وسنة 1780 في ليلة الحادي عشر من كانون الثاني بعد غياب الشمس بساعتين ونصف حدثت زلزلة (هزة) خفيفة، لم ينجم عنها أضرار واشتد هبوب الرياح فاقتلع الأشجار . وفي آخر شهر نيسان سقط ثلج وبرد عظيم الواحدة بقدر الجوزة وأتلفت أشجارا كثيرة. وفي أيار انهملت الأمطار العظيمة، وفاضت الأنهار وتجاوزت حدودها وطغى نهر الكلب في كسروان، فحمل أخشابا ضخمة صدمت في جريها الجسر فانهدم، وكان جسرا قديما عظيما من أيام الرومانيين فصاروا يقطعون النهر بالقوارب إلى أن رمموا الجسر ولحق زحلة المطر والثلج وما سببا من الأضرار. وفيها ضرب الأمير يوسف ضريبة على التوت، فأصاب أوقية بزر الحرير خمسة غروش، وتضايق الناس لأن هذا كان مالا ثانيا على البلاد فأصاب زحلة منه قسم وافر.
وسنة 1781م جاء راهبان من دير مار يوحنا الصابغ في الخنشارة بأمر رئيسهما القس أكاكيوس ابن بولس الحكيم الشابوري إلى دير النبي إلياس الطوق في زحلة، وأخذا معهما راهبا من دير النبي إلياس، وقصدوا سهل البقاع ليصطادوا السمك من نهر الليطاني، وكان حاكم البقاع محمد أغا العبد، فقبض عليهم ووضع الحديد في أعناقهم وتهددهم بالقتل، فبلغ الخبر رهبان دير الطوق، فقدموا له خمسة أرطال قهوة وقفتي أرز فأطلق سراحهم، وكان بينهم القس حنانيا المنير المؤرخ صاحب «تاريخ الرهبنات»، و«الدر المرصوف» و«مجموع الأمثال العامية» وغيرها.
وفي تلك الأثناء حدثت نزغة بين الأميرين محمد الحرفوشي وشقيقه مصطفى، فلجأ هذا إلى زحلة لما كان بينه وبين سكانها من المودة، ولا سيما المعلوفيون أنسباء آل شبلي المعلوف الذين كانت لهم منزلة كبيرة عند الحرفوشيين في بعلبك؛ لأنهم كانوا مستشاريهم. فرفع عليه أخوه الشكوى إلى حاكم دمشق، فأرسل هذا عسكرا إلى زحلة لإلقاء القبض عليه في شهر آذار، ففر منها وخشي الزحليون فتك الحاكم وغدره، فتركوا بلدتهم وساروا إلى لبنان بأمتعتهم، أما غلالهم فكانت على البيادر فاستولى عليها عسكر دمشق ونهب أمتعة دير النبي إلياس الطوق وتركوه قاعا صفصفا، فكان ما فقد منه يقدر بثلاثة آلاف غرش.
وإذ ذاك جاء زحلة الأمير سيد أحمد الشهابي فارا من وجه أخيه الأمير يوسف؛ لأنه كان قد سعى مع أخيه الأمير أفندي بقتله فقتل الأمير أفندي، وجرح الأمير سيد أحمد وذلك بالاتفاق مع المشايخ الجنبلاطيين ضد المشايخ اليزبكيين، وكان هذا الحزب في معظم شدته. فطلب الأمير سيد أحمد من حاكم الشام الذي كان في دير النبي إلياس الطوق أن يوليه حكم البقاع ويسلمه قلعة قب إلياس، فسلمه مقاليد حكم البقاع، واتفق مع الوزير أن يغرم أهل زحلة بعشرة أكياس لحمايتهم الأمير مصطفى الحرفوشي ويرفع عنهم العسكر؛ فقبل، فاستقدمهم الأمير سيد أحمد من لبنان، ودفعوا ما تعهد به وعادوا إلى بلدتهم، وعمروا ما خرب منها وجدد الرهبان الشويريون بناء الدير.
وسنة 1782م أرسل الأمير يوسف الشهابي حاكم لبنان الأمير شديد بن مراد اللمعي، فنهب بر إلياس وخرب قلعتها فهرب البقاعيون، وكان بين عسكره رجال من زحلة نهبوا قرية النبي إيلا (إيليا) قرب أبلح والفرزل، وقتلوا أراجة حمية من طاريا، فاستاء الأمير مصطفى الخرفوشي حاكم بعلبك وأرسل يتهدد الزحليين ويصادرهم بأموال كثيرة، وكان يتأهب لمقاتلتهم فرحل بعضهم خوفا من مكره، وكان ذلك في شهر آذار ونقلوا أمتعتهم. وفي تلك الأثناء تصدى الأمير محمد الحرفوشي لمحاربة أخيه الأمير مصطفى في بعلبك بعسكر جرار، فهرب هذا إلى نواحي حمص وجمع عسكرا وهاجم بعلبك، فالتقاه أخوه محمد برجاله وبعد مناوشات كثيرة، كانت الغلبة للأمير مصطفى بعد قتل عشرة من رجاله، فدخل إلى بعلبك وحكمها وهرب الأمير محمد إلى زحلة برجاله.
وسنة 1782م جاء زحلة أنتيموس بطريرك أنطاكية الأرثوذكسي قادما من الأستانة بطريق طرابلس الشام، وأصلح الخلاف بين المعلوفيين على كنيسة الخرائب في كفر عقاب، إذ استقدم إليه كهنتها وشيوخها، وكتب بينهم وثيقة كما في «دواني القطوف».
وسنة 1784م في شهر كانون الثاني ظهر في الغرب مذنب كان ذنبه متجها للشرق، وخاف الناس منه وتطيروا من منظره، وحسبوا لظهوره حسابات تدور على تفشي الأمراض والحروب والفواجع، وكانوا يقرعون صدورهم ويستغيثون بالإله ليدفع عنهم شره.
وكان الزحليون خائفين من مكر الحرفوشيين الذين كانوا يتجاذبون أهداب حكم بعلبك والبقاع، ويمخرقون في البلاد فتارة يوالون الزحليين وطورا يعادونهم، حتى ملوا من معاشرتهم وأحبوا البعد عنهم. ففي بدء هذه السنة أرسل حاكم دمشق محمد درويش باشا عسكرا إلى بعلبك بالاتفاق مع أحمد باشا الجزار حاكم عكاء، وألقوا القبض على الأمير مصطفى الحرفوشي وأخوته الستة، ونقلوهم إلى دمشق، فشنقوا ثلثة منهم وحبسوا ثلثة، وتولى بعلبك رمضان آغا ورفعت يد الحرفوشيين عن بعلبك وضواحيها، وصفت كأس الراحة، وأرسل محمد باشا أمرا إلى الزحليين يطيب به خاطرهم ويعدهم بالخير، وأوصى بهم حاكم بعلبك. ثم انتقل حكم بعلبك إلى يد الجزار ، فأرسل عليها حاكما من قبله اسمه سليم أغا، وكثرت القلاقل والفتن فصح بهذه البلاد قول الشاعر:
إذا استغنيت عن داء بداء
فاقتل ما أضرك ما شفاكا
Неизвестная страница