Маламатийи, суфии и ахль аль-футува
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Жанры
أن العبد مجبر على علمه كما هو مجبر على عمله، فالعلم عارية كما أن العمل عارية، يجريه الله على قلب العبد كما يجري الأفعال على جوارحه. قال أبو بكر محمد بن علي بن جعفر الكتاني المتوفى سنة 322: «كيف يعجب العاقل بعلمه وهو يعلم أنه لا يقدر على شيء من علمه؟»
ثالثا:
أن العلم أمانة أودعها الله قلب عبده، فالظهور به وإذاعته إذاعة لسر اؤتمن عليه، فالعلم - كالحال - يهبه الله لمن يشاء ويأتمنه عليه. وكما أن العبد مطالب بكتمان حاله، كذلك هو مطالب بكتمان علمه.
لذلك كره الملامتية الكلام في تفاصيل العلوم والمعارف الإلهية، ولزموا الصمت حيث اختار غيرهم الكلام. قيل لأبي حفص النيسابوري يوما: «ما بالكم لا تتكلمون كما يتكلم البغداديون وغيرهم من الناس وما بالكم اخترتم الصمت؟» فقال: «لأن مشايخنا صمتوا بعلم، ونطقوا على الضرورة، فوقع لهم محل الأدب في الكلام، فلم يتكلموا إلا بعد ما عقلوا عن الله فصاروا أمناء الله في أرضه، والأمين حريص على حفظ أمانته.»
98
يشير بذلك إلى أن كبار الملامتية فضلوا الصمت على الكلام في مسائل العلم إلا فيما عقلوه عن الله، فإذا نطقوا بما عقلوه عن الله كانوا مجرد ناقلين لا مبتدعين؛ لأنهم إنما يؤدون الأمانة على وجهها ويلتزمون جانب الأدب مع الله.
أما العلم بظاهر الشرع فلم ير الملامتية بأسا من الكلام فيه لأنه اقتداء ولا حظ للنفس فيه بحال، فالملامتي الصادق لا يتكلم في علوم الأحوال إلا مضطرا، أما إذا ترك له الخيار فإنه يلزم الصمت ويفضله.
وربما كان الملامتية في كتمان أحوالهم وعلومهم أقرب إلى ما يتطلبه منطق التصوف وأبعد عن التناقض من غيرهم؛ لأنه إذا كانت أحوالهم وعلومهم من الأمور الذوقية التي لا يمكن تعليلها ولا تفسيرها ولا التعبير عنها، فالصمت عن الكلام فيها أولى من وصفها بعبارات لا تخرج عن حدود المجازات والتشبيهات، بل تفسح المجال للتأويلات والتكهنات؛ ولهذا أراد الملامتية أن تكون حياتهم خاصة بهم وألا يطلع عليها غير الله، فإذا فعلوا شيئا فعلوه في صمت، وإذا كانت لهم حال مروا بها في صمت، وإذا كشف لهم عن علم وقفوا عليه في صمت، بينما اختار غيرهم وسائل الجهر بالأعمال والأحوال والعلوم، وفتحوا الباب للدعاوى العريضة التي لم يلتزموا فيها حد المعقول أحيانا؛ ولهذا السبب نفسه لم يخلف لنا هؤلاء الفلاسفة الصامتون مثل ما خلف زملاؤهم الصوفية من ثروة طائلة في وصف أحوال السائرين ومقاماتهم ومعارجهم الروحية وعلومهم وأذواقهم، فنحن لا نكاد نعرف شيئا عن حياتهم الروحية إلا تلك القواعد السلبية التي لا يعرف صداها الروحي في نفوسهم إلا هم، وهذا الصدى هو السر الذي آثروا الاحتفاظ به لأنفسهم. (5) إسقاط الدعاوى
إذا كانت الدعوى «إضافة النفس إليها ما ليس لها»، وكان الملامتية قد أنكروا الظهور بالأعمال لأنها مما يجريه الحق على يد العبد، أو لأنها رعونات للنفس يجب محاربتها والقضاء عليها، وأنكروا الظهور بالأحوال والعلوم لأنها آثار لله في قلب العبد وأسرار له يجب ألا يطلع عليها غيره، وأنكروا الظهور بالكرامات لأنها من المنن الإلهية التي يجب ألا تعلن للخلق. إذا كان كل ذلك، أمكننا أن ندرك حرص هؤلاء القوم أولا: على إسقاط الشهرة بجميع مظاهرها، ثانيا: إسقاط الدعاوى بجميع أنواعها، إذ الدعاوى لا تكون إلا في الأعمال والأحوال والكرامات والعلم. بل إن الملامتية بفرضهم على أنفسهم مبدأ الاتهام ورؤية التقصير في كل شيء، قد وضعوا سدا منيعا بين أنفسهم وبين الدعاوى التي ربما تخطر ببالهم، وتركوا هذه الدعاوى لغيرهم من الصوفية الذين يتكلمون في الوصول والقرب والفناء والحلول والاتحاد وما شاكل ذلك مما نجده في كلامهم.
على أن الدعاوى في نظرهم حجب غليظة بينهم وبين الله لأنها بمثابة التقرير لوجود النفس التي يعملون على محوها ومحو آثارها. هذا على ما في الدعاوى من معنى التعظيم للنفس والتقدير لها، وهم يعملون على تحقيرها وإذلالها.
Неизвестная страница