وفي 19 تموز هاجموا زحلة ودير مار إلياس الطوق في غربيها، فهرب الرهبان إلى القلعة فوق الدير. فدخلوه ونهبوا ما فيه من الحرير والأمتعة، فجمع الزحليون رجالهم بقيادة بعض الأمراء اللمعيين ونازلوهم قرب الدير المذكور وحمي وطيس القتال، فظفر الزحليون بهم وقتلوا منهم خمسين رجلا، ولم يقتل من الزحليين سوى ستة رجال. واستعادوا جميع ما نهب من الدير سوى بعض الحرير الذي لم يجدوه بين المسلوبات. وقد اشتهر بهذه الموقعة من الزحليين نجم أبو ضاهر المعلوف جد المرحوم نعمان المعلوف لأبيه مع أخوته وغيرهم، وهو الذي حاصر في بيته وحماه من الحريق مع ما حوله، فترك الأكراد زحلة مدحورين وعادوا إلى مخيمهم في البقاع. ولما ذاع خبر مهاجمتهم لزحلة جاء بعض المشايخ والأمراء من لبنان لمعاضدة الزحليين بعساكرهم.
ولما استعاد الأكراد قوتهم وجمعوا شملهم؛ أعادوا الكرة على زحلة في السابع من شهر آب، ولما بدأ القتال فر المشايخ بعسكر الدروز وبعض الأمراء اللمعيين، فتبدد شملهم وضعف عزائم الزحليين لهذه الخيانة. فقتل منهم الأكراد أكثر مما قتل من عسكرهم، وأحرقوا القرية ودير مار إلياس الطوق وغابات المدينة المشتبكة. ولولا معاضدة الأمير مصطفى الحرفوشي للزحليين ووقوفه برجاله في وجه الأكراد، لما أبقوا أحدا من السكان الذين فروا إلى الجبال العالية في لبنان، وقتلوا الشيخ سيد أحمد العماد من الباروك ونحو ثلاثين من غير الزحليين. أما رهبان دير مار إلياس الطوق، فغادروه فارغا وحملوا أمتعتهم وذهبوا إلى قرية بر إلياس ونزلوها مدة، واشتهرت هذه الموقعة في زحلة باسم موقعة قراملا إلى يومنا.
وفي 12 آب نزل قراملا بعسكره من زحلة إلى جهات ثعلبايا وقلعة قب إلياس، فالتقاه العسكر اللبناني، فاستظهر عليهم وقتل منهم نحو مائة بينهم زين الدين مزهر مقدم حمانا، والشيخ ظاهر عبد الملك من الجرد في الشوف من الدروز، ورحال بن شبلي كساب من مسيحيي صليما، وقتل من الأكراد نحو أربعين شخصا، وفر عسكر لبنان. فأحرق الأكراد كثيرا من قرى البقاع وما يجاورها، وهاجموا قرية سغبين مرتين؛ فعادوا عنها مدحورين لصعوبة مسالكها، وقتل منهم نحو مائتين. ثم استقدمهم إليه الجزار فجأة، فرحلوا عن البقاع تاركين فيها آثارا سيئة.
وأما الأمير يوسف فأوغر صدره ما فعله هؤلاء في بلاده، فجمع عسكرا كان فيهم الأمراء اللمعيون برجالهم وبينهم الزحليون، وانضم إليه الحرفوشيون حكام بعلبك برجالهم، وبينهم المعلوفيون فواقعوا الجزار وهزموا عساكره وشفوا غليلهم منه.
وفي هذه السنة كثر الجراد في الجروم (السواحل) فأضر بها كثيرا، واتصل إلى الصرود (الجرود) فكان فيها قليل الضرر.
وفي هذه الأثناء كان الأمير يوسف قد وزع مالا على البلاد، فدفع الشيخ علي جنبلاط ما خصه هو وأعوانه، فخشي الأمير زعامته ونفوذه، فألقى زوان الفتنة بينه وبين الشيخ عبد السلام العماد، فتجاذبا كلاهما أهداب الزعامة، وأراد كل منهما أن يحتكرها لنفسه. فنشأ في البلاد حزب جديد خلف القيسي واليمني، وهو الحزب المعروف باليزبكي والجنبلاطي، فعم الانقسام الشهابيين واللمعيين والنصارى اللبنانيين إلا المشايخ النكديين، فإنهم كانوا على الحيادة؛ فصار حزب يزبك يطلق على المشايخ آل العماد وآل تلحوق وآل عبد الملك ومواليهم وزعماؤه آل العماد الذين كان بينهم اسم يزبك، فنسبت العصبية إليه، والباقون من الإقطاعيين والعشائر كانوا جنبلاطيين وزعماؤهم آل جنبلاط.
وسنة 1778م حدث غلاء فاحش عم جميع أنحاء سورية، فكان ثمن كيل الحنطة البيروتي اثني عشر غرشا، وثمن قفة الأرز عشرين غرشا؛ ونال زحلة من ذلك ضيق شديد.
وفيها قتل الأمير شديد مراد اللمعي دهقانه (خوليه)، فلم يتمكن الأميران سيد أحمد وأفندي حاكما لبنان من الاقتصاص منه. وكان أخوهما الأمير يوسف في غزير، فكتب إلى محمد باشا العظم والي دمشق يطلب منه حكم البقاع، فولاه إياه فقام من غزير إلى قرية الرمتانية فوق زحلة للاقتصاص من الأمراء اللمعيين، وكان قد انضم إليه بعض أعيان البلاد والأميران إسماعيل وبشير الأخوان حاكما حاصبية، فتقوى بهم وضبط أملاك الأمراء اللمعيين، وألحق بالزحليين الخسائر وعاد إلى غزير ثم أصلح ذات البين بينه وبين أخويه، ولم يطل العهد حتى أعيدت له الولاية وصالح أخويه واستتب له الحكم.
وسنة 1779م في آذار توفي الأمير حسين أبو إسماعيل جد الأمير حيدر إسماعيل الشهير حاكم صليمة لأبيه، وفي 11 تشرين الثاني توفي الأمير أحمد حاكم بسكنته، فأقيم لهما مأتم حافل حضره الزحليون ولا سيما المعلوفيون الذين من عهدتهما، ولبست مقاطعة المتن وزحلة عليهما الحداد.
وفيها صار ثلج تعاظم جدا جدا وبقي أياما طويلة متجمدا، وضويق الناس. وفي الثامن من شهر أيار أمطرت السماء مطرا خرت منه مرافض الأودية، وجرت السيول الطامية وسقط في قرية رأس بعلبك ونواحي مدينة حمص برد كان حجمه يتراوح بين حجم الخوخة وبيضة الدجاجة، فسبب أضرارا كثيرة وخسائر فادحة في الأشجار. وفي ذلك اليوم نزل شهاب ناري من السماء منقضا على ثلاثة رءوس خيل في تلك الجهات فقتلها لساعته. وفي 13 من شهر تشرين الثاني خسف القمر خسوفا كاملا طالت مدته.
Неизвестная страница