страница
هناك برنامجا للعام الجديد: (1)
إبطال عادة التدخين واستبدال هواية حسنة بها. (2)
قراءة ودراسة عشرين كتابا عصريا للمؤلفين الجادين الذين يهدفون إلى التنوير. (3)
العودة إلى اللغة الأجنبية التي كنت قد تعلمتها في المدرسة وكدت أن تنساها، تعود إليها الآن لدراستها والانتفاع بما فيها من مؤلفات متمدنة. (4)
مصادقة الشبان المتطورين الذين يحيون حياة دالة.
وكثيرا ما أتأمل أحد الناس يمارس المحماة أو الطب أو التجارة أو الزراعة، فأجد فيه مهارة وذكاء كما أجد مثابرة وإخلاصا لحرفته، وهو لذلك ناجح في حرفته.
ولكن حين أواجهه وأتحدث إليه نفسا لنفس وأتغلغل في أعماقه وأصارحه حتى أحمله على مصارحتي، لا أتمالك الإحساس بأني إزاء رجل جاهل يحيا في هذه الدنيا ولا يدرى أنه يحيا.
وذلك أن أول ما يجب أن نحترفه في هذه الدنيا أو نمارسه كل يوم ليس هو المحاماة أو الطب أو الزراعة أو التجارة، وإنما هو الحياة.
يجب أن نحترف الحياة ونمارسها.
إننا نحيا على كوكب من الكواكب الصغرى في هذا الكون يحتوي خمس قارات من اليابسة، وهذا غير ثلثيه من الماء، ومن حقنا في السبعين أو الثمانين سنة التي نحياها عليه أن نعرف هذه القارات الخمس وندرس أرضها ونرى جبالها وأنهارها ومدنها وناسها، وأن ندرس مختلف الثقافات واللغات ونتقن اللغة الفرنسية حتى نعرف الأفكار الفرنسية كما ندرس الإنجليزية كيما نعرف الأفكار الإنجليزية والأمريكية.
Неизвестная страница
ومن حقنا أن نختبر فنعرف طرب الحب في شبابنا بل طيلة حياتنا، وأن نجد الأشعار في الأشجار، وأن نعرف الأحياء الأولى في البحار، وأن نقف تحت هيكل الدينصور في متحف باريس ونحيي هذا الأخ القديم الذي انقرض قبل مئة مليون سنة، وترك لنا هيكله الذي يزيد مئة ضعف من هيكلنا كاملا، حتى نتأمل ونفكر ونفلسف.
ومن حقنا أن نقرأ الفلاسفة الذين انحنوا وخضعوا، والذين ثاروا ونهضوا، وأن نفكر أحسن مما فكروا ونجرؤ أكثر مما جرءوا.
ويجب ألا تخدعنا حرفة العيش، حرفة الكسب الجزئية، عن احتراف الحياة الكلية وممارستها، والحياة هي في النهاية حب وجهد، وتطور وارتقاء، وهي اختبار مباشر بلقاء الناس والأرض والمدينة والريف، وهي أيضا اختبار غير مباشر بالكتب نقرأ فيها الفلسفة والعلم والأدب والفن.
ثم يجب ألا نؤجل الحياة، إذ علينا أن نستمتع بكل هذه الأشياء ونحن بعد قادرون على الاستمتاع، أما إذا أجلنا حتى نمتلئ بالشيخوخة فالدنيا علينا حرام والشيخوخة والموت سواء.
وهذه النظرة للحياة ليست لها قيمة فردية فقط؛ إذ إن لها قيمة أخرى للمجتمعات البشرية، إذ لو كانت الحياة رسالتنا الأولى لكان تفكيرنا الأول يتجه إلى عواملها وليس إلى عوامل الحرب والموت والدمار التي تفكر فيها المجتمعات المتمدينة الآن.
الفصل الثاني
الإنسانية أسمى أنواع الذكاء
تبدو صفات الذكاء في الناس متنوعة متفاوتة، فهناك الذكاء التجاري الذي يلمع فيه صاحبه الثقوب التي ينظر منها إلى الجنيه والقرش، وهناك الذكاء العلمي الذي يخترع ويكتشف، وهناك ذكاء الأديب الذي يجمع إلى طرب الأسلوب جمال الفكرة، ولكن أعظم أنواع الذكاء وأسماها هو الإنسانية.
ذلك أن الإنسانية هي إحساس وعقل كما هي وجدان وطرب، وحين نكون إنسانين يزداد وجداننا حتى ليحتوي الحيوان إلى جنب الإنسان، بحيث نأنف من إيذاء نملة بلا سبب، وبحيث نكره القسوة في معاملة الدواب قبل الأطفال.
والرجل الإنساني يحيا في هذه الدنيا كما لو كان أما ينظر إلى الناس بقلبه وعقله وليس بعقله فقط، وهو هنا ذكي بل هو يغزو ذكاءه بإنسانيته.
Неизвестная страница
ونحن نجد في أيامنا من يسمون أنفسهم عقلاء وواقعين، يحتقرون الزنوج، ويتهمون الفقراء بالكسل والتراخي والإهمال، ويقسون على الأطفال، ويضربون الحيوان. وكل هؤلاء يحيون كما لو كانوا من الحيوانات بأخلاق الطبيعة الغشيمة والغابة البدائية التي تحيا فيها الحيوانات.
وقد كان الإنسان قبل مئات الألوف من السنين حيوانا، جسما بلا نفس، وكان ذكاؤه أنانيا، أما الآن فإن له نفسا هي إنسانة جسمه، والإنسانية هي الذكاء الاجتماعي، هي كما قلنا أسمى أنواع الذكاء، هي إحساس الأمومة في الأخلاق.
وهناك العبقرية في الإنسانية كما أن هناك عبقريات الفن والعلم والسياسة.
وهذه العبقرية في الإنسانية نجد مثلها في غاندي، وفي شيفتزر، وفي فولتير، وفي تولستوي، وفي دستوفسكي.
إننا نحس حين نتصفح حيواتهم أو مؤلفاتهم أننا إزاء عظماء قد اتسموا بالعبقرية في الإنسانية، وقد اتسعت قلوبهم للشعوب جمعاء، مهما اختلفت ألوانهم أو لغاتهم، يكرهون التعصب والقسوة ويساوون بين الناس، وإذا كنا في محنة العالم الحاضرة نأسف أجزع الأسف على شيء فهو أن الذكاء العلمي يسود العالم ويخترع القنابل والغازات وحرب الميكروبات والطائرات، بدلا من أن يسود أمثال هؤلاء العباقرة في الإنسانية الذين ينظرون إلى العالم نظرة الأم لأبنائها.
الإنسانية هي الذكاء الكلي، هي الذكاء المحيط، هي الجمع بين العقل والإحساس.
الفصل الثالث
الحكمة ثمرة الخبرة
وليم بليك من الشعراء الإنجليز الذين عاشوا في أواخر القرن الثامن عشر وعاصروا الثورة الفرنسية الكبرى.
ألف - قبل هذه الثورة - مجموعة من القصائد أطلق عليها اسم «أشعار البراءة»، أما بعد الثورة فإنه ألف مجموعة أخرى أطلق عليها اسم «أشعار الخبرة».
Неизвестная страница
والبراءة عند بليك تعني السذاجة وما فيها من معان، فالطفل ساذج بريء، والعذراء ساذجة بريئة، والإنسان البدائي يمثل السذاجة أي البراءة الأولى أو الجهل الأول، والرجل الذي يحيا بلا تفكير بريء ... إلخ.
والمعنى أن كل هؤلاء أطهار لأنهم سذج لم يختلطوا بمجتمع متمدن يعرفون منه ألوان الفساد، فتدخل في قلوبهم الإحساسات الاجتماعية التي كثيرا ما تلابس الرذائل، أو لم يفكروا بل قنعوا بالعقائد دون الحقائق.
ولكنه بعد الثورة ألف «أشعار الخبرة» فرفع من شأن الخدمة التي نجنيها من اختباراتنا الماضية.
والحقيقة التي نحس جذورها في قلوبنا أننا نستجمل البراءة حتى ولو كانت براءة الجهل أحيانا، ولكننا عند التفكير نؤثر حكمة الاختبار.
فنحن مثلا نستجمل الفتاة العذراء ونؤثرها على الأرملة، كما نستجمل الصبي الساذج ونؤثره على الرجل المجرب، هذا في الوهلة الأولى، أما بعد التفكير فإننا نؤثر التجربة في الرجل والمرأة ونجد فيها حكمة؛ ولذلك نضطر إلى التسليم بأن الأرملة خير من العذراء لأن الأرملة التي كانت متزوجة مارست أخلاق الرجل وإدارة البيت وتربية الأطفال، ومعاملة المجتمع الذي تتصل به في شئون زوجها وأبنائها، ثم حملت الهموم بشأن مستقبلهم، هذه الأرملة تجني من جميع هذه الاختبارات حكمة للعيش وفلسفة عن الحياة.
ولكن الشاب العادي يؤثر عليها الفتاة العذراء التي لم تختبر ولم تجن قط حكمة من معاشرة زوج سابق، هذا هو الشاب العادي، أما الشاب الذي يفكر والذي ينشد الإيناع في نفس المرأة فإنه يؤثر الأرملة على العذراء.
وقد كان الشاعر بليك يستجمل البراءة، فلما حدثت الثورة الفرنسية، واختمرت في قلبه مبادئها واشتبك في الأفكار التي بعثتها حوادثها، وناقش كلمات الحرية والمساواة والإخاء والجمهورية وحق الشعب في السلام ونحو ذلك؛ تغيرت نفسه فأصبح يؤثر الحكمة والخبرة على السذاجة والبراءة، أي إنه بلغ سن الرشد أو النضج.
وهذا شأن الناس جميعا يجدون في السذاجة حلاوة إذا كانوا غير ناضجين، فإذا نضجوا نفروا من هذه السذاجة وما تحمل من جهل، ونشدوا الحكمة التي تثمرها الخبرة.
الفصل الرابع
اجعل حياتك حافلة
Неизвестная страница
كي تكون ذكيا يجب أن تدرب ذكاءك وتبسط ذهنك على ميادين مختلفة، ولا تصدق من يقول لك إن هناك عباقرة يولدون موهوبين بالذكاء الخارق كما تولد الفتاة بالجمال الخارق؛ ذلك أن الذكاء مع تفاوت مقاديره بين الناس لا يصل إلى درجة العبقرية إلا بالاختلاط بشئون المجتمع والتقلب في مصالحه وأعماله.
فإذا حفلت حياتنا بالاهتمامات الاجتماعية وترددت أذهاننا فيها ظهر نبوغنا بل ظهرت عبقريتنا، ولهذا السبب يجب ألا يكون لنا اهتمام واحد أو اهتمامات قليلة محدودة؛ لأننا حين نفعل ذلك نحدد الميدان الذي يعمل فيه ذكاؤنا فلا يجد القوة أو التلقيح اللذين يزيدانه حدة وبصيرة.
فلا تكن رجل عمل فقط، ولا رجل ذهن فقط بل كن الاثنين، ولا تكن أدبيا فقط أو عالما فقط أو فيلسوفا فقط بل كن الثلاثة، كذلك لا تقتن ثروة واحدة فقط مثل المال، بل اقتن جملة ثروات مثل المال والصداقة والثقافة والحب؛ أي يجب أن تساهم في جميع هذه الأشياء وتحيا على مستويات مختلفة فيها كما لو كانت حياتك جملة حيوات.
وبهذه الحيوات المتعددة، وبهذه الاهتمامات المتعددة نحس السعادة، ولا يمكن أن تبتئس بل لا يمكن أن تتراخى وتفقد النشاط؛ لأنه عندما تضيع منك ثروة تجدد أخرى، وعندما يضعف اهتمامك بشيء تجدك قد اهتممت بآخر.
مارس عملا بيدك وادرس شيئا بعقلك، كان تولستوي يصنع الأحذية بيده ويكتب القصص بذهنه، وكان يحرث الأرض ويقرأ الشعر.
أجل يجب أن تكون حياتنا استيعابية تستوعب أكبر مقدار من الاهتمامات، ويجب ألا نتخصص إلا بمقدار ما نكسب لقوتنا في عمل معين، أما بعد ذلك - بعد الكسب للقوت - فإن رائدنا في الحياة يجب أن يكون التعميم لا التخصيص.
ولا تقل إن العمر قصير، فإنه يطول ويتضاعف إلى ثلاثة أو أربعة أضعافه عندما نكثر من الاهتمامات الاجتماعية والسياسية والأدبية والعلمية التي تحفل بها حياتنا ويزيد بها ذكاؤنا، وعندما يزيد حبنا للدنيا والناس والكون، فنحس لذة الحياة فلا نسأم ولا نبتئس؛ إذ كيف نبتئس ولنا جملة ثروات ننفق منها.
الفصل الخامس
الاستهتار برهان السأم
كثيرا ما تنخدع برؤية بعض الناس يلهون ويستهترون ولسان حالهم يقول: «نعيش اليوم لأننا لا نعرف إذا كنا سنحيا في الغد».
Неизвестная страница
والذي يخدعنا في هؤلاء الناس أننا نعتقد أنهم سعداء قد حلوا مشكلة الوجود واستقروا على أن الأسلوب الأمثل للحياة هو أن نحيا في مسرات متوالية نأكل ونشرب، وغدا نموت.
ولكننا عندما نتأمل حالهم ونتحدث إليهم نجد أنهم في غمرة من التشاؤم والحزن، قد سئموا الحياة وضاقوا بها إذ لا يجدون أية دلالة لها، وهم كلما شملهم السأم والحزن عمدوا إلى المسرات الرخيصة التي تسري عنهم تفاهة هذه الحياة التي يحيونها، واستهتارهم في الأخلاق وإقبالهم على الشراب أو الطعام إنما يعود كل ذلك إلى عجزهم عن أن يرفعوا أنفسهم إلى المقام الذي يشعرهم بالكرامة والسمو، وإلى عجزهم عن أن يؤدوا عملا أو يقوموا بنشاط يجعل لحياتهم دلالة.
إن خلو الحياة من الدلالة هو الذي يجعل الشاب يتساءل: لماذا أعيش؟ ومتى سأل هذا السؤال ولم يجد الجواب الشافي فإنه عندئذ يستهتر، بل هو قد يرتكب الجرائم الأخلاقية البشعة لأنه لم يعد يجد الدلالة في الاستقامة والشرف، ولا نقول العظمة والمجد.
كيف إذن نوجد الدلالة لحياتنا؟ نوجدها بأن ننشئ، نبني، نشيد. نؤدي من العمل ما نرى نتائجه تنمو أمام أعيننا فنفرح ونحس أن المستقبل جزء من الحاضر؛ لأن هذا العمل سيطرد في نموه في السنين القادمة، أي في هذا المستقبل.
نبني أنفسنا، نبني شخصيتنا، أو نبني غيرنا بالتربية والتثقيف.
وتجري عملية البناء يوما بعد يوم فتشعرنا بتطورنا وارتقائنا وعندئذ نجد الدلالة وهي:
أنا أحيا لأني أرتقي، ولأن لنفسي امتدادا في المستقبل يجعلني أتفاءل وأفرح، فلا أحتاج إلى أن أقول: لنأكل ونشرب وغدا نموت.
إن هذه الكلمات التي تحمل معنى التشاؤم بالمستقبل، ومعنى التفاهة في حياتنا الحاضرة، ومعنى الركود والانحلال، هذه الكلمات لا يمكن أن تخطر بعقل الشاب الذي يجد الدلالة لحياته لأنه يتطور ويرتقي، ولأنه يبني شخصيته.
ومن الأخطاء الفاضحة ظن الكثير من الناس أن الشبان المستهترين أكثر استمتاعا بحياتهم، وان كانوا أقل انتفاعا من الشبان الجادين.
ومنشأ هذا الخداع أننا نرى الشاب المستهتر يعيش في اللهو، يسهر ويتبع شهواته الدنيا، وينغمس في التدخين أو السكر، ولا يتعب في كسب ولا يؤدي خدمة تحتاج إلى الدرس والجهاد، وهو ضاحك من هموم الدنيا هازئ بالمستقبل لا يبالي بالواجبات الاجتماعية أو الرقي الشخصي.
Неизвестная страница
ونرى أن الشاب الجاد في تعب، يجهد ويعرق ويفكر كثيرا ويحمل أعباء من الهموم والاهتمامات، ويضطلع بالمسئوليات المادية والروحية، وهو رزين في حديثه يقتصد في كلماته وابتساماته، ينام ليله ويسعى نهاره في طلب الرزق أو ترقية شخصيته بالدرس.
والمقارنة بين هذين الاثنين توهمنا أن الأول سعيد باستهتاره والثاني شقي بجده، ولكن هذا خطأ فاضح؛ لأن استمتاعات الشاب الجاد تسير على مستوى أعلى من استمتاعات الشاب المستهتر، كما أنها تمتد إلى عشرات السنين في المستقبل في حين تنقطع استمتاعات الشاب المستهتر قبل أن يبلغ الأربعين أو الخمسين.
إن المستهتر يحيا بلا حياة تنتظره في النصف الثاني من عمره، في حين يحيا الجاد حياته كلها إلى يوم وفاته، الأول - أي المستهتر - يقف عند الأربعين أو الخمسين بلا اهتمامات روحية أو ثقافية أو فنية أو اجتماعية، وبلا رسالة، وفي أغلب الأحيان بلا صحة، أما الثاني - أي الجاد - فإنه ربط نفسه منذ العشرين أو قبلها بروابط الارتقاء الشخصي والخدمة الاجتماعية والاستطلاعات الثقافية، فهو شاب يرقص قلبه بطرب الحياة حتى ولو تجاوز المئة من العمر.
وطرب الحياة ليس كأسا من الخمر أو وجبة لذيذة من الطعام أو صبوة غرامية، لأننا مهما التذذنا هذه المتع فإننا نعرف أنها زائلة موقوتة وأنها دون ذلك الانتعاش الذهني الذي نحسه من الوقوف على نظرية في الفلسفة أو العلم، أو ذلك الارتياح الجميل الذي يغمرنا حين نؤدي خدمة بارة للمجتمع، أو تلك اللذة الحميمة التي نحس بها حين نجول في أيام الربيع؛ فإن طرب الحياة هنا باق غير زائل، ونحن نستمتع به طوال أعمارنا.
كثيرا ما أجد رجلا في العقد السابع أو الثامن من عمره قد تعددت اهتماماته فتوافرت له بذلك استمتاعاته؛ لأنه أخذ حياته منذ شبابه مأخذ الجد ولم يستهتر، في حين أن أولئك المستهترين أيام شبابهم لا يكادون يبلغون الستين من العمر حتى يحسوا الحيرة وحتى يتساءلوا في عجب: لماذا هم أحياء؟
أيها الشباب استمتع بالجد الباقي ولا تستمع باللهو الزائل.
الفصل السادس
لن نخسر المعركة
من أقوال روزفلت الرئيس السابق للولايات المتحدة: إنه ليس هناك معركة نكسبها تماما أو نخسرها تماما.
والمعنى الذي قصد إليه أن المعركة التي نظن أننا كسبناها كثيرا ما تحتوي عناصر الهزيمة بالإهمال في المحافظة على موقف الانتصار، وكذلك المعركة التي نظن أننا خسرناها قد تحتوي على عناصر الانتصار؛ لأنها تبعث في نفوسنا إرادة الانتصار وإصلاح الأخطاء السابقة ثم النهوض للثأر.
Неизвестная страница
وهذا هو شأننا في الحياة العامة أيضا، فإننا كثيرا ما نفقد انتصاراتنا بالإهمال، وكثيرا ما نحيل الهزيمة إلى انتصار.
فقد يحصل الشاب مثلا على شهادته الجامعية التي تشهد له بدراسته السابقة، ثم ينام عليها فلا تنتهي سنوات حتى ينسى ما تعلمه وكان يجب عليه أن يثابر على الدراسة بعد تخرجه من الجامعة حتى تتصل درجات ارتقائه.
وكذلك قد يحب الشاب فتاة ويتعب ويعرق حتى يحصل على يدها ويتزوجها، وهي تحبه لأنها وجدت منه الشغف بها والرغبة في إسعادها، ولكنه بعد الزواج يكف عن الإعجاب بها أو عن إبداء الحب لها أو الظهور بمظهر الرجولة الذي كان يعجبها منه، فيستحيل حبها السابق له جمودا أو فتورا قد ينتهي بالنفور والشقاق.
فنحن هنا إزاء انتصارين انتهي كلاهما بالهزيمة؛ لأن الشاب لم يستيقظ إلى ضرورة المحافظة على انتصاره.
وكذلك الشأن في الهزيمة؛ فإن الإفلاس الذي قد يصاب به أحد التجار قد يبعث فيه همة جديدة وطموحا أكبر، فهو يعرض لحياته الماضية ويدرس أخطاءه السابقة التي انتهت به إلى الإفلاس، فيتوقاها في المستقبل ويشرع في كفاح جديد، فلا تمضي عليه السنوات حتى يكون قد أحال هزيمته إلى انتصار.
وهذا هو ما تجده أحيانا في الشاب الذي لم ينجح في المدرسة أو الجامعة، ولكنه يشق لنفسه طريقا وعرا في الحياة ينتهي به إلى القمة التي لا يبلغها من تفوقوا عليه في الدراسة المدرسية أو الجامعية، وكأن «مركب النقص» الذي نشأ فيه من تخلف في التعليم قد أصبح بؤرة التفوق وليس بؤرة التخلف.
ففي هذين المثالين من الهزيمة نجد أن بذرة الانتصار كانت كامنة فيهما وأن الكبوة قد أدت إلى نهضة.
وفي هذا مصداق كلمة روزفلت: ليست هناك معركة نكسبها تماما أو نخسرها تماما، فلنذكر هذه الحكمة فيما يصادفنا في الحياة.
الفصل السابع
يجب أن نتفاءل
Неизвестная страница
كنت أتحدث إلى كبير من الصحفيين فألفيته في غاية التشاؤم، فإنه كان يعدد لي مساوئ الحكم وسفه المعارضة، وتفشي الرشوة والفهم السيئ للحضارة العصرية، وانخفاض المستوى التعليمي بين الطلبة وانخفاض المستوى الثقافي بين الصحفيين ... إلخ.
واعترضت عليه لأنه يبالغ في تقدير هذه المساوئ، وإن هذه المبالغة هي نتيجة لتشاؤمه وليست صورا صحيحة للواقع، وقلت له في النهاية إني لو تشاءمت مثله لما استطعت أن أكتب حرفا؛ لأن التشاؤم يشل التفكير ويعطل الإرادة ويجمد النفس، ونصحت له بأن يعالج نظامه الهضمي إذ ربما يكون تشاؤمه لإمساك القولون أو كسل الكبد.
وعدت إلى مكتبي أفكر في هؤلاء المتشائمين الذين لا ينشطون إلى عمل؛ لأنهم حين تحيط بهم عيشة الشك يتوقعون الظلام بدلا من أن ينتظروا الصباح.
وكثيرا ما يندس هذا التشاؤم في نفوسنا ويركد كما لو كان العكر الراسب، وهو يغمر حياتنا فنعمى على الألوان الزاهية ولا نرى غير الألوان القاتمة، وعندئذ تهون علينا القيم البشرية السامية فلا تطمح إلى الرتب العالية من الوجدان والفهم، ويهون علينا عملنا فنؤديه كارهين بلا نشاط.
وقد ننتهي من هذه الحال إلى أن خير أحوالنا أن نقنع باللذة الحسية وأن نتجاهل هذه الدنيا وهمومها بالخمر أو غيرها مما ينقلنا إلى حالة قريبة من الموت لأننا نكون عندئذ بلا حياة.
إن الحياة الحيوية هي التفاؤل، وهي الإيمان بأننا سنرقى على الرغم من كل المصاعب والعقبات، وهذا الإيمان هو الذي يبعث في نفوسنا النشاط، وهو الذي يجعلنا نرضى بالتضحية كي نسعد في مستقبلنا أو كي يسعد وطننا أو أبناؤنا، وإني لواثق بأن هؤلاء النبلاء من شبابنا المضحي إنما يغامرون ويقتحمون لأنهم متفائلون بالنتائج، وإني لواثق بأن هؤلاء النبلاء لو سلك إليهم التشاؤم لما عملوا ولما كافحوا.
ولست أتجاهل رذائلنا ونقائصنا، بل مقابحنا. ولكني أعتقد أنه عندما نجيل النظرة العامة لأحوالنا كلها نجد ما يبرر التفاؤل بمستقبلنا والأمل القوي بأننا سوف نستقبل الصباح الذي يشرق بأشعة الشمس ويزدهي بنضرة الحياة.
يجب أن ندين بدين التفاؤل والتيمن ونقتحم المستقبل باسمين، بل ضاحكين، ننشد النجاح والخير والشرف، ونمارس الحب والإخاء، ونكافح المرض والفقر والجهل في أنفسنا وفي أمتنا، ونرتفع إلى الآفاق العالية من الإنسانية بالجد في دراسة هذا العالم والدأب في الارتقاء الشخصي، طامعين في إخلاص وشرف لإخضاع المستقبل لآمالنا وأحلامنا.
الفصل الثامن
الخوف ضد الذكاء
Неизвестная страница