Научные и социальные обсуждения
مباحث علمية واجتماعية
Жанры
بل لأني أعتقد فيه عدم الصحة، وأقل أضراره حبس اليد وحبس البخار الجلدي، وأنا أكره كل تقييد. ولعل هذا الذي حمل القيصر أيضا على إصدار منشوره طالبا نزع السلاح، يريد بذلك أن يعجل مجيء الدور الثالث من أدوار حكم العالم؛ إذ يؤثر عن أهل التثليث أنهم يعتقدون أن العالم حكمه أولا الآب بالجبروت، ثم الابن باللين، وسيأتي عصر يحكم فيه الروح القدس بالرحمة.
أخط كل ذلك غير مقاوم ما بي من الكسل والملل، أو مجاهد في سبيل العمل، كأني صرت من أهل التمني لا أحب أن ألقي دلوي في الدلاء، خوفا من أن يجيء بحمأة وقليل ماء. وأنا أكره التقتير ولو مع اليسر، وأفضل عليه البذل ولو مع العسر. أنام على القرطاس حتى يجف الحبر على القلم إن لم يأت الفكر عفوا، ولا أبذل أقل عناء لحث مطايا الأفكار للجري في هذا المضمار، فإن أقبلت قابلتها بالترحاب، وإن أدبرت أوصدت وراءها الباب. ولا أكلفك أن تقبل كلامي كالنقد في اليد. أتناول تارة البحث في الحقائق قررت أم لم تقرر، وطورا أخوض عباب الأحلام أحلام اليقظة وأحلام المنام، ولو كانت دون حلم القيصر مقاما؛ فقد جاء في كشكول أرباب السياسة أن أحلام الملوك ملوك الأحلام. وأنا بعيد جدا عن هذا المقام.
وكأني بالقيصر يدعو طوائف الحيوان، من كل شرقاء ولود وصماء بيوض، للاجتماع في مؤتمر تتفق فيه على نزع سلاحها، فيقلم الأسد مخالبه كما تقلم السيدة أظفارها، ويكسر الخنزير أنيابه حتى إذا افتر يفتر عن لؤلؤ رطب وعن برد، ويقص الفيل خرطومه لئلا يبقى كأنف ابن حرب، ويتخلى كل واحد عما خصته به الطبيعة من سلاح يذود به عن حوضه، فكأنه يقول للإنسان: ضع حدا لقوى عقلك لتقف عن استنباط الوسائل التي هي عنوان قوتك وضمان استقلالك، ولا تغتر بقول الشاعر:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
فإن مثل هذا القول حديث خرافة اليوم، وتنازل عن مطامعك، وارض بما أنت فيه، صغيرا فقيرا فصغير فقير، وغنيا كبيرا فغني كبير. فليرض كل واحد بحالته، ولا يطلب الخروج عنها. ولو أصاب واضع منشور نزع السلاح لخفض من استبداده، ودعا إلى ذلك إخوانه في المعمور، وبدأ بإصلاح بلاده، ورد من قفاره الشاسعة آلافا من النفوس، واستخدمها في المنافع العمومية عوضا عن قطعها من الهيئة الاجتماعية لذنوب سببها جور حكومة لم تعرف للجمهور حقا تطالبها بالعدل، فتقول: «عدلك ظلم لي.» وتطلب منها نشر العلم، فتقول لك: «جهلك أضمن لحقوقي، فكيف تريد مني أن أتنازل عن هذه الحقوق الموروثة التي تجعلك أنت لي، وأنت تريد أن أكون أنا لك؟ أتجهل أني أنا الكل وفي الكل، ألست أنا ظل الله على الأرض؟ فإن مررت بي فلا ترفع نظرك إلي، بل اخفض رأسك، واضرب بجبينك موطئ قدمي، وارفع عجزك؛ فإن بذلك احترام الملوك. وإن خالفت هذه الفروض الواجبة لي عليك وطالبتني بحقوق لا أعترف لك بها، فإن هناك قفارا شاسعة تعلمك الأدب.» هذا هو نظام تلك الحكومة التي تطلب اليوم نزع السلاح.
ولعل القيصر يمزح، أو هو يمتحن عقول الناس، وخصوصا أصحاب الجرائد الذين يتهافتون على كل كلمة تسقط من أفواه الملوك تهافت الجياع على القصاع، ويستمسكون بها كأنها الدر والجوهر، مثبتين أنهم كسائر الناس ينظرون إلى من قال لا إلى المقال. ولا يصح أن يكون القيصر قد قصد غير ذلك، أو ما يماثله مع بقاء احترامنا لمداركه؛ لأن مثل هذا القول ينقض ناموسا طبيعيا لا يستطاع نقضه، ولو شرع فيه قيصر يحكم على الملايين من البشر؛ لأنه ناموس يحكم على ما هو أعظم وأوسع من حكمه، يحكم على الطبيعة من جماد ونبات وحيوان، ألا وهو ناموس تنازع البقاء.
ويخطئ من يظن أن إعداد السلاح والتأهب للنزال والكفاح مضر بالهيئة الاجتماعية موقف لنجاحها، بل هو بالضد من ذلك موجب لارتقائها؛ فناموس تنازع البقاء في الطبيعة هو قاعدة ناموس النشوء والارتقاء، وكلما قل التنازع وقفت حركة الارتقاء، بل دار دولابها إلى التقهقر والتاريخ الطبيعي، بل تاريخ المجتمعات البشرية شاهد عدل على ذلك، ألا ترى أن الأمم التي صرفت قواها عن استنباط وسائل الدفاع كيف وقفت حركتها، وقلت اختراعاتها، وضعفت مصنوعاتها، وطمست علومها، وساد الجهل عليها، حتى حل بها القضاء بحكم تنازع البقاء؟ ومن ينكر أن الاستعداد للحرب منذ حرب السبعين قد بلغ مبلغا لم يسبق له مثيل في التاريخ؟ ومن ينكر مع ذلك أن تقدم الهيئة الاجتماعية في هذه السنين القليلة في العلوم والصنائع والشرائع يفوق ما حصل الإنسان على ما يضاهيه في قرون كثيرة؟ فطلب نزع السلاح مخالف للنظام الطبيعي من جهة وموقف لحركة الارتقاء من جهة أخرى، ولعل قيصر الروس حسد إمبراطور الألمان على نيل شهرته بالشدة، فأراد أن يباريه في الحصول على هذه الشهرة باللين، فطلب للناس عصرا لا يروى إلا عن تخيلات المتقشفين وأحلام الزاهدين.
المقالة الحادية عشرة
المرأة والرجل وهل يتساويان؟
Неизвестная страница