عاش في حياته طاهرا، لم يجعل من أمعائه جبانة للحيوانات، وأوصى بإحراق جثمانه بعد وفاته فلم يجعل من الأرض مكانا للتعفن والنتن، وقاطع جميع المخدرات والمنبهات فلم يدخن ولم يشرب القهوة أو الشاي، ولم يعرف الخمر إلا في السنين القليلة من عمره حين مات جميع أصدقائه وزملائه وزادت توتراته، أو لعله شرب الخمر للاعتقاد الجديد الذي ساد هذه الأيام بأنها تطيل العمر.
وكان اشتراكيا يدعو إلى تنظيم البر وتعميم الخير بالتأميم، كما كان على الدوام في صف الأمم المغلوبة ضد المستعمرين والطغاة.
وهناك من يفسر سلوك برنارد شو في مقاطعة القهوة والشاي والتبغ والخمر واللحم بأنه كان وسيلة إلى الصحة، ولكن المتأمل لحياته لا يجد أنه كان يهدف إلى ذلك.
ويمكن أن نقول إن مقاطعته لطعام اللحم كان إنسانيا لا اكثر، وقد أصيب بمرض الأنيميا الخبيث لالتزامه الطعام النباتي وعولج بخلاصة كبد الخنزير.
وكان العلاج بالاحتقان، ومع ذلك لم يترك طعام النبات.
ولكن إذا كان الامتناع عن طعام اللحم إنسانية فكيف نفسر الامتناع عن التبغ والشاي والقهوة والخمر؟
التفسير أنه لا عظمة في أي إنسان بلا شيء من إنكار الذات الذي قد يقارب أو يبلغ النسك، وذلك انه ليس هناك عظيم إلا وهو معذب بالتوترات بينه وبين نفسه أو بينه وبين مجتمعه، وهو في صراع لا ينقطع بين عاطفته وعقله، ومنطقه وعقيدته.
وهو حين ينهض إلى عمل عظيم ويحسن القصد في حياته، وأنه يحمل رسالة تزداد توتراته لما يلقى من مصاعب، فيأنف من التفاهة، ويعمد إلى الجد، وتحمله توتراته التي ذكرناها إلى إحساس الضيق والكرب فيرصد كل وقته وكل جهده إلى تحقيق ما سما إليه من فن أو فلسفة أو بطولة، وعندئذ يعزف عن الملذات الصغيرة مثل القهوة والشاي والخمر بل يعزف حتى عن الجنس.
لقد فعل كل ذلك برنارد شو، ومن قبله فعل مثل ذلك غاندي الذي اقتصر على تناول اللبن، وفعل مثل ذلك أيضا المعري الذي عاش طيلة عمره أعزب لا يعرف طعاما غير العدس، ونسك الغزالي وحرم نفسه ما لا يحرم على الرجل العادي.
شهوات الذهن ومناهج المجد تتغلب على شهوات الجسد وعادات العرف.
Неизвестная страница