بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلِّم
مقدمة المؤلف
قال الشيخ الإمام، الحبر الهمام، العالم العلاّمة، البحر الفهامة، حافظ السنة النبوية، وأمين الأخبار المحمدية، شمس الدين أبو الخير محمد السخاوي، الشافعي، رحمه الله تعالى وقدّس روحه، ونوّر ضريحه، آمين: الحمد لله الذي منح رجالًا بسلوكهم المنهاج؛ ذِكْرًا به المجالس تُعطّر والقلب يحيى، وفتح بتيسيره لهم أقفالًا زاد بإنفاقهم من كنوزها الابتهاج، فهم في روضة بل في رياض الآخرة والدنيا، وجعل العمدة عليهم في التصحيح والإيضاح، والمفزع في الشدة إليهم في الغدوِّ والرواح، فهم لذلك لا ترخيص عندهم في القيام بالدين، بل قائمون بالتبيان إلى الغاية والتحقيق المتين.
أحمده على الإرشاد للاهتمام للسنّة التي فيها بستان العارفين، وأشكره لما اتضح من الأصول والضوابط التي بها قلب كل مسلم ينشرح بيقين، وأستعينه في فهم مجموع المشكلات، وأستهديه سلوك طريق أولي الولايات، وأسأله التوفيق لنشر ما لهم من المكرمات، بالدلائل النيّرات، وأستغفره من الذنوب الخفيات والجليات، وأرجوه في إخلاص الأعمال والنيات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرضين والسماوات، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ذو المعجزات الباهرات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم في الحركات والسكنات، صلاة وسلامًا دائمين في الحياة وبعد الممات.
فهذا جزء استوفيت فيه أحوال شيخ الإسلام، وإمام الأئمة الأعلام، قطب الأولياء الكرام، ونادرة الزهاد الوافر في روعة السهام، المجتهد في الصيام والقيام، والقائم بخدمة الملك العلام: محيي الدين النووي ﵁ ورضي عنا به، وبلغ كلامنا في الخير منتهى أربه، التي أفردها خادمه العلامة علاء الدين ابن العطار، مع زيادات جمة ميّزتها بقولي: " قلت: ثم: انتهى "، قصدًا للتمييز لا للاستكثار من: نسبه، ونسبته، ومولده ونشأته، وذكر شيوخه، وتصانيفه الدالة على تقدمه ورسوخه، ونبذة من كلام الأئمة فيها، ومن انتدب منهم للتكلم عليها، وما وليه من الوظائف الدينية، ومن علمته أخذ عنه ممن سلكوا الطريق المرضية، وجملة من أوصافه، المصرّحة بولايته وعظيم إنصافه، وكونه من الصادقين، وعموم بركته وانتفاع من يعرفه به في القيامة عند رب العالمين، وزهده وعلمه، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بلسانه وقلمه، وظهور كراماته، وتعظيمه لله ورسوله، وتأدبه مع الصالحين في جميع أوقاته، وخدمته بنفسه لشيوخه ومكاشفاته، وتقدمه في الفقه والحديث واللغة والعلوم، وشدة اجتهاده في المطالعة لمنطوق المعلوم والمفهوم، ومداومة سهره وتهجده، وإخلاصه وتعبّده وعدم مجادلته، ورفع صوته في تقريره ومباحثته، وتمام ورعه وتحرّيه في قبول الهدية، وكون المهدى إليه ممن لا يقرأ عليه ولا له معه قضية، وعدم تعاطيه ما يرطِّب بدنه من ثلج وشبهه، وتركه جميع ملاذ الدنيا من أكل ولبس وحمّام وسائر ما يعتمده المرء في تفكهه وكونه لم يجمع بين آدمين مختلفين إلا في النادر، ومداومته على الصوم وظمأ الهواجر، واقتدائه بالسلف الصالحين، إلى غير ذلك مما قلّ أن يجتمع في غيره من المحققين، وإسناده في الفقه وما وقع في تصانيفه عندنا في السند، وثلاثة أحاديث من طريقه المعتمد، وتعيين وقت وفاته، وما يلتحق بجميع ذلك من تتماته، رجاء شمول بركته، وإظهارًا لما عندي من محبته، والله المسؤول أن ينفعنا بذلك ويرشدنا إلى أحسن المسالك، بمنّه وكرمه.
نسبه ونسبته
أما نسبه ونسبته، فهو: يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام " بمهملة ثم زاي "، محيي الدين أبو زكريا، ابن الشيخ الزاهد الورع، ولي الله تعالى: أبي يحيى الحزامي، نسبه لجده حزام المذكور. وكان بعض أجداد الشيخ يزعم أنها نسبة لوالد الصحابي حكيم بن حزام ﵁، قال الشيخ: وهو غلط.
النووي: نسبة لنوى، والنسبة إليها بحذف الألف على الأصل، ويجوز كتبها بالألف على العادة.
قلت: وبإثباتها وحذفها قرأته بخط الشيخ، لكن قال الشهاب الهائم: إنه بإثباتها خلاف القياس. قال: وأما الألف التي هي بدل من لام الكلمة فلا يجوز حذفها، بل يجب قلبها في النسبة واو، كما في النسبة إلى فتى ونحوه، فيقال: نووي، كما يقال: فتوي، انتهى.
1 / 1
ونوى: قاعدة الجولان الآن من أرض حوران من أعمال دمشق، فهو الدمشقي أيضًا، خصوصًا وقد أقام الشيخ بدمشق نحوًا من ثمان وعشرين سنة، وابن المبارك ﵀ يقول: ما أقام ببلد أربع سنين نُسب إليها.
وكان حزام " جدُّه الأعلى " نزل الجولان بقرية نوى على عادة العرب، فأقام بها، ورزقه الله تعالى ذرية، إلى أن صار منهم عدد كثير.
مولده ونشأته
وأما مولده ونشأته فكان في العشر الأوسط من المحرّم، سنة إحدى وثلاثين وستمائة.
قلت: وهذا هو المعتمد، لكن قال الجمال الأسنوي: إنه في العشر الأول. قال اللخمي: وصح عنه أنه قال: لا أجعل في حلٍّ من لقّبني محيي الدين. ونشأ " كما صرح به الحافظ الذهبي في " سير النبلاء " في ستر وخير، انتهى.
ولما بلغ من العمر سبع سنين، كان نائمًا ليلة السابع والعشرين من رمضان بجانب والده " كما ذكره لي والده " قال: فانتبه نحو نصف الليل وأيقظني وقال: يا أبتى ما هذا الضوء الذي قد ملأ الدار؟ فاستيقظ أهله جميعًا فلم نرى كلّنا شيئًا. قال والده: فعرفت أنها ليلة القدر.
وذكر لي وليّ الله الشيخ ياسين بن يوسف المرّاكشي قال: رأيت الشيخ وهو ابن عشر سنين بنوى، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، قال: فوقع في قلبي محبته، وكان قد جعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت معلّمه فوصيته به، وقلت له: إنه يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي: أمنجِّم أنت؟ فقلت: لا، وإنما أنطقني الله بذلك. قال: فذكر المعلّم ذلك لوالده، وحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الحلم.
قلت: وما هنا أولى من قول الذهبي: أنه بقي يتعيّش في الدكان لأبيه مده، وإن أباه كان دكّانيًا بنوى، مع أنه قد لا ينافيه. وقد ذكر " أعني الذهبي " في " تاريخ الإسلام " ياسين هذا، وأشار لما تقدم، فقال: يا سين بن عبد الله المقرئ، الحجّام، الأسود، الصالح، كان له دكان بظاهر باب الجابية، وكان صاحب كشف وكرامات، وقد حج أكثر من عشرين مرة، وبلغ الثمانين. اتفق أنه سنة نيف وأربعين مرّ بقرية نوى، فرأى الشيخ محيي الدين النووي وهو صبي فتفرّس فيه النجابة، واجتمع بأبيه الحاج شرف ووصاه به وحرضه على حفظ القرآن والعلم، فكان الشيخ فيما بعد يخرج إليه ويتأدب معه ويزوره، ويرجو بركته ويستشيره في أموره، توفي في ثالث ربيع الأول سنة سبع وثمانين وستمائة، ودفن في مقبرة باب شرقي ﵀. وقد أخبر بموت النووي وقال: أين تختار أن يموت؟ عندكم أو في دمشق؟ ويقال: أنه قتله بالحال لأمر، ثم ندم، انتهى كلام الذهبي. وفيه أيضًا مخالف لكلام ابن العطار، وإن كان يمكن الجمع بينهما بأن الشيخ ياسين بعد أن أخبر المعلّم شافه بذلك والده أيضًا، وأما قوله: ويقال: إنه قتله بالحال فمنكر، وقد استبعده التقي ابن قاضي شهبة حيث قال: وهذا بعيد جدًا أن يقع أن مثل النووي يقع منه ما يوجب أن ولي الله يتغير عليه حتى يصل إلى قتله، وبعيد من الولي أيضًا قتل مثل النووي، قال: وإنما هذه " يعني على تقدير الصحة " نزعة شيطانية نعوذ بالله من ذلك، انتهى.
انتقاله إلى دمشق
قال الشيخ: فلما كان عمري تسعة عشر سنة قدم بي والدي في سنة تسع وأربعين إلى دمشق، فسكنت المدرسة الرّواحية.
قلت: واستمر بها حتى مات، لم ينتقل منها حتى ولا بعد ولايته الأشرفية، كما قال التاج السَّبكي في " الطبقات الوسطى " قال: وبيته فيها بيت لطيف عجيب الحال. قال اليافعي: وسمعت إنما اختار الإقامة بها على غيرها لحلِّها، انتهى.
قال: وبقيت نحو سنتين لا أضع جنبي بالأرض، وأتقوّت بجراية المدرسة لا غير.
قلت: بل كان يتصدق منها أيضاْ كما قال اللخمي، قال: ثم ترك تعاطيها، انتهى.
وحفظتُ " التنبيه " في نحو أربعة أشهر ونصف.
1 / 2
قلت: وعرضه في سنة خمسين، فقد قرأت بخط العز القاضي أبي عمرو ابن جماعة: وقفت على ورقة بخط الحافظ عفيف الدين أبي السيادة المطري، أنه شاهد على نسخة صاحبه الفقيه الإمام بدر الدين ابن الصائغ الدمشقي الشافعي من كتاب " التنبيه " ما مثاله: الحمد لله كما هو أهله، عرض عليَّ الفقيه أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي من أول كتاب " التنبيه " في الفقه هذا وإلى آخر، مواضع امتحنت بها حفظه دلت على ذلك، وأذنت بتكراره عليَّ جميعه وتحصيله وحرصه على العلم، وفقني الله وإياه له وللعمل به، وذلك في مجلس واحد لسبع مضين من شهر ربيع الأول سنة خمسين وستمائة. كتبه محمد بن الحسين بن رزين الشافعي، حامدًا مسلمًا مستغفرًا. وابن رزين هذا هو قاضي القضاة تقي الدين أبو عبد الله، كان ممن أخذ عن ابن الصلاح، ودرّس بالشامية الحسامية، وأمَّ بدار الحديث الأشرفية، ثم ولي قضاء مصر، وكان كبير القدر حميد الذكر، مات بعد الشيخ بأربع سنين، في شهر رجب سنة ثمانين، قال شيخنا في " رفع الإصر " في ترجمته: روى عنه الدمياطي والبدر ابن جماعة، ومن قبلهما الشيخ محيي الدين النووي، انتهى كلام شيخنا. وأخص من هذا أن الشيخ نقل عن ابن رزين في " الأصول والضوابط " انتهى.
ثم حفظت ربع العبادات من " المذهّب " في باقي السنة.
قلت: وأدرج الذهبي في " تاريخ الإسلام " في كلام ابن العطار هنا ما لم أره في النسخة التي وقفت عليها: إنه قال: وبقيت أكثر من شهرين أو أقل، لمّا قرأت في " التنبيه ": يجب الغسل من إيلاج الحشفة في الفرج، أعتقد أن هذا قرقرة البطن، فكنت أستحم بالماء البارد كلما قرقر بطني، انتهى كلام الذهبي. والظاهر أن الحياء يمنعه السؤال عن ذلك، انتهى.
قال: وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا الكمال إسحاق المغربي، ولازمته، فأعجب بي لما رأي من ملازمتي للاشتغال وعدم اختلاطي بالناس، وأحبني محبة شديدة، وجعلني معيد الدرس بحلقته لأكثر الجماعة.
سفره للحج
فلما كانت سنة إحدى وخمسين حججت مع والدي، ارتحلنا من أول رجب، فحصلت الإقامة بالمدينة النبوية نحوًا من شهر ونصف شهر، وكانت الوقفة تلك السنة يوم الجمعة.
وحكى لي والده أنه من حين توجهنا من نوى أخذت الشيخ حمَّى، فلم تفارقه إلى يوم عرفة، وهو صابر لم يتأوه قط.
قلت: وكانت هذه حجة الإسلام، وفي كلام كمال الدَّميري " كما سيأتي " أنه حج مرة أخرى، ويستأنس له بقول العماد ابن كثير في تاريخه: أنه حج في مدة إقامته بدمشق، انتهى.
فلما تم الحج " يعني حجة الإسلام " ووصلنا إلى نوى ورجع هو إلى دمشق، صبّ الله عليه العلم صبّا.
قلت: لاحت عليه " كما قال الذهبي في سير النبلاء " أمارات النجابة والفهم، انتهى كلام الذهبي، وحفظ في النحو مقدمة الجرجاني، وفي الأصول: " المنتخب "، انتهى.
اشتغاله بالعلم
ولم يزل يشتغل بالعلم ويقتفي آثار شيخه المذكور بالعبادة، من الصلاة وصيام الدهر، والزهد والورع، وعدم إضاعة شيء من أوقاته، لا سيما بعد وفاة شيخه، فإنه زاد في الاشتغال بالعلم والعمل، بحيث ذكر الشيخ لي أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسًا على المشائخ، شرحًا وتصحيحًا: درسين في " الوسيط "، وثالثًا في " المهذّب "، ودرسًا في " الجمع بين الصحيحين "، وخامسًا في " صحيح مسلم "، ودرسًا في " اللُّمع " لابن جني في النحو، ودرسًا في " إصلاح المنطق " لابن السِّكِّيت في اللغة، ودرسًا في التصريف، ودرسًا في أصول الفقه، تارة في " اللَّمع " لأبي إسحاق، وتارة في " المنتخب " للفخر الرازي، ودرسًا في أسماء الرجال، ودرسًا في أصول الدين.
قال: وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مُشكِل وإيضاح عبارة وضبط لغة، وبارك الله لي في وقتي واشتغالي، وأعانني عليه.
قال: وخطر لي الاشتغال بعلم الطب، فاشتريت " القانون "، وعزمت على الاشتغال فيه، فأظلم علي قلبي، وبقيت أيامًا لا أقدر على الاشتغال بشيء، ففكرت في أمري من أين دخل عليّ الداخل؟ فألهمني الله أن الاشتغال بالطب سببه، فبعت في الحال الكتاب المذكور، وأخرجت من بيتي كل ما يتعلق بعلم الطب، فاستنار قلبي ورجع إليّ حالي، وعدت لما كنت عليه أولًا.
1 / 3
قلت: فإن قيل: كيف هذا مع ما نُقل " كما روينا " في " مناقب الشافعي " للبيهقي من طريق الربيع بن سليمان سمعت الشافعيُّ ﵀ يقول: العلم علمان، علم فقه للأديان، وعلم طب للأبدان، ونحوه عن ابن عبد الحكم عن الشافعي، وزاد: وما سوى ذلك فبُلْغة مجلس. ورواه محمد بن يحيى بن حسان عن الشافعي قال: وما سوى ذلك من الشعر ونحوه فهو عناء وتعب؟ فالجواب: إن الذي مدحه الشافعي ﵀ هو الطب النبوي، أو المجرد عن أصول الفلاسفة التي صرح صاحب " القانون " في أوله بابتناء الطب المورّد في كتابه عليها، وأن الطبيب يتعلم ما يُبنى عليه من العلم الطبيعي، ولذلك اعترى الشيخ ﵀ بمجرد عزمه على الاشتغال في الكتاب المذكور ما أشار إليه، لما رزقه الله من نور البصيرة، وأبداه له بصلاح السريرة، خصوصًا وإن عنده من الطب المحمود ما يفوق الوصف. على أن أبا بكر بن طاهر سئل عن معنى قول الشافعي، فقال: عند العوامّ أن علم الأديان هو ظاهر الفقه، وعلم الأبدان هو ظاهر الطب، وعند الحكماء أن علم الأديان هو علم مشاهدة القلوب بالمعاملات بصنع الله وتدبيره، وهو الفقه النافع، وعلم الأبدان هو ظاهر أوامر الله تعالى ذكره، ونواهيه في الحلال والحرام، وهو حجة الله على خلقه، وهو الطب النافع، فعلم القلوب هو عين الإسلام وحقائقه، وعلم الأبدان هو آداب الإسلام وشرائعه، وقد قال حرملة بن يحيى: كان الشافعي ﵀ يتلهف على ما ضيّع المسلمون من الطب، ويقول: ضيعوا ثلث العلم، ووكلوه إلى اليهود والنصارى، انتهى الإيراد وجوابه.
وضُرب به المثل في إكبابه على طلب العلم ليلًا ونهارًا، وهَجْرِه النوم إلا عن غلبة، وضبط أوقاته بلزم الدرس أو الكتابة أو المطالعة أو التردد إلى الشيوخ، قاله الذهبي في " سير النبلاء "، انتهى.
شيوخه
" ١ - في الفقه " وأول شيوخه في الفقه " كما قال ﵀ " الإمام المتفق على علمه وزهده، وورعه وكثرة عبادته، وعِظم فضله وتميّزه على أشكاله: أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي، ثم المقدسي.
قلت: كان معظم انتفاعه عليه.
ثم الأمام العارف الزاهد، العابد الورع، المتقن، مفتي دمشق في وقته: أبو محمد عبد الرحمن بن نوح بن محمد بن إبراهيم بن موسى المقدسي، ثم الدمشقي.
ثم الإمام المتقن المفتي: أبو حفص عمر بن أسعد بن أبي غالب الرَّبعي، الأربلي. قال ابن العطار: وقد أدركته وحضرت بين يديه، وسمعت عليه جزاء أبي الجهم.
ثم الإمام العالم المَجْمَع على إمامته وجلالته، وتقديمه في علم المذهب على أهل عصره بهذه النواحي: أبو الحسن سلاّر بن الحسن، الأربلي، ثم الحلبي، ثم الدمشقي. قال ابن العطار: وقد أدركته أيضًا وحضرت جنازته مه شيخنا.
أخذ الشيخ عنهم الفقه قراءة وتصحيحًا وسماعًا، وشرحًا وتعليقًا.
قلت: وقال القطب اليونيني: إن الشيخ أول ما قدم دمشق اجتمع بالشيخ جمال الدين عبد الكافي، أظنه ابن عبد الملك بن عبد الكافي، الرَّبعي الدمشقي، خطيب الجامع الأموي وإمامه، وعرّفه ﵀ مقصده، فأخذه وتوجّه به إلى حلقة الشيخ تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع، الفزاري، عُرف بالفركاح ﵀، فقرأ عليه دروسًا، وبقي يلازمه مدة، ولم يكن له موضع يأوي إليه، فسأل من التاج موضعًا يسكنه، ولم يكن بيد التاج إذ ذاك من المدارس سوى الصارمية، ولا بيوت لها، فدله على الكمال إسحاق، المغربي بالرَّواحية، فتوجه إليه ولازمه واشتغل عليه، وصار منه ما صار.
ونحوه قول التقي ابن قاضي شهبة: ولما قدم النووي من بلده أحضروه ليشتغل عليه " يعني الفزاري " فحمل همه، وبعث به إلى المدرسة الرّواحية ليحصل له بها بيت، ويرتفق بمعلومها. قال: ثم إنه كانت بينهما وحشة كعادة النظراء، قال: وكان النووي أنقل للمذهب، وأكثر محفوظًا منه، انتهى كلام التقي.
ولم يذكر " أي التقي " سبب الوحشة التي سبقه الذهبي إلى ذكرها في ترجمة التاج، من " المعجم المختصر "، حيث قال: كان بينه وبين النووي رحمهما الله وحشة كعادة النظراء، انتهى كلام الذهبي.
1 / 4
وقد ذكره القطب اليونيني فقال بعد حكاية ما تقدم قريبًا: واتفق أن " الظاهر " عندما فتح الفتوحات المشهورة، وغنم الناس الجواري وتسرُّوا بهن، سئل التاج فرخَّص في ذلك، وصنّف جزءًا في إباحة ذلك من غير تخميس، واستدل بأشياء، منها قَسْمُ رسول الله ﷺ غنائم بدر، " وأنه " أعطى منها من لم يشهدها، وربما فضّل بعض حاضريها على بعض. ثم نقل بعد ذلك في الغنائم أحوالًا مختلفة تُغلَّب على حسب المصلحة. ثم ذكر غزوة حنين وقسم غنائمها، وإنه ﷺ أكثر لأهل مكة من قريش وغيرهم، حتى أنه يعطي الرجل الواحد مائة ناقة، والآخر ألف شاة، ومعلوم أنه لم يحصل لكل حاضر في هذه الغزاة مثل هذه العدة من الإبل والشياه، ولم يعطي الأنصار شيئًا وكانوا أعظم الكتيبة وجلّ العسكر وأهل النجدة، حتى عتبوا، وهذا حديث صحيح مخرَّج في جميع الأصول المعتمدة في كتب الحديث، وليس في شيء من طرقه: إني إنما نفلت الناس من الخُمس، أو إني قسمت فيكم ما أوجبه قسم الغنيمة وزدت من استألفته من مال المصالح، وكان ﷺ أعدل الناس في قسم، وأعدلهم في بيان حق، وأحقَّهم في إزالة شبهة، فلما اقتصر على مدح الأنصار بما رزقهم الله من السابقة في الإسلام، وما خصهم به من محبته ﷺ إياهم، وسلوك فجِّهم دون فجّ غيرهم، ورجوعهم إلى منازلهم به عوضًا عما رجع به غيرهم من الأموال والأنعام، عَلِم كلُّ ذي نظر صحيح أنه ﵇ فعل في هذه الغنائم ما اقتضاه الحال من المصالح، من عطاء وحرمان، وزيادة ونقصان، ثم لم يعلم بعد هذا الحكم ناسخ ولا ناقض، بل فعل الأئمة بعده ما يؤكده، ثم قال: ولولا خشية الإطالة لتقصينا الآثار الواردة في قسم الغنائم، من الأئمة الراشدين ومن بعدهم، حتى إن المتأمل المتّبع، لو أراد أن يبين غنيمة واحدة قسمت على جميع ما يقال من كتب الفقهاء من النَّفل والرَّضخ والسلب، وكيفية إعطاء الفارس والراجل وتعميم كل حاضر، لم يكد يجد ذلك منقولًا من طريق معتمد. واستدل بأشياء كثيرة.
قال القطب: فحصل للناس بقوله قول عظيم، لأن الناس لم يزالوا يغنمون ويستولدون الجواري ويبيعوهن، فيحكم الحكام بصحة بيعهم وشرائهم وإجراء جميع ما يتعلق بهم على حكم الصحة، ولو فتحوا باب وجوب تخميس الغنائم لحرم وطء كل جارية تغنم قبل تخميسها، لأن نكاح الجارية المشتركة حرام، فيؤول ذلك إلى مفاسد كثيرة.
فلما وقف الشيخ ﵁ على ذلك نقضه كلمة كلمة، وبالغ في الرد عليه، ونسبه إلى أنه خرق الإجماع في ذلك، وأطلق لسانه وقلمه في هذا المعنى.
قال القطب ولا شك أن الذي قاله النووي هو مذهب الشافعي وغيره، إلا أنه لم يعمل به في عصر من الأعصار، ولا قيل: إن غنيمة خمِّست في زمن من الأزمان بعد الصحابة والتابعين، ولولا القول بصحة ذلك لكان الناس كلهم بسبب شرائهم الجواري واستيلادهم أياهن في محرمّ، وسائر على الإيناس قاطبة على ما أفتى به التاج، ولم يعمل أحد بما أفتى به الشيخ.
قال: وما كان ينبغي له أن يرد عليه هذا الرد، لعلمه أن بعض العلماء ذهب إليه. قال: وحُكي أن الفتاوى كانت إذا جاءت إلى الشيخ وعليها خط التاج، يمتنع من الكتابة فيها.
وذكر القطب بعد ذلك كلامًا فيه بعض تحامل، مع ما أسلفه من أنه كانت مقاصده جميلة، وأفعاله لله تعالى، ﵏ أجمعين.
وكذا كان التاج المذكور لا يطالع كلام النووي، فمن إنصاف ولده أنه قال: كان بين أبي وبين الشيخ منافسة، ولكني أطالع كلامه وأنتفع به.
ولما ترجم العثماني قاضي صفد الشهاب أبا شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي، قال: وهو من مشائخ الإمام النووي. وما رأيته الآن في كلام غيره، وليس ببعيد، بل هو في كلام التقي السبكي في الجزء الذي أفرده لِمَا علَّق الشافعيُّ الحكم فيه على صحة الحديث.
" ٢ - في الطريق " وأفاد السبكي في " الطبقات الكبرى " أن شيخه في الطريق: الشيخ ياسين المراكشي، الماضي، ويشهد له ما أسلفناه عن الذهبي في ترجمته: أن الشيخ كان يخرج إليه ويتأدب معه ويزوره، ويرجو بركته ويستشيره في أمور.
" ٣ - في القراءات "
1 / 5
ووصفه اللخمي بالعلم بالقراءات السبع، لكن لم يبين عن من أخذها، فيجوز أن يكون عن أبي شامة. مع أني لم أرَ الذَّهبي ولا ابن الجزري، ولا من بينهما، ممن أفرد تراجم القراء، ذكره فيهم، فالله أعلم، انتهى.
" ٤ - في الحديث " وأخذ فقه الحديث عن الشيخ المقق: أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي، الأندلسي، الشافعي شرح عليه " مسلمًا "، ومعظم " البخاري "، وجملة مستكثرة من " الجمع بين الصحيحين " للحميدي.
وقرأ على الشيخ الحافظ الزين أبي البقاء خالد بن يوسف بن سعد النابلسي: " الكمال في أسماء الرجال "، للحافظ عبد الغني المقدسي، وعلق عليه حواشي، وضبط عنه أشياء حسنة.
قلت: وكذا رأيته علق فوائد على " الأنساب " لابن الأثير. ووصف الزين خالدًا في ضبط الأسماء واللغات التي بآخر تصنيفه " التبيان "، حيث نقل عنه: أنه كان يختار فتح الراء من أحمد بن أبي الحواري، بأنه كان علاّمة وقته في هذا الفن، مع كمال تحقيقه فيه، وناهيك بهذا من مثل النووي، وفيه أيضًا الكسر، وحكاهما النووي في " باب ما يقول في بُلي بالوسوسة من أذكاره " بالوجهين بدون ترجيح.
ولازم " كما قال القاضي عبد القادر في طبقات الحنفية "، الإمام المحث الكبير: الضياء ابن تمام الحنفي، في سماع الحديث وما يتعلق به، قال: وعليه تخرّج وبه انتفع، انتهى.
وأخذ عن جماعة من أصحاب الحافظ أبي عمرو بن الصلاح " علوم الحديث " له.
" ٥ - في اللغة والنحو والصرف " وقرأ على الفخر المالكي " اللَّمع " لابن جنّي.
وعلى الشيخ أبي العباس أحمد بن سالم المصري، النحوي، اللغوي، التصريفي،: " إصلاح المنطق " لابن السِّكِّيت بحثًا، وكذا كتابًا في التصريف. قال: وكان لي عليه درس، أما في " كتاب سيبويه "، وأما في غيره، الشك مني.
وقرأ على شيخنا العلامة الجمال أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الجياني، كتابًا من تصانيفه، وعلق عليه شيئًا.
قلت: أظن الكتاب المشار إليه: في النحو، فقد صرح غير واحد أنه أخذ علم النحو عن الجمال بن مالك، وقد ذكر الشيخ الجمال في " شرح المهذّب "، ونقل عنه فيه وفي غيره من تصانيفه، وأثنى عليه ثناء بالغًا، انتهى.
" ٦ - في أصول الفقه " وقرأ على العلامة القاضي أبي الفتح عمر بن بُندار بن عمر بن علي التفليسي، الشافعي: " المنتخب " للفخر الرازي، وقطعة من " المستصفى " للغزالي.
وعلى غيره غيرهما من كتب الفن.
قلت: وكذا قرأ أكثر " مختصر ابن الحاجب " الأصلي، على قاضي قضاة دمشق: العز أبي المفاخر محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن الصائغ " كما نقله المزِّي الحافظ عنه " وعبارته: وسمعت شيخنا النووي يقول: ما ولي قضاء دمشق مثل العزّ أبي المفاخر هذا، وكان منصفًا في بحثه ودروسه، قرأت عليه أكثر " مختصر ابن الحاجب "، وكان إذا أتى موضع لا يعرفه يقول: لا أعرف ما أراد بذلك، وتعدّاه إلى غيره، حتى يكشفه ويفكر فيه، انتهى ما نقله عنه المزّي. على أن العزّ ابن الصائغ لم يكن أسنّ من النووي بكثير، فإن مولده في سنة ثمان وعشرين، بل قد رافقه النووي في الأخذ عن بعض شيوخه، حتى أنه كتب له ثبتًا بسماعه لمسند أحمد على الشرف عبد العزيز الأنصاري في سنة ثمان وخمسين، والعزّ إذ ذاك ابن ثلاثين سنة، ووصفه فيه بالمولى الجليل، والسيد النبيل، الشيخ الإمام، الحبر الهمام، الفقيه المحقق، والنظّار المدقق، مجموع أنواع المحاسن. وناهيك بذلك كله من مثل النووي، وقد تأخر العز بعده نحو سبع سنين، انتهى.
" ٧ - في الحديث أيضًا " وسمع الحديث على أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل، الواسطي.
وأبي العباس أحمد بن عبد الدائم المقدسي.
وأبي محمد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر، التنوخي.
وأبي البقاء خالد النابلسي.
والضياء ابن تمام الحنفي " يعني الماضي ذكرهما ".
وأبي محمد عبد الرحمن بن سالم بن يحيى، الأنباري.
والشمس أبي الفرج عبد الرحمن بن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، وهو أجلّ شيوخه.
وشيخ الشيوخ الشرف أبي محمد عبد العزيز بن أبي عبد الله محمد بن عبد المحسن، الأنصاري.
والقاضي عماد الدين أبي الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد بن الحرستاني خطيب دمشق.
وأبي الفضل محمد بن محمد بن محمد، البكري، الحافظ.
وأبي زكريا يحيى بن أبي الفتح الحرّاني، الصيرفي.
وغيرهم.
1 / 6
قلت: منهم: الرضي أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن نصر، الواسطي، فإنه سمع عليه " صحيح مسلم " كما ذكر الشيخ في أول شرحه له.
وأفاد الذهبي أن النجم ابن الخباز أورد عنه أول حديث من " البخاري "، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي عمر بن قدامة الفقيه، أخبرنا أبو عبد الله بن الزُّبيدي بسنده وكأنه سمع جميع الصحيح على ابن أبي عمر، وكذا ستُفيد مما تقدم أنه أخذ " مُسند أحمد " عن شيخ الشيوخ المذكور. ولو سمع ﵀ " كما قال الذهبي في " سير النبلاء " أول قدومه دمشق " للَحِق الرشيد ابن مسلمة ومكي بن علاّن، والكبار، ولكنه بقي مدة لا يسمع الحديث، انتهى.
وسمعت أنا من معظم شيوخه.
قلت: والتقي الواسطي روى له غير واحد من شيوخنا عن بعض أصحابه، وكان آخر صحابه: الحسن بن أحمد بن هلال الدقاق، المتوفى في سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وحينئذ فيدخل في السابق واللاحق، إذ بين وفاة الشيخ والدقاق، أزيد من مائة بسنتين، انتهى.
مسموعاته
ومسموعاته: الكتب الستة، والموطأ لمالك، والمسند للشافعي، ولأحمد، والدارمي، وأبي يعلى، وصحيح أبي عوانة، والسنن للدارقطني، وللبيهقي، وشرح السنة للبغوي، ومعالم التنزيل في التفسير له، وعمل اليوم والليلة لابن السني، والجامع لآداب الراوي والسامع للخطيب، والرسالة للقشيري والأنساب للزبير بن بكار، والخطب النُّباتية، وأجزاء كثيرة غير ذلك.
قلت: منها " منها ما رايته بخط الشيخ، وهو عندي أتبرك برؤيته كل قليل " كتاب الأربعين للحاكم، على الشيخ خالد النابلسي، وأجزاء من كتاب " المستقصى في فضل المسجد الأقصى "، لأبي محمد القاسم بن علي بن عساكر، على التقي إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر، الماضي، في سنة ست وستين وستمائة، بجامع دمشق، وما علمت: أسَمِعَه تامًّا أم لا؟ انتهى.
وذكر لي ﵀ أنه كان لا يضيِّع له وقتًا في ليل ولا نهار إلا في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتى إنه في ذهابه في الطريق وإيابه يشتغل في تكرار محفوظه، أو مطالعة، وإنه بقي على التحصيل على هذا الوجه نحو ست سنين.
قلت: وقال القطب اليونيني: إنه كان كثير التلاوة للقرآن والذكر، معرضًا عن الدنيا، مقبلًا على الآخرة، من حال ترعرعه، انتهى.
تصانيفه ومؤلفاته
ثم إنه اشتغل بالتصنيف والاشتغال والإفادة، فصنف: شرح مسلم.
قلت: وهو عظيم البركة، انتهى.
وقطعة من شرح البخاري.
قلت: انتهى فيها إلى " كتاب العلم "، سماه " التلخيص "، انتهى.
وقطعة من شرح أبي داود.
قلت: وصل فيها إلى أثناء الوضوء، سماها: " الإيجاز " وسمعت أن زاهد عصره: الشهاب ابن رسلان، أودعها برُمّتها في أول شرحه الذي كتبه على السنن، وبنى عليها، للتبرك بها، انتهى.
وقطعة من الإملاء على حديث: " الأعمال بالنيات ".
قلت: وسمى بعضهم في تصانيفه كتاب " الأمالي " في الحديث، في أوراق، وقال: إنه مهمّ نفيس، صنفه قُريب موته، فلا أدري أهو الأول أو غيره؟ ثم تبين لي أنه هو، وكان إملاؤه له في عشية يوم الخميس ثالث عشر شهر ربيع الآخر سنة ست وستين وستمائة، بدار الحديث الأشرفية، ورأيته، وهو في دون كراسة، عاجلته المنية عن إكماله، انتهى.
وقطعة من الأحكام.
قلت: سماها: " الخلاصة في أحاديث الحكام "، وصل فيها إلى أثناء الزكاة، قال ابن الملقّن: رأيتها بخطه، ولو كملت كانت في بابها عديمة النظير. وقال غيره: إنه لا يستغني المحدث عنها، خصوصًا الفقيه، وهذه الخلاصة بخط المؤلف في كتب أوقاف الجمالية، انتهى.
والمبهمات.
قلت: اختصر فيها كتاب الخطيب أبي بكر البغدادي الحافظ في ذلك، انتهى.
ورياض الصالحين.
والأذكار.
قلت: وهما جليلان لا يُستغنى عنهما، بل قال الشيخ في أثناء النكاح من رواية " الروضة " عن: " الأذكار " ما نصه: وهو الكتاب الذي لا يُستغنى عنه متديِّن، انتهى كلامه. وكان فراغه منه " كما رأيته بنسخة مقروءة عليه " في المحرم سنة سبع وستين وستمائة، قال: سوى أحرف ألحقها.
قال: وجزت روايته لجميع المسلمين، انتهى.
والأربعين.
قلت: في آخرها الإشارة إلى فوائد فيها، وانتهى منها في ليلة الخميس تاسع عشر جمادى الأولى، سنة ثمان وستين وستمائة، انتهى.
والتبيان في آداب حَمَلَة القرآن.
قلت: وهو نفيس لا يُستغنى عنه، خصوصًا القارئ والمقرئ، انتهى.
ومختصره.
1 / 7
والترخيص في الإكرام والقيام.
قلت: لأهل الفضل ونحوهم، انتهى.
والإرشاد في علوم الحديث، اختصر فيه كتاب ابن الصلاح.
ومختصره: التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير.
وطبقات الفقهاء.
قلت: اختصر فيها كتاب أبي عمرو بن الصلاح أيضًا في ذلك، وزاد عليه أسماء نبه عليها في ذيل كتابه. قال العماد ابن كثير: مع أنهما لم يستوعبا أسماء الأصحاب ولا النصف من ذلك، وهذا هو الذي حدا بي على جمع هذا الديوان " يعني طبقاته "، وفات ابن كثير أيضًا كثير، والعذر عن النووي ﵀ في ذلك أنه مات عنه مسوّدة، وبيّضه الحافظ الجمال المزّي تلميذه، انتهى.
وقطعة كبيرة من تهذيب الأسماء واللغات.
قلت: الواقعة في " المختصر " للمزني، والوسيط، والوجيز، والتنبيه، والمذهب، والروضة. مات عنه مسوَّدة، فبيّضه المزي أيضا، انتهى.
والتحرير في ألفاظ التنبيه.
قلت: قال ابن الملّقن: وما أكثر فوائده، على إعواز بينتُه في جزء، سماه " تذهيب التحرير ". وقال قاضي صفد: وما أكثر فوائده، وما أعم نفعه، لا يستغني طالب علم عنه، انتهى.
والروضة، مختصر الشرح للرافعي.
قلت: وقد زاد فيها تصحيحات واختيارات حسان، كما صرح به العماد ابن كثير، وكان فراغه من تأليفها " كما قرأته بخطه في آخر نسخته الموقوفة بالمدرسة المحمودية، وهي في أربعة أجزاء " في يوم الأحد خامس عشر ربيع الأول، سنة تسع وستين وستمائة، وهي كاسمها فيما قاله ابن الملقّن، بل سيأتي ذلك في منام عن سيد المرسلين، عرض فيها أحكام المذهب " كما قاله الأسنوي "، انتهى.
والمنهاج، مختصر المحرر للرافعي أيضًا.
قلت: وهو عظيم النفع " كما صرح به قاضي صفد " وله فيه أيضًا تصحيحات واختيارات، وكان فراغه من تأليفه " كما رأيته في النسخة التي بخطه في المحمودية أيضًا " يوم الخميس تاسع عشر رمضان من السنة، انتهى.
ودقائقه.
قلت: وكذا دقائق الروضة، لكنها لم تكمل، وصل فيها إلى أثناء الصلاة، وهي نفيسة، سماها: " الإشارات، لما وقع في الروضة من الأسماء واللغات "، انتهى.
والمجموع، في شرح المهذب، وصل فيه إلى المصرّاة.
قلت: الموجود منه إلى أثناء باب الربا، بل وقع النقل عن مسوّدة له على المهذب في مسألة نظر العبد لسيده، وكذا في خطبة القطعة الموجودة أنه كان شرع في شرح عليه مبسوط جدًا، بحيث بلغ إلى آخر الحيض، في ثلاث مجلدات ضخمات، ثم استطوله، وخشي من عدم تحصيله والسآمة من مطالعته، فأعرض عنه وعدل إلى الموجودة، وإنها طريقة وسطى، انتهى.
ودفع لي ورقة بتعيين مواده في تصنيفه، وقال لي: إذا انتقلت بالوفاة إلى رحمة الله تعالى فأتممه منها، فلم يقدّر لي ذلك.
قلت: وليته ذكر أسماءها لمن بعده، وإن كان يُعلم تعيُّنها من الشرح، ولكن كان ذلك أسهل وأضبط. وقد سرد السبكي الكتب التي استمد هو منها في تكملته، انتهى.
والإيضاح، في المناسك.
والإيجاز، فيها أيضًا.
ومنسك ثالث، ورابع، وخامس، وسادس.
قلت: وأحدها خاص بالنسوان، انتهى.
ومسألة تخميس الغنائم.
قلت: وكان سبب تصنيفها ما أسلفتها عن القطب اليونيني، انتهى.
والفتاوى، وقد رتبتها.
وقطعة من شرح التنبيه.
قلت: وصل فيها إلى أثناء باب الحيض، سماه " تحفة الطالب النبيه "، وهو غير النبغ الذي رأيته في مجلد، فإنه قد شرح فيه مواضع من جميع الكتاب، وهو من أوائل ما صُنف، انتهى.
ومن شرح الوسيط قطعة جيدة.
قلت: وقد قال ابن الرفعة في المطلب الذي شرح به " الوسيط " عن نفسه: إنه شرّع فيه من أول ربع البيع، وأنه جعل ذلك تتميمًا لمن سبقه، وإنه إذا انتهى من الكتاب استأنف الربع الأول: قال: فإن حصل المطلوب فبفضل الله ومنِّه، وإن عاق عنه عائق، فيغني عنه إن شاء الله ما تقدمت الإشارة إليه من كلام الغير، فإنه قريب منه أو موافق. وكأنه ﵀ عنا الشيخ نفعنا الله ببركته، وهي في جزءين " كما قال ابن الملقن " وقال: قد رأيتها ببيت المقدس، وبمصر أيضًا.
1 / 8
وسمى ابن الملقِّن في تصانيفه أيضًا: التنقيح في شرح الوسيط، وقال: أنه وصل فيه إلى أثناء " كتاب الصلاة "، حسبما وقف عليه بخطه. ولا أدري أهو الذي قبله أو غيره؟ وذكر بعضهم عن التنقيح: أنه وصل فيه إلى شروط الصلاة، قال: وهو كتاب جليل، من أواخر ما صنف، جعله مشتملًا على أنواع متعلقة بكلام " الوسيط "، ضرورية كافية لمن يريد المسائل الموجودة، والمرور على الفقه كله في زمن قليل، لتصحيح مسائله، وتوضيح أدلته، وذكر أغاليطه، وحلّ إشكاله، وتخريج أحاديثه، وذكر شيء من أحوال الفقهاء المذكورين فيه، إلى غير ذلك من الأنواع التي ألتزمها، ولم يتعرض فيه لفروع غير فروع " الوسيط "، وهي طريقة يتيسر معها تدريس " الوسيط " كل عام مرة، وقد كان بعض الأشياخ يفعل ذلك ولا يتعرض لفرع زائد، ويقول: إنه يقبح لمن يتصدى للإفتاء والتدريس أن لا يكون عهده باب من أبواب الفقه أكثر من عام. وفي كتب العلاَّمة النجم ابن حجي " بورك في حياته " كلامّ له على " الوسيط " في مجلدين بخطه، فيحرّر: هل هو على التوالي كالأول أولا؟ انتهى.
والتحقيق، في الفقه، وصل فيه إلى أثناء باب صلاة المسافر.
قلت: وهو " كما قال ابن الملقّن " نفيس، قال: وكأنه مختصر " شرح المهذّب " الماضي، قال غيره: إنه ذكر فيه مسائل كثيرة مُحضة، وقواعد وضوابط لم يذكرها في " الروضة ".
وقال في مقدمته: حصل عندي نحو مائة مصنف من كتب أصحابنا، انتهى.
إلى غير ذلك من المسوّدات.
ولقد أمرني مرة ببيع نحو من ألف كرّاس بخطه، وأمرني بالوقوف على غسلها في الورّاقة، فلم أخالف أمره، وفي قلبي منها حسرات.
قلت: ومن تصانيفه أيضا كتاب جامع السنّة، شرع في أوائله، وكتب منه دون كراسة.
ومختصر صحيح مسلم، وتوقف ابن الملقّن في نسبته له، قال: وكأن مصنِّفه أخذ تراجمه من " شرح صحيح مسلم " له، وركّب عليها متونه وعزاه إليه.
ومختصر أسد الغابة في معرفة الصحابة لأبن الأثير، كما نبه عليه في مصنَّفه: " التقريب ".
وبستان العارفين، في الزهد والتصوف، بديع جدا.
وأجوبة عن أحاديث سئل عنها، في دون كرّاس.
ومنقب الشافعي، التي لا يسع طالب العلم أن يجهلها، اختصر فيها كتاب البيهقي الحافل في ذلك، بحذف الأسانيد، وهي في مجلد.
وجزء أدعية رأيته بمكة.
ومختصر التذنيب للرافعي، سماه: " المنتخب "، وقد أسقط منه من آخر الفصل السادس أوراقًا تزيد على الكراس، فلم يختصرها.
ومختصر التنبيه، كتب منه ورقة.
ومهمات الأحكام. قال بعضهم: وهو قريب من " التحقيق " في كثرة الأحكام، لكنه لم يذكر فيه خلافًا، وصل فيه إلى أثناء طهارة البدن والثوب.
والأصول والضوابط، وهي أوراق لطيفة تشتمل على شيء من قواعد الفقه، وضوابط لذكر العقود اللازمة والجائزة، وما هو تقريب أو تحديد، ونحو ذلك.
ومشكلات الوسيط. لكن قال الأسنوي: نسب ابن الرفعة إليه كتابًا في أغاليط الوسيط، يشتمل على خمسين موضعًا، بعضها فقهية وبعضها حديثية، ليست له وإن عزاها إليه صاحب " المطلب " وغيره " يعني الكمال الأدفوي " فإنه سماه في " البدر السافر " من تصانيفه، مع إشكالات على " المهذب "، وقال: إنهما لم يكملا. وزعم غيره أنه كامل، حيث ذكر في تصانيفه: " إيضاح الأغاليط الموجودة في الوسيط "، كامل في كراريس، فالله أعلم. وكذا سمى فيها: " أغاليط المهذب "، وقال: فيه فوائد.
وقرأت بخط الولي العراقي ما نصه: الأوهام على المهذب والوسيط للنووي، نحو ثلاث كراريس، سمعها أحمد بن أيبك على رافع السلاّمي، بسماعه من أبي عبد الله محمد بن غالب بن يونس بن سعيد بسماعه من النووي، انتهى ما قرأته بخط الولي.
والغاية. في الفقه، قال ابن الملقّن: وعندي إنها ليست له، وإن كانت له فلعلها مما صنفه في أول أمره. وسماها غيره: " النهاية في الاختصار للغاية "، وجزم الأسنوي بأنها ليست له. ويوجد للنهاية شرّح ينسب إليه، يسمى: " الكناية ".
ومختصر البسملة لأبي شامة، رأيته بخطه، وهو في شرح " المهذب " بتمامه.
ومسألة نية الاغتراف.
ومختصر آداب الاستسقاء.
ورؤوس المسائل، وتحفة طلاب الفضائل. ذكر فيه من التفسير والحديث والفقه واللغة، وضوابط ومسائل من العربية، وغير ذلك، جدير في معناه.
وأفرد في شرح المهذب " أدب المفتي والمستفتي "، وهو نفيس. وقد سبقه لتصنيف هذا أبو عمر ابن الصلاح، ومن قبله أبو القاسم الصيمري.
1 / 9
وفتاوى أخر رتّبها بخطه، مما لم يذكر في فتاويه.
فهذه نحو من خمسين تصنيفًا، كل ذلك " كما قال الكمال الأدفوي " في زمن يسير وعمر قصير، انتهى.
نبذة من كلام العلماء في كتبه
وعمّ النفع بتصانيفه وانتشر في الأقطار ذكرها، وأكبوا على تحصيلها، حتى رأيت من كان يشنؤها في حياته، مجتهدًا في تحصيلها والانتفاع بها بعد مماته.
قلت: قال اليافعي: وقد بلغني أنه حصلت له نظرة جمالية من نظرات الحق ﷾ بعد موته، فظهرت بركتها على كتبه، فحظيت بقبول العباد، والنفع في سائر البلاد.
وقال العثماني قاضي صفد في ترجمته من " طبقات الشافعية " له: سمعت الخطيب جمال الدين محمود بن جملة، الخطيب بالجامع الأموي، يقول بحضرة جماعة من مشائخ العصر: إنه سمع من شخص يخاطبه وهو بين النائم واليقظان: إن الله أفاض على النووي في قبره فيضًا، فصرف ذلك الفيض إلى كتبه، فمن ثم شاعت وذاعت، انتهى ما قاله العثماني.
وأثنى الشمس الموصلي على جملة منها نظمًا فقال:
أحيا لنا العلم " يحيى " حين ألّفه ... ب " روضة "، و" رياض "، ثم " أذكار
و" شرحه مسلمًا "، و" الأربعين "، وفي ... " تقريبه " شرح أنواع الأخبار
و" المبهمات " و" تهذيب اللغات "، وكم ... أبدى ل " منهاجه " تنبيه أنوار
فالله يجزيه عنا كل صالحة ... وأن يقينا وإياه من النار
وقد كانت " كما قرأته بخط الزين العراقي الحافظ بخطبة تخريجه الأكبر للإحياء " عادة المتقدمين السكوت على ما أوردوه من الأحاديث في تصانيفهم، من غير بيان لمن أخرج ذلك الحديث من أئمة الحديث، ومن غير بيان للصحيح من الضعيف، إلا نادرًا، وإن كانوا من أئمة الحديث، ولكنهم مشوا على عادة من تقدمهم من الفقهاء، حتى جاء الشيخ محيي الدين النووي، فصار يسلك في تصانيفه الفقهية الكلام على الحديث، وبيان من خرّجه، وبيان صحته من ضعفه، وهذا أمر مهم مفيد. فجزاه الله خيرًا. لأنه تحمّل عن ناظر كتابه التطلب لذلك في كتب الحديث، والمتقدمون يحيلون كل علم على كتبه، حتى لا يغفل الناس النظر في كل علم من كتب أهله ومضانه. وهذا الإمام أبو القاسم الرافعي يمشي على طريقة الفقهاء، مع سعة علمه بالحديث، حتى سمعنا شيخنا الحافظ أبا سعيد العلائي يقول: إن الرافعي أعرف بالحديث من الشيخ محيي الدين، فتوقفتُ في ذلك، فقال لي: هذه أماليه تدل على ذلك وعلى معرفته بمصطلحات أهله، وكذلك شرح " مسند الشافعي " له، ولكل من العلماء قصد ونية، على حسب ما وفِّق له وألهم، انتهى.
" المنهاج " وحفظ " المنهاج " بعد موته خلائق. وأثنى حجة العرب الجمال ابن مالك على حسن اختصاره وعذوبة ألفاظه، حتى قال لي: والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت لحفظته.
وامتدحه شيخنا الأديب الفاضل الرشيد أبو حفص عمر بن إسماعيل بن مسعود الفارقي، شيخ الأدب في وقته، بأبيات وقف عليها الشيخ بخطه، فقال:
اعتَنَى بالفضل " يحيى " فاغتَنى ... عن " بسيط ب " وجيز " نافعِ
وتحلَّى " منتقاه " فضله ... فتجلّى بلطيف " جامع "
ناصبًا أعلام علمٍ، جازما ... بمقالٍ رافعًا لل " رافعي "
فكأنّ " ابن صلاحٍ " حاضرٌ ... وكأنْ ما غاب عنا " الشافعي "
قلت: وقال فيه الأسنوي أيضًا:
يا ناهجًا منهاجَ حَبْر وناسك ... دققت دقائق فكره وحقائقُهْ
بادر ل " محيي الدين " فيما رمتَه ... يا حبذا " منهاجُه " و" دقائقُهْ "
وقال غيره:
إن رمتَ فِقهًا صافيًا كالعاج ... فعليك يا ذا الذهن ب " المنهاج "
فيه الصحيح مع الفصيح وعمدة ال ... مُفْتين والحكام والحُجّاج
من قاسه بسواه مان وذاك من ... غبْنٍ ومن حسدٍ وسوءِ مزاج
وللبرهان الجعبري:
لله دَرّ إمام زاهدٍ ورع ... أبدى لنا من فتاوى الفقه " منهاجا "
ألفاظُه كعقود الدّر ساطعةٌ ... على الرياض تزيد الحسن إبهاجا
فاسلكه تَحْظ بأحكام تُنيف على ... علم " المحرَّر " تأويبًا وإدلاجا
1 / 10
وانهلْ من " الروضة " الغنّاء زاهرةً ... بحرًا من الفقه عذبَ الورد ثجّاجا
أحيَ لنا الدين " محبيه " فألبسه ... بما تنوّع من تصنيفه تاجا
يا ربِّ حيِّ ثرى " يحيى " ونَمِّ له ... نورًا يسير به في العَرْض فجّاجا
بوِّئه قربَك في الفردوس منزلةً ... مع الذي نال في مسراه معراجا
وللعلاء المقدسي تلميذه:
ما صنف العلماء ك " المنهاج " ... في شرعة سلفٌ ولا مِنهاج
فاجهد على تحصيله وكن آمنا ... بالحق في تفصيله من هاجٍ
وله أيضًا:
يا طالبًا علم الإمام الشافعي ... هو في اختصار " محرَّر " للرافعي
فاجهد على تحصيله وانسخ سوا ... هـ بلفظه العذب البديع النافع
وقال شاعر العصر الشمس النواجي:
يمِّمْ حمى النووي ولُذْ بعلومه ... وأنِخْ ب " روضته " تفز بحقائقِهْ
واصرف لها ساعاتِ وقتك تريقِ ... درجًا إلى " منهاجه " و" دقائقه "
قال التقي السبكي في أول القطعة التي شرحها منه ما نصه: هذا الكتاب في هذا الوقت هو عمدة الطلبة وكثير من الفقهاء، في معرفة المذهب، انتهى كلام السبكي.
وممن علمته شرحه من الأئمة: البهاء أبو العباس محمد بن أبي بكر بن عرّام السكندري، والد التقي محمد ففي ترجمته أنه علق على " المنهاج ".
والكمال بن المعالي محمد بن علي بن عبد الواحد، بن الزمْلَكاني الدمشقي.
والبرهان إبراهيم بن التاج بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن الفركاح.
علق كل منهما تعليقا - كما رأيته في ترجمتيهما، وأن أولهما سمى شرحه " السراج الوهاج في إيضاح المنهاج "، وقطعته جيدة، وفي أوقاف الكتب الباسطية لأبن الفركاح عليه نكت صغيره الحجم، سماها: " بعضُ غرض المحتاج ".
وشرحه المجد أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز الزنكلوني، نحو شرحه على " التنبيه " في الحجم، لكن ذاك أحسن من هذا.
وكذا شرحه الشيخ نور الدين فرج بن أحمد بن محمد الأردبيلي، كتب من ست مجلدات، وهي بالمدرسة المحمودية.
الشيخ تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي سماه " الابتهاج " لكنه لم يكمل، وقال في خطبته: وقد كنت في سنة ثمان وسبعمائة شرعت في شرح عليه كبير جدًا في غاية النفاسة، سميته " العبير المذهب في تحرير المذهب "، عملت منه قطعة لطيفة من أول الصلاة، ولم يتفق الاستمرار عليه.
وقد انتهت كتابته في " الابتهاج " إلى الطلاق، في ثمانية أجزاء. وشرع ولده البهاء أبو حامد أحمد في إكماله، فمات قبل أن يتم أيضًا. وكذا كمّل على السبكي من المتأخرين: الشيخ نور الدين محمود بن أحمد بن محمد الحموي، عرف بابن خطيب الدهيشة، وما أعرف هل تمّ أو لا؟ وكتب عليه شيئًا محمد بن عيسى بن عبد الله السكسكي المصري، ثم الدمشقي.
والعماد محمد الأسنوي أخو الجمال الآتي شرحًا رأيت منه إلى البيع في مجلد لطيف، عند النجم بن حجي.
وكذا كتب عليه الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن لؤلؤ بن النقيب، شرحًا لم يكمل ولا اشتهر ونكتًا كملت وانتفع بها، وهي كثيرة الفائدة.
والشيخ جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم ابن الحسن الأسنوي، وما أحسنه وأتقنه.! لكنه لم يكمل، وصل فيه إلى المسافات، فكمّل عليه الشيخ بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، ثم استأنف وصار شرحه مستقلًا، لكن التكملة أكثر تداولًا.
وللبدر عليه أيضًا " الديباج "، في مجلد. وكذا كمل على الأسنوي تلميذه: الشيخ زين الدين أبو بكر بن الحسين المراغي، ثم استأنف " فيما أظن " فصار شرحه أيضًا مستقلًا.
والقاضي عز الدين أبو عمر عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة، تكلم على مواضع فيه. قال الولي العراقي: إنه صنف عليه شرحًا لم يكمله.
والعماد أبو الفداء إسماعيل بن خليفة الحسباني، له شرح في عشرة مجلدات، فيه نقول كثيرة وأبحاث نفيسة، لكنه " كما قال ابن قاضي شهبة " لم يشتهر، لأن ولده لم يمكّن أحدًا من كتابته، فاحترق غالبه في الفتنة، قال: ورأيت منه مجلدًا بخط الأذرعي، وكأنه كتب لنفسه منه نسخة، وهو ينقل أغلب ما فيه من النقول والبحوث في " القوت ".
والجمال محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الشَّريشي، في أربعة أجزاء، اختصره من شرح الرافعي الصغير.
1 / 11
والتقي أبو بكر بن محمد بن الحصني، شرحه في عشرة أجزاء، وكأنه بعد سنة ست وسبعين، والشيخ شهاب الدين أحمد بن حمدان الأذرعي. له " غنية المحتاج "، و" قوت المحتاج "، وحجمهما متقارب، وفي كل منهما ما ليس في الآخر، إلا أنه كان في الأصل وضع أحدهما لحل ألفاظ الكتاب فقط فما انضبط له ذلك، بل انتشر جدًا.
وشرح قطعة منه القاضي برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحيم بن البدر ابن جماعة، في مجلد رأيته بخطه.
وشرحه الشرف أبو الروح عيسى بن عثمان العزِّي، مصنف " أدب القضاء "، في " كبير " نحو عشر مجلدات، و" صغير " في مجلدين، لخصه من كلام الأذرعي، مع فوائد كبيرة من " الأنوار ". وله شرح ثالث متوسط بينهما.
والشيخ سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن الملقِّن، في " كبير " عُدِم، وسماه " كما قال قاضي صفد فيما أرسل به إليه " " جامع الجوامع "، وإنه نحو ثلاثين جزءًا و" متوسط " سماه: " العمدة ". و" مختصر " سماه: " العجالة "، وله أيضًا: " نهاية المحتاج لتوجيه المنهاج "، قَدْر المتن، وخرّج أحاديثه وضبط لغاته وغير ذلك.
والشيخ سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان البلقيني كتب على ربع الجراح كتابة أطال فيها النفس، في خمس مجلدات وكذا كتب منه قطعًا غير ذلك، من ذلك من النكاح نحو مجلّد.
والشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن العماد الأقفهسي، في " مطول " لم يوجد منه الآن سوى قطعة يسيرة تنتهي إلى صلاة الجماعة، في ثلاثة مجلدات. و" مختصر " في مجلدين.
والشيخ كمال الدين محمد بن موسى الدميري، في أربعة مجلدات، ضمّنه فوائد كثيرة خارجة عن الفقه. قال في خطبته: وأول من شرحه الشيخ الإمام العلامة تقي الدين السبكي، فسبك إبريزه، ثم شيخنا الشيخ جمال الدين، لخّصه بعبارته الوجيزة، ثم العلامة شيخنا الشيخ سراج الدين بن أبي الحسن، فبيّن من أدلته الصحيح والغريب والحسن، ونقى شرحه ولغاته عن الطرف الوسن، ثم شرحه العلامة الأذرعي فسكّت وبكّت، ثم النّقاب ابن النقيب، نقّب عليه ونكّت، فكان كالجدول من البحر المحيط، والخلاصة من " البسيط " و" الوسيط "، ثم علق عليه أئمة من علماء العصر، كتبوا فأحسنوا ما صنعوا، وقوم أطنبوا، وقوم تمّموا فتعبوا وأتعبوا، وكل منهم عادت عليه بركة علاّمة نوى، فبلغ قصده، ولكل امرئ ما نوى:
وقلَّ من جدَّ في أمر يحاوله ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
انتهى كلام الدميري.
وقد ظهر بما قلناه إن السبكي ليس أول من شرحه، نعم: إن كان بالنظر إلى الوفاء بالمقصود فالأولية صحيحة. ثم أن في تقديمه لابن الملقّن على الأذرعي مع الإتيان بثم: إشارة إلى أنه وإن تأخرت وفاته عن الأذرعي، فإنه صنف شرحه قديمًا في أيام شيخه الأسنوي، حتى إن الأذرعي وقف عليه واستفاد منه، واعترض عليه في مواضع. وأما تعيين من أبهمه فيمكن أن يكون أشار إلى البدر الزركشي، والمراغي، أو أحدهما، والله أعلم.
وفي ترجمة القاضي فخر الدين أبي اليمن محمد بن محمد بن محمد بن أسعد القاياتي، جدِّ شيختنا أم هانئ الهورنية لأمها والدة العلامة سيف الدين الحنفي، رحمهما الله من معجم شيخنا: أنه حفظ " المنهاج " وكتبه بخطه.
وكتب عليه " مع قلة بضاعته " وشرحه أيضًا: الشيخ شمس الدين محمد ابن محمد بن الخضر العيزري، في شرحين، أحدهما: " كنز المحتاج إلى إيضاح المنهاج "، والآخر: " السراج الوهاج في حل المنهاج ".
وشرح فرائضه الجمال يوسف بن الحسن بن محمد الحموي، خطيب المنصورية، وهو في مجلد عند العلامة النجم بن حجي، بورك في حياته.
وشرحه الجمال عبد الله بن محمد بن طيمان، الطَّيماني، اختصره من شرح الشرف الغزّي. وكذا كتب عليه ملخِّصًا من الأذرعي وغيره شيئًا لم يشتهر، بغلاقة لفظه واختصاره.
وكتب على خطبته شرحًا مطوَّلًا: الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن محمد بن عماد، عرف بابن الهائم، الفرضي.
وللشيخ عز الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة عليه: " زاد المحتاج في نكت المنهاج "، و" منهج المحتاج في نكت المنهاج "، و" بغية المحتاج إلى نكت المنهاج "، و" القصد الوهاج في حواشي المنهاج "، و" المنهج الوهاج في شرح المنهاج "، و" سائل الابتهاج في شرح المنهاج "، و" منبع الابتهاج في شرح فرائض المنهاج "، و" السبيل الوهاج في شرح فرائض المنهاج "، وغير ذلك مما وجد منه شرح الخطبة وأماكن مفرّقة عند أبي حجي المذكور.
1 / 12
وشرحه الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرج الغزّي، في ثلاثة أسفار، ورأيت في طبقات ابن قاضي شهبة أنه " أي الغزِّي " كتب عليه قطعة مطولة في مجلدين، إلى الصلاة، فأظنه غير الأول.
وعمل عليه نكتًا القاضي جلال الدين البلقيني، لكنها لم تكمل، وصل إلى الجراح.
وشرحه الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عيسى، بن خطيب عذراء في أجزاء، غالبه مأخوذ من الرافعي، فيه فوائد غريبة.
والتقي أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن الحصني، في خمسة مجلدات. والنجم أبو الفتوح عمر بن حجي الدمشقي، لكن على مواضع منه. وفقيه الشام التقي أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة. وبعد مدة شرحه ولده البدر في شرحين.
وكتب على خطبته، وإلى التيمم: الشيخ العلامة القاضي شمس الدين محمد بن علي القاياتي، وعلى مناسكه مواضع منه: شيخنا شيخ الإسلام وأبو الفضل بن حجر ﵀.
وعلى جميع الكتاب: شيخه الشرف أبو الفتح محمد بن أبي بكر المراغي، ولده الماضي.
والشيخ المحقق جلال الدين محمد بن أحمد المحلي. وهو مختصر في مجلد في غاية التحرير.
وشرع فقيه المذهب: الشرف المناوي، في شرح مطوّل عليه، فكتب منه قطعة.
وكتب عليه صاحبنا الشيخ نجم الدين بن قاضي عجلون تصحيحًا مطوّلًا سماه: " مغني الراغبين "، ومتوسطًا سماه: " هادي الراغبين "، ومختصرًا.
وآخرون هم الآن في قيد الحياة بمصر والشام، كثّر الله منهم، وأبقاهم ليؤخذ العلم عنهم، وكذا بلغني أن لابن صَوْراء، ونور الدين البكري، عليه شرحان لم يكملا، فتحرّرْ أمرهما. ويقال: إن الذي لابن صَوْراء إنما هو الجمع بينه وبين " الحاوي "، سماه: " الابتهاج ".
ونظمه الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الكريم رن رضوان الموصلي، والقاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان الزرعي المقدسي، عُرف بابن قرموز.
والعلامة الشهاب أحمد بن ناصر الباعوني، قاضي دمشق. ووالد قاضيها: جمال الدين يوسف، رحمهما الله.
ونظم فرائضه فقط ناصر الدين محمد بن محمد بن يوسف المنزلي، عرف بابن سويدان، سماه " وجهة المحتاج ونزهة المنهاج ".
واختصره الشيخ أثير الدين أبو حيان الأندلسي، وسماه: " الوهاج ".
وكتب عليه مضمونًا مع " التنبيه ": الشيخ تاج الدين أبو نصر السبكي في " التوشيح ". وكذا الشيخ وليّ الدين أبو زرعة العراقي، وأضاف إليهما " الحاوي ".
ومن فور جلالته وجلالة مؤلفه انتساب جماعة ممن حفظه إليه، فيقال له: المنهاجي، وهذه خصوصية لا أعلمها الآن لغيره من الكتب.
وحكى لي صاحبنا الزين عبد الرحمن بن أحمد الهمامي، الدمشقي، الحنفي: إن أخاه الشمس محمد المقدسي حصل له توعك في صغره أدى إلى خرسه، حتى بلغ السنة السادسة، وإن والدهما توجه به إلى الشيخ عبد الله العجلوني، أحد جماعة التقي الحصني، وأمام جامع ابن منجك بالقبيبات، ملتمسًا بركته ودعائه، فدعا له وبشره بالعافية، وألزمه بأن يجعله شافعيًا، ويقرئه " المنهاج " بقصد بركة مؤلفه، مع كون سلفه وإخوته كلهم حنفية، فامتثل ذلك فعوفي عن قرب، فحفظ القرآن و" المنهاج " في أربع سنين، وهو الآن عين الدماشقة في كتابة المصاحف.
" شرح المهذب " وكتابه " شرح المهذب " لم يصنف في المذهب على مثل أسلوبه. قال الأسنوي وابن الملقِّن: ليته أكمله، وانخرمت باقي كتبه، وبه عُرف مقداره.
وقال الذهبي: إنه في غاية الحسن والجودة.
وقال العماد ابن كثير في تاريخه: إنه لو كمل لم يكن له نظير في بابه، فإنه أبدع فيه وأجاد، وأفاد وأحسن الانتقاد، وحرر الفقه في المذهب وغيره، والحديث على ما ينبغي، واللغة والعربية، وأشياء مهمة، لا أعرف في كتب الفقه أحسن منه. قال: على أنه يحتاج إلى أشياء كثيرة تزداد عليه، وتضاف إليه. وقال في " طبقات الشافعية ": سلك فيه طريقة وسطى حسنة، مهذبة سهلة، جامعة لأشتات الفضائل، وعيون المسائل، وجامع الأوائل، ومذاهب العلماء، ومفردات الفقهاء، وتحرير الألفاظ، ومسالك الأئمة الحفاظ، وبيان صحة الحديث من سقمه، ومشهوره من مكتتمه، وبالجملة فهو كتاب ما رأيت على منواله من أحد من المتقدمين، ولا حذا على مثاله متأخر من المصنفين.
1 / 13
وقرأت في تاريخه من نصه: رأيت في ليلة الاثنين، الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاث وستين وسبعمائة، الشيخ محيي الدين النووي ﵀، فقلت له: يا سيدي الشيخ، لم لا أدخلت في شرحك " المهذّب " شيئًا من مصنفات ابن حزم؟ فقال ما معناه: إنه لا يحبه، فقلت له: أنت معذور فيه، فإنه جمع بين طرفي النقيض في فروعه وفي أصوله، أما هو في الفروع فظاهري جامد يابس، وهو في الأصول مؤول مئع، قرمط القرامطة، وهرمسة الهرامسة. ورفعت بها صوتي حتى سمعت وأنا نائم، ثم أشرت إلى أرض خضراء تشبه النجيل، بل هي أردأ شكلًا منه، لا ينتفع بها في استغلال ولا رعي، فقلت له: هذه أرض ابن حزم التي زرعها، انظر، هل ترى فيها شجرًا مثمرًا، أو شيئًا يُنتفع به؟ ثم قلت: إنما تصلح للجلوس عليها في ضوء القمر. هذا حاصل ما رأيته، ووقع في خلدي أن ابن حزم كان حاضرًا عندما أشرت للشيخ محيي الدين إلى الأرض المنسوبة إلى ابن حزم، وهو ساكت لا يتكلم.
وقال العثماني قاضي صفد: إنه " يعني شرح المهذب " لا نظير له، لم يصنّف مثله، ولكنه ما أكمله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذ لو أكمله ما احتيج إلى غيره، وبه عُرف قدره، واشتهر فضله.
وقال التقي السبكي في أول التكملة التي عملها تلوه " وقد وصف المؤلف بالشيخ الإمام العلامة، علم الزهاد، قدوة العبّاد، أوحد عصرة، وفريد دهره، محيي علوم الأولين، وممهِّد سنن الصالحين ": إن بعضهم طالت " يعني في تكملة شرح المهذب " رغبته إليّ وكثّر إلحاحه عليّ، وأنا في ذلك أقدّم رجلًا وأواخر أخرى، واستهول الخطب، وأراه شيئًا أمرًا، وهو في ذلك لا يقبل عذرًا، وأقول: قد يكون تعرّضي لذلك مع قصوري عن مقام هذا الشارح إساءة إليه، وجناية مني عليه، وأني " لي أن " أنهض بما نهض به وقد أُسعِف بالتأييد، وساعدته المقادير فقرّبت منه كل بعيد؟ ولا شك أن ذلك يحتاج بعد الأهلية إلى ثلاثة أشياء: أحدها: فراغ البال واتساع الزمان، وكان ﵀ قد أوتي من ذلك الحظّ الأوفى، بحيث لم يكن له شاغل عن ذلك من تعيُّش ولا أهل.
والثاني: جمع الكتب التي يُستعان بها على النظر والاطلاع على كلام العلماء، وكان رحمه الله تعالى قد حصل له من ذلك حظ وافر، لسهولة ذلك في بلده في ذلك الوقت.
والثالث: حسن النية وكثرة الورع والزهد، والأعمال الصالحة التي أشرقت أنوارها، وكان رحمه الله تعالى قد اكتال من ذلك بالمكيال الأوفى.
فمن تكون قد اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث، أنَّى يضاهيه أو يدانيه من ليست فيه واحدة منها؟ إلى أن قال: وقد استخرت الله تعالى وقلت في نفسي: لعل ببركة صاحبه ونيته يعينني الله تعالى عليه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فإن كنّ الله بإكماله فلا شك في ذلك من فضل الله تعالى وبركة صاحبه ونيته، إذ كان مقصوده النفع للناس ممن كان، انتهى كلام السبكي.
وانتهت كتابته " كما رأيته بخطه في أربعة مجلدات " إلى التفليس. ولم يتهيأ إكماله لأحد ممن انتدب لذلك، لا العماد إسماعيل الحُسباني، ولا التاج السبكي، ولا الشهاب ابن النقيب، ولا السراج البلقيني؛ وسماه " الينبوع في تكملة المجموع "، كتب منه مجلدًا من النكاح، ولا الزين العراقي، ولا ولده، رحمة الله عليهم أجمعين، وعُدّ ذلك من كرامات مؤلفه.
وكتب الكمال جعفر الأدفوي على مقدمة " شرح المهذب " أشياء حسنة، وزاد أمورًا مهمة. وشرع شيخنا في نكت عليه، فكتب يسيرًا من أوائلها.
" حول الروضة " وأما " الروضة " فقد انتدب لاختصارها القطب محمد بن عبد الصمد عبد القادر السنباطي، لكنه لم يُكمل.
والشمسان: محمد بن عبد المنعم المنفلوطي، ومحمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان لكنه لم يشتهر، لغلاقة لفظه.
والشمس محمد بن أبي بكر بن عبد الله الأنصاري الفُوي السكندري، المتوفي سنة أربعين وسبعمائة.
والعز محمد بن محمد بن محمود بن محمد بن بندار، التبريزي الأصل، المقدسي، البعلي.
والنجم عبد الرحمن بن يوسف الأصفوني.
والجمال محمد بن أحمد بن محمد الشريشي.
وفتح الدين محمد بن علي بن إسماعيل العشائشي، قاضي المرتاحية، في مجلدين لطيفين، وكان حيا في سنة أربع وتسعين وسبعمائة.
والشرف أبو الروح عيسى بن عثمان الغزّي، مصنف " أدب القضاء "، اختصرها مع زيادات كثيرة أخذها من " المنتقى " وغيره.
1 / 14
والزين أبو العباس احمد بن ناصر الدين محمد بن أحمد بن محمد البكري، جد الشيخ جلال الدين دام النفع به، وهو بمدرسة الجمالي ناظر الخواص " كما ذكره لي حفيده "، وأنه سماه: " عمدة المفيد وتذكرة المستفيد "، قال: واختصرها من قبلة والده، لكنه لم يكمل.
وكذا اختصرها الشمس محمد بن علي بن جعفر البلالي.
ومحيي الدين أحمد بن النحاس، نزيل دمياط، لكنه لم يكمل أيضا.
والشرف ابن المقرئ اليماني، في الروض، وقد كثر تداوله في هذا التاريخ وشرح واختصر أيضا.
والشهاب ابن رسلان المقدسي، وهو عند صاحبنا الشيخ نجم الدين بن قاضي عجلون.
والشمس محمد بن محمد بن احمد الحجازي، مع زيادات ضمها إليه من " المهمات " وغيرها. ووصف الشيخ في أولها بالإمام الأجل، الفاضل الكامل الورع، المتقي، مفتي الشام، علامة عصره: محيي الدين أبي زكريا، نوَّر الله ضريحه، وجعل من الرحيق المختوم غُبُوقه وصُبُوحه.
وأفرد المجد الزنكلوني زوائدها.
وكتب عليها نُكتًا في قدر " المنهاج ": الكمال النشّاي، وهي في كتب النجم ابن حجي.
وكتب عليها الشيخ سراج الدين البلقيني حواشي، جرّدها البدر الزركشي قديمًا، ورأيته بخطه، واستدرك شيخنا عليه بخطه ما تجرّد بعد تجريده من الحواشي. وجرّدها أيضا الوليّ العراقي.
وكذا لولده القاضي جلال الدين عليها حواشٍ أيضًا جردها أخوه شيخنا القاضي علم الدين وجمع بينهما وبين حواشي والدهما، رحمة الله عليهم.
وشرح قطعا منها شيخنا العسقلاني، في آخرين ممن كتب عليها مضمومة مع " الشرح الكبير " " أصلها " كالإسنوي، والأذرعي، وسيأتي كلام كل منهما فيها، والزركشي.
وكذا من المتأخرين: فقيه طرابلس الشمس محمد بن يحيى بن أحمد بن زهرة.
وكان للزين أبي حفص عمر بن أبي الحرم الكتّاني على نسخته ب " الروضة " حواش، لأنه ولع في آخر عمره بمناقشاته، وقد جرد هذه الحواشي بعض أصحابه من غير علمه، وليس فيها كبير قائل، بل في غالبها تعنّت. وقد وقف التقيّ السبكي على بعضها وأجاب عن كلامه.
وأثنى على " الروضة " الأئمة، فقال الأذرعي في أول " الوسيط " هي عمدة أتباع المذهب في هذه الأمصار، بل سار ذكرها في النواحي والأقطار، فصارت كتاب المذهب المطوّل، وإليها المفزع في النقل وعليها المعوّل، فإليها يلجأ الطالب النبيه، وعليه يعتمد الحاكم في أحكامه، والمفتي في فتاويه، وما ذاك إلا لحسن النية، وإخلاص الطوية، غير إنه " ﵀ " اختصرها من كتاب الإمام الرافعي " ﵀ "، من نُسخ فيها سُقْم، فجاء في مواضع منها خلل، فإنه اعتمد في اختصاره على نسخة الإمام البادرائي التي بخزانة مدرسته بدمشق المحروسة، وفيها سُقْم، واستعان عليها بنحوها، فحل بذلك نقص وخلل يخفى على المبتدئ، ويُشكل على المنتهي، وكان مع ذلك " رحمه الله تعالى " كالسائق المجد، حتى قيل: إن تصنيفه بلغ في كل يوم كراستين أو أكثر، فهو كما قال القائل:
وطويلُ باعِي الهمِّ قد قعدتْ له ... عزماتُه رُصْدًا بكل طريق
فإذا ونَى أَذكرْنه قِصَر المَدى ... ورضَى السَّبُوق وخَجلةَ المَسبوق
إلى أن قال: واعلم وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يتقيه حق تقاته، أني لم أقصد بما أشرت إليه الاعتراض على الشيخ، ولا التعقّب لكلامه بالتوهمّ والإزواء، معاذ الله، وإنما أردت النصيحة له وللمسلمين، وإفادة المتعلمين، فلقد كان من أحرص الناس على ذلك وبذل وسعه فيه، وإنما سبب ما اتفق له من ذلك ما أشرت إليه، ودللتك عليه، هذا مع استغراقه أكثر الأوقات بالطاعات، والأوراد والأعمال الزاكيّات، ولو تأمل ذلك بعض التأمل لوضح لديه، وبرهن عليه، ولكنه كان كالجواد المسرع عنه في ميدانه. ولقد حكي عنه أنه كان يكتب حتى تكل يده وتعجز، فيضع القلم ثم ينشد:
لئن كان هذا الدمع يجري صبابةٌ ... على غير سُعدَى فهو دمع مُضيّعُ
وهذا منه ﵁ من باب قوله ﷾: (والذين يؤتون ما أوتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون)، قال الحسن ﵀: كانوا يعملون أعمال البر ويخشون أن لا تُتَقَبل منهم.
1 / 15
ولقد حُكي عنه ﵀: أنه همّ قبل وفاته بقليل بغسل " الروضة " كما غسل نحو ألف كراسة من تعليقاته، فقيل له: قد سارت بها الركبان، فقال: في نفسي منها أشياء، أو كما قال.
ولم يتفق له مراجعتها وتحريرها، بل هجمت عليه المنية قبل إدراك الخمسين، فرضي الله عنه وعن جميع عباده الصالحين، فإنه من أمّن الأصحاب عليه في سلوك المذهب، فمن كتبه تفقهت، وبكلامه تبصرت، وفي منهاجه سلكت، وبدعائه انتفعت، وذلك أنه كان قد حصل لي فترة عن الطلب في حدود الثلاثين وسبعمائة، مدة مديدة، فرأيت كأني أسير على غير جادة، ثم حانت مني التفاتة إلى جهة القبلة، فإذا خلق كثير مشاة، عليهم ثياب بيض نقية، فوقع لي أنه الشيخ وأتباعه، فنزلت من دابتي ومشيت معهم على الجادة نحو دمشق، فما هو إلا ونحن بميدان الحصى، وإذ بشخص من أقاربي قد تلقاني فسلّم عليّ، وأطال وقوفه معي، فالتفتّ فلم أرى منهم أحدًا، فلمته، وجعلت أقفو آثارهم، وأسال عن سبيلهم فأرشد إليه، حتى صرت بين البساتين التي بين المدينة والصالحية، وإذا بكثير من ذلك الجمع منقطعين في الطرقات، فمن جالس مسند ظهره إلى جدار، ومن ماد ساقيه من الإعياء، ومن مضطجع ومستلق يئن كالمريض، فجعلت أدوس ثياب بعضهم أو شيء من بدنهم من شدة الإسراع، إلى أن بلغت المدرسة الشِّبلية الحنفية المشهورة، وإذا بالشيخ ومعه رجلان فقط فلما قربت منهم التفت فرآني، فالتمست منه الدعاء وأقسمت عليه، فتبسم وسعى وحده نحوي خطوات، ثم أخذ في الدعاء لي، فالتفت فإذا والدي ﵀ واقف يؤمِّن على دعائه، ثم انصرف إلى صاحبيه ومضوا، فاستيقظت مسرورًا وراجعت طلب المذهب، ثم ظهر لي أثر الرؤيا صبيحتها كفلق الصبح، وذلك أن القريب الذي أوقفني عنهم تقرّب إليّ بعد الرؤيا بأيام، واجتهد في صحبتي وملازمتي، بحيث لا يفارقني في أغلب الأوقات، ويحول بيني وبين الطلب، إلى أن درج إلى رحمة الله فتماثل الحال، وكانت تلك الوقفة معه في المنام ما ذكرته، فرحمه الله وإيانا، ثم إني أكببت على تحصيل مؤلفات الشيخ والنظر فيها، فرأيت من قضاء حقه أن أنبِّئ على ما يتفق لي العثور عليه في " روضته " وغيرها.
وكذا أثنى على " الروضة "، بل وعلى سائر تصانيفه، التاج السبكي، حيث قال فيه " طبقاته الكبرى " ما نصه: " لا يخفى على ذي بصيرة أن الله تعالى بالنووي عناية وبمصنفاته "، واستدل على ذلك بما يقع في ضمنه من فوائد، حتى لا تخلو ترجمته عن فوائد. فأقول: ربما غيَّر لفظ من ألفاظ الرافعي، إذا تأمله المتأمِّل استدركه عليه وقال: لم يف بالاختصار ولا جاء بالمراد، ثم يجده عند التنقيب قد وافق الصواب، ونطق بفصل الخطاب وما يكون من ذلك عن قصد منه لا يعجب منه، فإن المختصر ربما غيّر الكلام من يختصر كلامه من مثل ذلك، وإنما العجب من مغيَّر يشهد العقل بأنه لم يقصد إليه، ثم وقع منه على الصواب، وله أمثلة منها: قال الرافعي في " كتاب الشهادات " في " فصل التوبة عن المعاصي الفعلية " في التائب: إنه يختبر مدة يغلب على الظن فيها إنه أصلح عمله وسريرته، وأنه صادق في توبته، وهل تتقدّر تلك المدة؟ قال قائلون: لا، إنما المعتبر حصول غلبة الظن بصدقة، ويختلف الأمر فيه بالأشخاص وأمارات الصدق، هذا ما اختاره الإمام والعبادي، وإليه أشار صاحب الكتاب بقوله: حتى يستبرئ مدة فيعلم.. إلى آخره، وذهب آخرون إلى تقديرها، وفيه وجهان، قال أكثرهم: يستبرئ سنة، انتهى بلفظه.
فإذا تأملت قوله: قال أكثرهم، وجدت الضمير في مستحق العود على الآخرين الذاهبين إلى تقديرها، لا إلى مطلق الأصحاب، فلا يلزم أن يكون أكثر الأصحاب على التقدير، فضلًا عن التقدير سنة، بل المقدّر بعضهم، واختلف المقدّرون في المدة وأكثرهم على أنها سنة، فهذا ما يعطيه لفظ الرافعي في " الشرح الكبير ". وصرح النووي في " الروضة " بأن الأكثرين على تقدير المدة سنة. فمن عارض بينها وبين الرافعي متأملًا قضي بمخالفتها له، لأن عبارة " الشرح " لا تقتضي أن أكثر الأصحاب على التقدير وأنه سنة، بل أن أكثر المقدرين الذين هم من الأصحاب على ذلك ثم يتأيد هذا القاضي بالمخالفة بأن عبارة الشافعي ﵁ ليس فيها قدير بسنة ولا بستة أشهر، وإنما قال: أشهرًا، وطلق الأشهر ﵁ إطلاقًا.
1 / 16
إلا أن هذا إذا عاود كتب المنهج وجد الصواب ما فعل النووي، فقد عزى التقدير وأن مقدارها سنة، إلى أصحابها قاطبة، فضلًا عن أكثرهم " ومنهم ": الشيخ أبو حامد الأسفرائيني في " تعليقه "، وهذه عبارته: قال الشافعي: ويختبر مدة أشهر ينتقل فيها من السيئة إلى الحسنة ويعفّ عن المعاصي، وقال أصحابنا: ويختبر سنة.
وكذلك قال القاضي حسين في " تعليقه "، ولفظه: قال الشافعي: مدة من المدد، قال أصحابنا: سنة، انتهى.
وكذلك الماوردي، ولفظه: وصلاح عمله معتبر بزمان اختلف الفقهاء في حده، فاعتبره بعضهم بستة أشهر، واعتبرها أصحابنا بسنة، انتهى.
وكذلك الشيخ أبو حامد، فإنه قال في " المهذب ": وقدّر أصحابنا المدة بسنة.
وكذلك البغوي في " التهذيب "، وجماعات، كلُّهم عزوا التقدير بسنة إلى الأصحاب فضلًا عن أكثرهم، ولم يقل بعض الأصحاب: إلا القاضي أبو الطيب، والإمام، ومن تبعهما، فإنهم قالوا: قال بعض أصحابنا: يقدر بسنة. قال بعضهم: زاد الإمام إن المحققين على عدم التقدير.
ومن تأمل ما نقلناه أيقن بأن الأكثرين على التقدير بسنة، وبه صرح الرافعي في " المحرر "، ولوّح إليه تلويحًا في " الشرح الصغير ". وظهر حسن صنيع النووي وإن لم يقصده، عناية من الله تعالى به، انتهى كلام التاج.
وكان الحامل له على جزمه بكونه لم يقصده عدم تصريحه بأنه من زياداته، وذلك غير لازم، والله أعلم.
وقال قاضي صفد العثماني: هي خلاصة مذهب الشافعي، وهي عمدة المفتين والحكام بعصرنا. أخبرنا الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن خفاجة الصفدي، وكان من العلماء العاملين، قال: رأيت رسول الله صلى اله عليه وسلم بمنامي، فقلت: يا رسول الله، ما تقول في النووي، قال: نعم الرجل النووي. فقلت: صنّف كتابًا وسماه " الروضة " فما تقول فيها؟ قال: هي الروضة كما سماها.
وأول من أدخلها قوص: نور الدين علي بن الشهاب هبة الأسنائي، الشافعي، كتبها بخطه وأدخلها قوص.
" حول شرح مسلم " وقال ابن كثير في وصف " شرح مسلم ": إنه جمع فيه شروحات من تقدّم من المغاربة وغيرهم، وزاد فيه ونقص، انتهى كلامه.
وقد اختصره الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف بن الياس، القونوي، الحنفي، صاحب " درر البحار "، وتعقب عليه فيه مواضع، وقال مرة: هو أزهد مني، لكني ... وذكر شيئاَ لا أثبته.
وكذا انتفى منه الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي، واستدرك عليه في كثير منه، فالتقط شيخنا من كلامه الاستدراك خاصة في كراسة.
وكذا استدرك شيخنا على الشيخ مواضع كان عزمه إفرادها من هوامش نسخته، فما اتفق، مع أنه كان شديد الدب معه، حتى سمعته مرارًا يقول: لا أعلم نظيره في قبول مقالة عند سائر أرباب الطوائف، قال: وفي التعقبات لابن العماد على الجمال الأسنوي بركة ظاهرة للشيخين، وقال: أخبرني الجمال محمد بن أبي بكر المصري بزُبَيْد، أنه شاهد الجمال أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر الرَّيْمي اليماني، القاضي الشافعي، عند موته وقد اندلع لسانه واسودّ فكانوا يرون أن ذلك بسبب اعتراضه وكثرة وقيعته في الشيخ محيي الدين النووي. ونحوه فيما بلغني ما اتفق لشخص كرماني من اليمن في عصر ابن المقرئ وغيره، وكان ينازع في إطلاق النووي تحريم النظر للأمرد، كأنه لكونه كان منتميًا لابن عربي، ويطلق لسانه فيه بسبب ذلك وشبهه، فإنه لم يمت حتى سقط لسانه، ﵀ ونفعنا ببركته.
وكتب شيخنا على فُتيا تتعلق بمسألة إفراد الصلاة عن السلام، بعد مخالفته له في إطلاق الكراهة؛ ولعله " يعني الشيخ " أطلع لذلك على دليل خاص، وأنشد:
إذا قالت حذام فصدِّقوها ... فإن القول ما قالت حذام
ثم وقفت على كراسه من أول نكت شيخنا على " شرح مسلم " قال فيها: قصد بجمعها بركة الشارح، إذ كان ذلك أمرًا متفقًا عليه.
ولقد حكى لي العلامة الرباني الكمال إمام الكاملية وشيخها " بورك في حياته ": أنه رآه في النوم وعليه ثوب " طرح مدقوق غسيل "، قال: فقبلت يده وسلمت عليه، ودعا لي كثيرًا، وقلت له: إنه يشق عليّ من يعترض عليك، فقال: إنهم يعملون وجه الحسنة سيئة، انتهى المنام.
ولم يزل أهل التحقيق ممن أدركناهم وأخذنا عنهم، لا ينفكون عن الاعتناء بكلامه، والجواب عما لعل فيه بعض الإيهام، رحمة الله عليهم.
" حول كتابيه: التحقيق، والتحرير "
1 / 17
وشرح الشهاب ابن النقيب في تكملة كتاب " التحقيق "، فكتب منه يسيرًا.
وأفرد ابن الملقّن ما في " طبقات الشافعية " له من أقوال في جزء. وكذا كتب على " التحرير " جزءًا كما تقدم.
" حول الأربعين " وشرح الأربعين له جماعة، أول من علمته منهم: الشهاب أبو العباس أحمد بن فَرْح الأشبيلي، الشافعي.
والنجم سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي.
والتاج عمر بن علي بن سالم الفاكهاني المالكي، وسماه: " المنهج المبين في شرح الأربعين ".
والشهاب أحمد بن موسى بن خفاجا الشافعي، في مجلد ضخم.
وأبو عبد الله محمد الزركشي، والحافظ الزين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، وهو نفيس.
والسيد نور الدين أبو عبد الله محمد بن الجلال بن عبد الله بن المعين محمد بن القطب محمد الأيجي، والد شيخنا السيد عفيف الدين محمد.
والسراج أبو حفص بن الملقّن، وسماه: " المعين على تفهّم الأربعين ". والعز يوسف بن الحسن بن محمود الحَلْواني.
والعز محمد بن أبي بكر بن جماعة، وسماه: " التبيين في شرح الأربعين ".
والتقي أبو بكر بن محمد الحصني.
والخُجندي المدني، أظنه البرهان إبراهيم بن العلامة جلال الدين أبي طاهر أحمد الحنفي، المتوفى سنة إحدى وخمسين وثمنمائة، ووالده. وآخرون، منهم ممن في قيد الحياة شيخ الكاملية وأمامها.
وخرّج أحاديثه محمد بن أحمد بن محمد المصري السعودي، عُرف بابن شيخ البئر، بل كتب عليها شرحًا جمع فيه بين الثلاثة الأولين.
وأملى الحافظ الزين أبو الفضل العراقي تخريج أحاديثها.
وكذا خرّج أحاديثها شيخنا، واقتفيت أثره في ذلك.
" حول الأذكار " وأملى " يعني شيخه ابن حجر " نحو النصف من تخريج " الأذكار " له، وقد شرعت في تكملته، فأمليت منه إلى هذا اليوم أزيد من سبعين مجلسًا.
ثم بلغت إلى مائتين وثمانين، يسّر الله إتمامه في خير بلا محنة، وقد فعل، فانتهى في جمادى الثانية سنة إحدى وثمانين " وثمنمائة ".
ولوالد شيخنا " رحمهما الله " على " الأذكار " بعض حواشٍ.
" حول الغاية " وشرح " الغاية " المنسوبه له الجمال الأسنوي، والكمال النشّاي، والتقيّ الحصني، والشمس محمد بن أحمد بن موسى العجلوني. انتهى.
الوظائف التي تولاها
وولي " ﵀ " من الوظائف الدينية مشيخة دار الحديث الأشرفية. قال الذهبي: مع صغر سنّه ونزول روايته، في حياة مشائخه، بعد الإمام أبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، سنة خمس وستين " وستمائة "، إلى أن مات، انتهى كلام الذهبي.
وفي رسالة لابن النجار، ما يشعر بكونه لم يوافق على توليتها إلا بعد جهد، فإنه قال فيها مجيبًا له عن تهديده بعزله عنها ما نصه كما سيأتي: أو ما علمت لو أنصفت كيف كان ابتداء أمرها؟ أو ما كنت محاضرًا مشاهدًا أخذي لها؟ إلى آخر كلامه.
ونشر " كما قال القطب اليونيني " بها علمًا جمًّا، وأفاد الطلبة، قال: والذي أظهره وقدمه على أقرانه ومن هو أفقه منه: كثرة زهده في الدنيا، وعظم ديانته وورعه، وليس فيمن اشتغل عليه من يلتحق به، انتهى كلام القطب.
ووهِم من قال: إنه أقام في الأشرفية نحو عشرين سنة، وقد استقر فيها بعده الشيخ الزين أبو محمد عبد الله بن مروان بن عبد الله الفارقي ومن يلها من زمن الواقف أورع من الشيخ كما صرح به التاج السبكي، مع ادعائه ما أظن أن والده الذي صرح في أول نسخة " شرح المهذب " بما سبق، وكان يمرغ وجهه رجاء أن يمس مكانًا مسّه قدمه، وينشد ذاك الشعر حسبما يأتي لا يوافقه عليه، حيث قال التاج في ترجمة أبيه: وولي بعد وفاة المزّي مشيخة دار الحديث الأشرفية، فالذي نراه أنه ما دخلها أعلم منه، ولا أحفظ من المزي، ولا أروع من النووي وابن الصلاح، انتهى كلامه.
ووقع في مقدمة " المهمات " في الفصل الأول، في الكلام على احتمالات الإمام: أتكون أوجُها أم لا؟ وحكى كلام الغزالي ثم الرافعي ثم النووي في ذلك، وأن كلا منهم عدّها أوجها، وأن كلاّ منهم أجلُّ ممن جاء بعده. ثم نقل عن ابن الرفعة التصريح بخلافه، وتعقبه بقوله: والذي ذكره مردود بما سبق من نقل جماعة كلٌّ منهم أجلُّ منه.
1 / 18
وبالجملة فالكف عن الخوض في هذا أقرب إلى السلامة من العطب، لا سيما وينشأ منه أن من لم يلحق مرتبة القائل ولا له نسبة بآحاد أتباع أتباعه، بل ولا له كبير وجاهة في علم: يجعله ذريعة لمقاصده الفاسدة. ولقد سألت شيخنا " وناهيك به نقدًا للرجال " عن التفضيل، بين الشيخ والرافعي في الحديث بخصوصه، فما سمح لي بالجواب إلا بتكلف، مع كونه لم يزد على أن قال: وُجد للرافعي على طريقة أهل الفن عدة تصانيف: تاريخ قزوين، والأمالي، وشرح المسند. ولكن الأدب عدم التعرّض لهذا أو نحوه.
فانظر كيف لم يسمح بذلك مع الرافعي، مع كون شيخ شيخه الحافظ أبي سعيد العلائي قد جزم به، " كما أسلفه في آخر سرد تصانيفه " فكيف بمن دونه؟ فالأولى الوقف، لا سيما والحاجة غير داعية إليه.
ولقد اضطر شيخنا مع مزيد تواضعه وأدبه مع الشيخ " كما سبق " إلى الخوض في تصانيفه، وكونه مسبوقًا بها، واختصاص " شرح المهذب " منها بمزيد التعب والطريقة المبتكرة، ولذلك لم يكمل. فقدِّرْ بعد وفاة شيخنا زَعَم شخص ممن لا نسبة له بآحاد جماعته، أن تصانيفه كلها قد سُبق إليها، فعارَضْته ب " تغليق التعليق " و" فتح الباري "، وغيرهما، مما لم يُسبق إليه، أو سُبق به وكان هو اللاحق بوضعه، وهو مصمّم على العناد، وأعرضت عنه وتوهمت أن ذلك ببركة الشيخ، لكون السكوت كان عنه أولى، رحمهما الله ونفعنا ببركتهما.
وقال القطب اليونيني: إن الشيخ باشر أيضًا تدريس الإقبالية، والفلكية، والرُّكنية، للشافعية، نيابة عن قاضي القضاة: الشمس أحمد بن خَلِّكان، في ولايته الأولى، انتهى.
وحدّث بالصحيحين بدار الحديث الأشرفية سماعًا وبحثًا، وبقطعة من سنن أبي داود، وبالرسالة للقشيري، و" صفوة التصوف "، و" الحجة على تارك المحجة " لنصر المقدسي، كلها سماعًا وبحثًا، و" شرح معاني الآثار " للطحاوي.
قلت: ووجد بحاشية نسخة من " الروضة " أنه وُجد بخطه من الشعر.
وأنت الذي أرجوه في الأمر كلِّه ... عليك اعتمادي في جميع النوائب
وأنت الذي أدعوه سرًّا وجهرة ... أجرني بلطفٍ من جميع المصائب
وبخط تلميذه العلاء بن العطار: أنه وجد بخطه أيضًا:
أموت ويبقى كلُّ ما قد كتبتُه ... فيا ليت من يقرأ كتابي دعا ليا
لعل إلهي أن يمن بلطفه ... ويرحم تقصيري وسوء فعاليا
وكذا وجد بخطه:
جرى قلمُ القضاء بما يكون ... فسيان التحرك والسكون
جنون منك أن تسعى لرزق ... ويُرزَق في غشاوته الجنين
ويشبه أن يكون ذلك ما تمثل به وليس من نظمه، ثم ظهر ذلك وأنهما للماوردي كما عزاهما إليه ابن كثير في ترجمته.
وقيل إنه سُمع من الشيخ قرب وفاته، ووُجد في موضع آخر نسبتُها إلى نظمه وأنه ليس له نظم غيرها:
بشائر قلبي في قدومي عليهمُ ... ويَا لسُروري يوم سيري إليهمُ
ولا في رحلتي يصفو مقامي وحبذا ... مقامٌ به حطُّ الرحال لديهمُ
ولا زادَ لي إلا يقيني بأنهمْ ... لهم كرَمٌ يغني الوفود عليهمُ
ووجدتُ بخط الشرف القدسي رواية عن العز بن جماعة، عن أبيه البدر: أن الشيخ أنشده لنفسه بالمدرسة الرّواحية:
خَرِس اللسانُ وكَلَّ عن أوصافكم ... ماذا أقول وأنتمُ ما أنتمُ
الذنبُ والتقصير مني دائمًا ... والعفوُ والإحسانُ يُعرَفُ منكمُ
انتهى.
تلاميذه
وسمع منه خلق من العلماء والحفّاظ، والصدور والرؤساء، وتخرّج به خلق كثير من الآفاق، وسار علمه وفتاويه في البلدان.
قلت: وروى الأئمة " حتى من تقدمت وفاته عليه " كلامه في تصانيفهم، كالمحب الطبري، فإنه نقل عنه في كتابه " القِرى " أشياء، وكذا اتفق أن كلاّ من ابن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، كان من المستفيدين من إمامنا الشافعي، المفتخرين به، ومات قبل الشافعي بسنتين، انتهى.
1 / 19
وكنت مدة صحبتي له مقتصرًا عليه دون غيره، من أول سنة سبعين وقبلها بيسير، إلى حين وفاته. وقرأت عليه الفقه تصحيحًا عرضًا، وشرحًا، وضبطًا خاصًا وعامًا، وقرأت عليه كثيرًا من تصانيفه ضبطًا وإتقانًا، وأذِن لي في إصلاح ما يقع في تصانيفه، فأصلحت بحضرته أشياء أقرني عليها وكتبها بخطه، وكان رفيقًا بي شفيقًا عليّ، لا يمكن أحدًا من خدمته غيري، على جهد مني في طلب ذلك منه، مع وراقبته لي في حركاتي وسكناتي، ولطفه بي في جميع ذلك وتواضعه معي في جميع الحالات، وتأديبه لي في كل شيء حتى الخطرات، وأعجز عن حصر ذلك.
وممن أخذ عن الشيخ أيضًا: الصدر الرئيس الفاضل أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن مصعب، قرأ عليه قطعة من " المنهاج "، واستنسخ " الروضة " له، وقابل ابن العطار له بعضها مع الشيخ، وأصلح بخطه مواضع فيها بإملاء الشيخ، ﵏.
والمحدث أبو العباس أحمد بن فرْح الإشبيلي، كان له ميعاد عليه يوم الثلاثاء والسبت، يشرح في حدهما البخاري، وفي الآخر صحيح مسلم.
والرشيد إسماعيل بن عثمان بن عبد الكريم بن المعلم الحنفي، قرأ عليه في " شرح معاني الآثار " للطحاوي.
وأبو عبد الله محمد بن أبي الفتح الحنبلي.
قلت: وكذا أخذ عنه الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عباس بن جعوان.
والفقيه المقرئ أبو العباس أحمد الضرير، الواسطي، الملقب بالخلال.
والنجم إسماعيل بن إبراهيم بن سالم الخباز.
والشيخ الناسك جبريل الكردي، قال اليافعي: وعليه سمعت الأربعين.
والجمال رافع الصميدي والد الحافظ تقي الدين محمد بن رافع، وحضر حلقته.
والأمين سالم بن أبي الدر.
والفقيه الأديب سلطان، إمام الرواحية.
والقاضي جمال الدين سليمان بن عمرو بن سالم الزُّرْعي.
والقاضي صدر الدين أبو الفضل سليمان بن هلال بن شبل الجعفري الحوراني، الدمشقي، الشافعي، خطيب داريا، وأثنى عليه الشيخ.
وأبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسي.
وعبد الرحيم بن محمد بن يوسف السمنّودي، الخطيب الأديب.
والمجد أبو حامد عبد المحمود بن عبد السلام بن حاتم بن أبي محمد بن علي البعلي، ممن تفقه على الشيخ.
والعلاء علي بن أيوب بن منصور المقدسي، الذي نسخ " المنهاج " بخطه، وحرره ضبطًا وإتقانًا، وهو بخطه في المحمودية.
والضياء أبو الحسن علي بن سليم بن ربيعة الأنصاري الأذرعي، الشافعي، ناظم " التنبيه ".
وعلاء الدين علي بن عثمان بن حسان بن محاسن، الدمشقي، الشاغوري ابن الخراط.
وأبو الحسن علي بن محمد بن موفق بن منصور، اليمني، الشافعي. ومما قرأ عليه: " الأربعون " له، في مجلسين، ثانيهما يوم الأربعاء رابع عشر شعبان سنة أربع وسبعين وستمائة بدمشق، وقال الشيخ فيما كتبه له بخطه: سمع علي هذا الجزء صاحبه الفقيه الصالح، المعتني: فلان أدام الله توفيقه، ولطف به في جميع أموره، وبارك الله في أحواله، فسمعه بقراءته وأنا ممسك أصلي لمقابلته.
والبدر أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة، المشار إليه في أثناء أول ما ذكرته. ويقال: إن فتواه عرضت على الشيخ، فاستحسن كتابته عليها.
والشمس محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن النقيب، وهو آخر من كان من أعيان أصحابه.
1 / 20