ونحن نجد في أيامنا من يسمون أنفسهم عقلاء وواقعين، يحتقرون الزنوج، ويتهمون الفقراء بالكسل والتراخي والإهمال، ويقسون على الأطفال، ويضربون الحيوان. وكل هؤلاء يحيون كما لو كانوا من الحيوانات بأخلاق الطبيعة الغشيمة والغابة البدائية التي تحيا فيها الحيوانات.
وقد كان الإنسان قبل مئات الألوف من السنين حيوانا، جسما بلا نفس، وكان ذكاؤه أنانيا، أما الآن فإن له نفسا هي إنسانة جسمه، والإنسانية هي الذكاء الاجتماعي، هي كما قلنا أسمى أنواع الذكاء، هي إحساس الأمومة في الأخلاق.
وهناك العبقرية في الإنسانية كما أن هناك عبقريات الفن والعلم والسياسة.
وهذه العبقرية في الإنسانية نجد مثلها في غاندي، وفي شيفتزر، وفي فولتير، وفي تولستوي، وفي دستوفسكي.
إننا نحس حين نتصفح حيواتهم أو مؤلفاتهم أننا إزاء عظماء قد اتسموا بالعبقرية في الإنسانية، وقد اتسعت قلوبهم للشعوب جمعاء، مهما اختلفت ألوانهم أو لغاتهم، يكرهون التعصب والقسوة ويساوون بين الناس، وإذا كنا في محنة العالم الحاضرة نأسف أجزع الأسف على شيء فهو أن الذكاء العلمي يسود العالم ويخترع القنابل والغازات وحرب الميكروبات والطائرات، بدلا من أن يسود أمثال هؤلاء العباقرة في الإنسانية الذين ينظرون إلى العالم نظرة الأم لأبنائها.
الإنسانية هي الذكاء الكلي، هي الذكاء المحيط، هي الجمع بين العقل والإحساس.
الفصل الثالث
الحكمة ثمرة الخبرة
وليم بليك من الشعراء الإنجليز الذين عاشوا في أواخر القرن الثامن عشر وعاصروا الثورة الفرنسية الكبرى.
ألف - قبل هذه الثورة - مجموعة من القصائد أطلق عليها اسم «أشعار البراءة»، أما بعد الثورة فإنه ألف مجموعة أخرى أطلق عليها اسم «أشعار الخبرة».
Неизвестная страница