عن عذب ينابيعها ولا ورد، كان قلبي فيه مددا طوالًا أسير الواردات، وسمير الخفايا الشاردات، بينت فيه سرائر آيات، ما بيّن أحد ظاهر تفسيرها وأبديت أسرار سور ما كشف أحد خفي ضميرها، وعليّ عند المحاققة البيان
وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان:
إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكي
فليست - لعمرو الله - النائحة الثكلى. مثل النائحة المستأجرة.
أرد فيه على أهل كل باطل وعناد، بما في كتبهم ولهم فيه اعتقاد، مع بيان ما فيه من غث أو سمين، أو مزلزل أو مكين، ركبت إلى بيدائه وفسيح أرجائه وفنائه مطايا ليال حالفت فيها السهاد، وخالفت وطىء المهاد، وشهي الاضطجاع
والرقاد، أدرس مسائل العلوم، وأسرد وسائل الفنون والرسوم، وأمنع جلائل الهموم، وأمعن النظر في دقائق الفهوم، وأبعد أماني الغرور وأعبد الرب الغفور، وأنفي وساوس الصدور، وأتقي دسائس اللذاذة والسرور.
أترقى مما عندي إلى غيره، وأتقوى أشكاله، فأزيل إشكاله، وأسيّره
بسيره..
ولم يزل ذلك دأبي واختياري لذلك، ودأب الله لي باضطراري إلى
طريقة السالك، حتى انجاب عن قلبي ديجور الشكوك، وامتلأ من نور
المعارف والسلوك، ففاضت علي جواهر المعاني، وأقبلت إليّ باختصاصها وجوه التهاني، فقذفت إلى صدري أمواج الأسرار صافية عن زبد، وعطفت إلى فكري أمواج الأنوار، خالية عن نكد رأى أهل العصر، أنه أمر يفوت
غالب القوى، ويقف دون عليائه ألباب العقلاء، فإني مهدت لكل جملة مهادًا
يدل على الحال الذي اقتضى حلولها بمحلها، وأوجب ترتبها على ما قبلها من شكلها، وما أوجب تأكيدها، أو أعراها وتقييدها، ونحو ذلك من أفانين
1 / 102