قال الطبري: هذا ظاهر بالإطلاق، وحديث خروج الخطايا من أعضاء الوضوء مع قطر الماء. ثم قال الزركشي: واختلفوا في أن التكفير هل يشترط في التوبة؟. قال: ولعلّ الخلاف مبني على التأويلين، فمن جعل اجتناب الكبائر شرطًا في تكفير الصغائر لم يشترط التوبة، ومن جعل هذه الخصوصية لمجتنب الكبائر، ومن لم يشترط التوبة وعدم الإصرار، ويدل عليه الذي قبل امرأة ثم ندم. فأخبره
النبي ﷺ أن صلاة العصر كفّرت عنه، وكان الندم قد تقدم منه، والندم توبة، لكن ظاهر إطلاق الحديث يقتضي أن التكفير كان بنفس الصلاة، فإنَّ التوبة بمجردها تجب ما قبلها، ولو اشترطناها مع العبادات لم تكن العبادات مكفرة، وقد ثبت أنها مكفرات، فسقط اعتبار التوبة معها.
والحاصل أن قوله: ما اجتنبت الكبائر هو قيد في التكفير، حتى ولو كان مصرًا على الكبائر لم يغفر له شيء من الصغائر، أو هو قيد في تعميم المغفرة، فعلى هذا تغفر الصغائر، وإن ارتكبت الكبائر. والأقرب الثاني، وإلا لم يكن بذلك تأثير في التفكير؛ لأن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، بدليل قوله تعالى: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ. . . .﴾، وهذا ما ذكره الزركشي.
فمن اجتنب الكبائر لا يقع تعذيبه على الصغائر باتفاق القولين إلا على رأي من شرط التوبة أيضًا. وفي كلام العلامة نجم الدين النسفي، وصدر الشريعة، وغيرهما من علماء الحنفية ما حاصلة: أن العقاب على الصغائر جائز الوقوع، سواء اجتنب مرتكبها الكبيرة أم لا، لدخولها تحت قوله تعالى: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ. . .﴾، ولقوله تعالى: ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا. . .﴾، والإحصاء إنما يكون للسؤال أو المجازاة إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث. قالوا: وخالف في ذلك المعتزلة
1 / 179