فضلا عن ملابسته، إلى وقت عودة السبب الأوّل.
فإذا كانت الطبائع تتشابه، ولكل حاسّة قوة، فإذا امتلأت تلك القوّة من محسوسها لم تجد لها وراءه طعما ولا ريحا، وعاد عليها الضّرر. فبعض النظر يعمى، والصّوت الشديد يصمّ، والرائحة المنتنة تبطل المشمّ، والأطعمة الحارّة المحرقة تبطل حاسّة اللسان.
وتتطرّف كلّ واحدة منها، فبين الطيّب عند من بعد عهده [به]؛، والجماع والسّماع، وبين من هو مغموس فيه بون بعيد جدا، في الحلاوة وحسن الموقع. كلّ ذلك ما لم يأت المال والعلم، فإنّه كلّما كثر كان أشهى وأعجب، لأنّ قصد النّاس له ليس لطلب مقدار الحاجة وسدّ الخلّة كما يريده أهل القناعة والزّهادة، وإنّما يراد لقمع الحرص، والحرص لا حدّ له ولا نهاية، لأنه سعى لا لحاجة، وإيضاع لا لبغية.
وهكذا قال رسول الله ﷺ: «لو أنّ لا بن آدم واديين من ذهب لا بتغى إليهما ثالثا. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب» .
وقال بعض الحكماء:
من كان لا يغنى بما يغنيه ... فكلّ ما في الأرض لا يغنيه
قال الله ﷿: وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا
.. وقال: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
. وقال الشاعر:
والناس إن شبعت بطونهم ... فعيونهم في ذاك لا تشبع
فأمّا الحديث الذي جاء: «لا يشبع أربع من أربعة: أرض من مطر، وعين من نظر، وأنثى من ذكر، وعالم من علم» .. فإنّ العين لا تشبع في الجملة كما لا يشبع الخيشوم من الاستنشاق. فأمّا من صنف مما يراه دون
1 / 99