(الهيولى والصورة والجسم والعقل المفارق): وهوالقائم بنفسه وكل جسم فالجواهر الثلاثة الأول موجودة فيه فالماء مثلا جسم مركب من صورة المائية ومن الهيولى الحاملة للصورة فمجرد الهيولى جوهر ومجرد الصورة جوهر ومجموعهما وهو الجسم جوهر فهذا شرح هذه الانقسامات فى العقل مع تفسير هذه الاصطلاحات فأما إثبات الجواهر الثلاثة فبالبرهان على ما سيأتى إلا الجسم فانه يثبت بالمشاهدة* أما العقل والصورة والهيولى فمطلوب بالدليل لا محالة وحصل من هذا أنهم أطلقوا اسم الجوهر على ما هو محل وعلى ما هو حال أيضا وخالفوا فى هذا المتكلمين فان الصورة عند المتكلمين عرض تابع لوجود المحل وهم يستبدلون ويقولون كيف لا تكون الصورة جوهرا وبها تقوم ذات الجوهر ويتقوم حقيقته وماهيته وكيف يكون عرضا والعرض تابع للمحل بعد تقوم المحل بنفسه والهيولى تابع للصورة فى التقوم وأصل الجوهر كيف لا يكون جوهرا.
(القول فى حقيقة الجسم): لما قسم العقل الجوهر إلى جسم وغير جسم وكان وجود الجسم من جملة الجواهر مدركا بالحس مستغنيا عن البرهان وجبت البداية بيان حده وحقيقته فالجسم هو كل جوهر يمكن أن يفرض فيه ثلاثة امتدادات متقاطعة على زوايا قائمة فانك إذا لاحظت ذات العقل أو ذات البارى تعالى لم يمكنك أن تفرض فيه بعدا أو امتدادا البتة فاذا نظرت إلى السماء والأرض وسائر الأجسام أمكنك أن تفرض امتدادا على الاتصال وتقبل الانقسام والانفصال والامتداد فى جهة واحدة يسمى طولا وهذا يوجد للخط وحده والامتداد فى جهتين يسمى طولا وعرضا وهذا يوجد للسطح وحده فانه ينقسم من جهتين والخط لا ينقسم إلا من جهة واحدة ولا يوجد شىء ينقسم من ثلاثة جهات إلا الجسم فكل ما يمكن أن يفرض بالوهم فيه ثلاث امتدادات متقاطعة على زوايا قائمة فهو الجسم وإنما خصصنا الزوايا بالقائمة لأن ذلك إن لم يشترط فكل جسم يمكن أن يفرض فيه امتدادات كثيرة متقاطعة لا على زوايا قائمة مثل هذا فاذا فرضت الزوايا قائمة لم تزد على الثلاث وهو الطول والعرض والعمق * والزاوية القائمة هى التى تحصل بقيام خط منتصبا على وسط آخر بحيث لا يميل الى أحد الجانبين وبحيث يتساوى الزاويتان.
الحاصلتين من الجانبين فاذا تساويتا سميت كل واحدة قائمة مثل هذا فاذا ميل به الى جانب اليمين مثلا مثل هذا صارت الزاوية من الجانب الذى اليه الميل أضيق من مقابلتها فتسمى حاده وتسمى الواسعة المقابلة منفرجة * وقد قيل فى حد الجسم أنه الطويل العريض العميق وهذا فيه نوع تساهل فان الجسم ليس جسما باعتبار ما فيه من الطول والعرض والعمق بالفعل بل باعتبار قبوله للطول والعرض والعمق والابعاد الثلاثة بدليل أنك لو أخذت شمعة فشكلتها بطول شبر وعرض أصبعين وسمك أصبع واحد فهى جسم لا لما فيه من الطول والعرض إذ لو جعلته مستديرا أو على شكل آخر زال ذلك الامتداد المعين وذلك الطول المعين وحدث امتدادان آخران بدلا عنهما والصورة الجسمية لم تتبدل أصلا فاذا المقادر الموجودة فى الجسم أعراض خارجة عن ذات الجسمية وقد تكون لازمة لا تفارق كشكل السماء ولكن العرضى قد يكون لازما وكذا العرض كالسواد للحبشى فاذا الذاتى للجسم الذى هوالصورة الجسمية كونه بحيث يقبل فرض الامتدادات لا وجود الامتدادات بالفعل بل المقدار الحاصل بالفعل عرض ولذلك يجوز أن يقبل جسم واحد مقدارا أصغر وأكبر فيكبر مرة ويصتغرأخرى من غير زيادة من خارج بل فى نفسه من حيث أن المقدار عرض فيه وليس.
بعض المقادير متعينا له لذاته ويدل على كون المقدار غير حقيقة الجسمية أن الأجسام متساوية فى الصورالجسمية لا يتصور بينها فرق وهى مختلفة فى المقادير لا محالة (القول فى الاختلاف الذى فى تركيب الجسم): قد اختلف الناس فى تركيب الجسم ولا يحصل الوقوف على حقيقة الجسم إلاببيان صحيح المذاهب فيه* وقد اختلفوا على ثلاثة مذاهب فقائل يقول إنه متركب من أجزاء لا تجزأ لا بالوهم ولا بالفعل ويسمى كل من تلك الآحاد جوهرا فردا والجسم هو المتألف من تلك الجواهر* وقائل يقول إنه غير مركب أصلا بل هو موجود واحد بالحقيقة والحد* وليس فى ذاته تعدد* وقائل يقول إنه مركب من الصورة والمادة أما دليل بطلان المذهب الأول فابطال الجوهر الفرد وبيان استحالته بستة أمور.
(الأول): أنه لو فرض جوهر بين جوهرين فكل واحد من الطرفين يلقى من الأوسط ما يلقاه الآخر أو غيره فان كان غيره فقد حصل الانقسام إذ ما شغله هذا الطرف بالمماسة غير ما شغله الآخر وإن كان عينه فلا شك فى أنه محال ثم يلزم عليه أن يكون كل واحد من الطرفين مداخلا للوسط بكليته إذ لقى جميعه وليس له جميع بل هو واحد وقد لقى منه شيئا فقد لقى كله ولقى الآخر كله فيلزم أن يكون مكان الكل ومكان الوسط واحدا وإلاصار الوسط حائلا بين الطرفين وصار ملاقيا لكل واحد من الطرفين بغير ما يلاق الآخر ولا يمكنه أن يلافيه بعين مايلاقى الآخر إلا بالتداخل ثم إن جاء ثالث ورابع فهكذا يلزم فيجب أن لا يزيد حجم ألف جزء على جزء واحد ولا شك فى استحالة هذا.
(دليل ثانى): وهو أنا نفرض خمسة أجزاء رتبت صفا واحدا كأنه خط ووضعنا جزئين على طرفى الخط فالعقل يقبل تقدير حركة الجزئين حتى يلتقيا لا محالة ويقبل تقديرالتقائهما بحركة متساوية من الجزئين وإذا فرض ذلك كان كل واحد من الجزئين قد قطع جزءا من الوسط فيكون الوسط قد انقسم والا فيلزم أن يقال ليس فى مقدور الله إيصال أحدهما إلى الآخر بحركة متساوية بل اذا ابتدأ بتحريكهما وانتهى أحدهما إلى الثانى وقفت القدرة عن تحريكه حتى يتحرك الآخر إلى الثالث* وليت شعرى هل يكون وقوف القدرة فى الجوهر المتيامن أو المتياسر ولم يتعذر على القدرة ذلك فى أحدهما بعينه دون الآخر وذلك الآخر مثله فى قبول الحركة.
(دليل ثالث): هو أنا نفرض خطين كل واحد منهما من ستة أجزاء أحدهما خط.
(اب) : والآخر خط (ج د): على هذا المثال وفرصنا جزئين أحدهما.
يريد أن يتحرك من (ا) آلى (ب) والآخر من (د) الى (ج) ليكونا متقابلين فلا شك فى أنهما يتقابلان أولا ويتحاذيان ثم يجاوز أحدهما الآخر ويمكن أن نفرض ذلك بحركة متساوية من الجزئين وإن ثبت الجوهر الفرد صار ذلك محالا لأن تحاذيهما لا يمكن إلا على ثلاثة أوجه.
(أحدها): أن يكون على نقطتى (ه ح) فيكون أحدهما قطع أربعة أجزاء والآخر جزئين* والثانى أن يكون على نقطتى (رط) فيكون أحدهما أيضا قد قطع جزئين والآخر أربعة فلاتكون الحركة متساوية* والثالث أن يكون أحدهما على نقطة (ح) والآخر على نقطة (ط) وقد قطع كل واحد جزئين ولكن تقطتا (ح) و(ط) ليستا بمتحاذيتين فاستحال التحاذى مع تساوى الحركة فاستحال التجاوز ولا شك فى أن ذلك غير محال وإنما صار محالا بفرض الجوهر الفرد بل يتحاذيان على الوسط فان كل طول فيقبل التنصيف بنصفين متساويين فيكون المنتصف هو الوسط وهما متحاذيان.
Неизвестная страница