وبه إلى النووي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا شيخنا الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسي، ثم الدمشقي، ﵀، أخبرنا أبو طالب عبد الله، وأبو منصور يونس، وأبو القاسم حسين بن هبة الله بن صَصْري، وأبو يعلى حمزة، وأبو الطاهر إسماعيل، قالوا: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن، هو ابن عساكر، أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني، خطيب دمشق، بها، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن يحيى بن سلوان، أخبرنا أبو القاسم الفضل بن جعفر، أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن القاسم، بن الفرج الهاشمي، أخبرنا أبو مُسْهر، عبد الأعلى بن مُسْهر، أخبرنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر ﵁، عن رسول الله ﷺ، عن جبريل ﵇، عن الله ﵎، أنه قال: " يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا، يا عبادي، إنكم الذين تخطئون بالليل والنهار، وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي، كلكم عارٍ إلا من كستوته، فاستكسوني اكْسكُم. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل منكم، لم ينقص ذلك من مُلكي شيئًا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وآنسكم، وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل منكم، لم يزد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وأنسكم وجنكم، كانوا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان منهم ما سئل، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا، إلا كما ينقص البحر أن يُغمس المخْيط فيه خمسة واحدة. يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحفظها عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله ﷿، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ".
قال أبو مُسْهر: قال سعيد بن عبد العزيز: كان أبو إدريس إذا حدّث بهذا الحديث جثى على ركبتيه.
وأخبرنيه عاليًا متصلا أبو المعالي بن أحمد الدمشقي، بالقاهرة، قال: أخبرنا أبو هريرة ابن الحافظ أبي عبد الله الذهبي الدمشقي، قال: أخبرنا البهاء أبو محمد القاسم بن المظفر بن محمود بن عساكر الدمشقي، قال أخبرنا عم أبي: العزُّ النسابة أبو عبد الله محمد بن تاج الأمناء أبي الفضل أحمد بن محمد ابن الحسن بن عساكر الدمشقي، أخبرنا عمُّ أبي: الحافظ أبو القاسم بن عساكر إذنًا، وأبو طالب الخضر بن هبة الله بن طاووس سماعا، قالا: أخبرنا الشريف أبو القاسم به مثله.
وهو حديث صحيح عال جليل الإسناد، عظيم الموقع، حسن التسلسل بالدمشقيين الثقات، فإن كلهم من أهلها، إلا الصحابي رضي الله تعالى عنه، وقد دخلها، وكذا دخلتها.
أخرجه مسلم في صحيحه منفردا به، عن محمد بن إسحاق الصغاني. ورواه الطبراني عن أبي زُرعة الدمشقي، كلاهما عن أبي مسهر، فوقع لنا بدلا لهما عاليا بدرجتين.
وقد جوّد أبو مسهر إسناده، ولكن خلف فيه، كما بُيِّن في غير هذا الموضع. ووقع في تخريج " ٤٠ " الشيخ، لشيخنا، ما نصه: وقد رواه الإمام أبو زكريا النووي في آخر كتاب " الأذكار " له، من هذا الوجه، فكان بينه وبين ابن الموازيني المذكور في روايتنا ثلاثة أنفس، انتهى، ولم يخرجه النووي كما رأيت من طريق الموازيني، إنما أورده من طريق الشريف أبي القاسم، وهو رفيق ابن الموازيني في الرواية عن ابن سلوان. وكذا رواه في آخر " الإرشاد " وكأنّ شيخنا " ﵀ " أراد أن يقول: الشريف، فسبق القلم، ويؤيده أنه أورده في " الأربعين " التي خرّجها لشيخه البلقيني عن الصواب، حيث قال: وقد رواه الشيخ الإمام العلامة محيي الدين النووي في آخر كتاب " الأذكار " له، عن شيخه خالد النابلسي، عن أبي القاسم بن صَصْري، وغيره، عن أبي القاسم بن عساكر، عن أبي القاسم الخطيب، عن ابن سلوان.
قال الشيخ " ﵀ " عقب إيراده في " الإرشاد ": ورجال إسناده منه إلى أبي ذر، كلهم دمشقيون، وقد دخل أبو ذر دمشق.
فأجتمع في هذا الحديث جُمل من الفوائد: منها: صحة إسناده ومتنه، وعلوه، وتسلسله بالدمشقيين، ﵃ وبارك فيهم، وهذا في غاية الندرة والحسن، وحصل تعريف أوطان رواته بكلمة واحدة: دمشقيون.
ومنها: ما أشتمل عليه من البيان لقواعد عظيمة في أصول الدين وفروعه، والآداب وغيرها، ولله الحمد.
1 / 48