فعلم النفس إذا يبحث في عمل العقل.
قال الأستاذ «سلي» في كتابه (العقل البشري): «إن أهم ما يقصده هذا العلم أن يشرح ظواهر الشعور الراقي في الإنسان، وهذا الشرح العلمي يقتضي ترتيبا وتبويبا للعوامل المختلفة في الحياة العقلية، وشرحا لمنشئها وارتقائها، فليس الغرض من هذا العلم أن يصف الظواهر العقلية فقط، بل وأن يتتبع أصلها وتاريخها.»
علم النفس يبحث في قوى الالتفات، والإحساس، والإدراك، وقوة الحافظة، والذاكرة، والإرادة وحريتها، والخيال، والوهم، وفي الشعور والعواطف، وفي اللذة والألم، وفي الشم والذوق.
فهو يبحث في أعمال العقل ليستكشف قوانينه وطرقه التي عنها تصدر الظواهر المتقدمة، كما أنه يبحث في طبيعة العقل وحقيقته وجريه على سنن واحد، وروحانيته، وعلاقته بأعضاء الجسم واعتماده عليها، وتبادل الفعل والانفعال بينه وبينها.
قال الأستاذ «هكسلي»: «إن مثل الباحث في النفس «السيكولوجي» مثل المشرح، فكما أن المشرح يفصل الأعضاء إلى أنسجة، والأنسجة إلى خلايا، فكذلك السيكولوجي يرجع الظواهر العقلية إلى حالات الشعور الأولية.» فالعالم في وظائف الأعضاء يبحث في الطرق التي بها يؤدي البدن وظائفه، وعالم النفس يبحث في قوى العقل، وكما أن العلوم الطبيعية تبحث في العالم المادي الخارجي بواسطة الحواس، كذلك علم النفس يلاحظ ويبحث بواسطة قوة خاصة تسمى «الحس الباطني».
وعلى الجملة فعلم النفس يبحث الحياة العقلية، قابلة أو فاعلة، وفي الشعور بكل مظاهره، وما يبحث عنه علم النفس من ظواهر وحقائق مستمد إما من الشعور وإما من الإدراك بالحس.
إن فكرنا ومعرفتنا وإحساسنا إما نتيجة قوة إدراك باطنية، وإما نتيجة انعكاس ما ندركه من الخارج بواسطة الحواس؛ فنحن تارة نوجه نظرنا إلى عمل ذهننا عندما نعمل أو نفكر أو نحس، وتارة نبحث الظواهر العقلية في غيرنا، فندرس نظراتهم وإشاراتهم وأعمالهم وأقوالهم، ونستنتج ما تدل عليه تلك المظاهر من الفكر والحس قياسا على ما يبدو علينا عندما نفكر مثلهم أو نحس كإحساسهم.
قال الأستاذ سلي: «إن لدرس ظواهر العقل طريقتين؛ إحداهما: توجيه عنايتنا إلى الأعمال العقلية عند حدوثها في ذهننا، أو عقب ذلك مباشرة، كما ألاحظ نفسي عند الغضب مثلا فأرى تسلسل الأفكار وتلونها بألوان خاصة، وما ينشأ عن الغضب من تحيز وميل عن الحق، وتسمى هذه الطريقة «ملاحظة الباطن»، والطريقة الأخرى: أن ندرس أعمال العقل في غيرنا بما يظهر عليهم، فنلحظ الارتباط بين أفكارهم مما نسمع من كلامهم، ونعرف الباعث على أعمالهم، وتسمى هذه الطريقة «ملاحظة الظاهر»؛ لأننا نتوصل إلى معرفة الحقائق العقلية بواسطة الظواهر الخارجية التي تدرك بالحواس من مثل: كلمة تقال، أو صرخة تسمع، أو حركة ترى، أو لون يتغير.»
والبحث في علم النفس (سيكولوجيا) سابق على وضع اسم له؛ فإن هذا الاسم لم يستعمل إلا في آخر القرن السادس عشر للميلاد، مع أنا ذكرنا فيما قبل أن «سقراط» أو «طاليس» قال: «اعرف نفسك»، وألف «أرسطو» كتابا يحتوي ثلاث مقالات عنوانه (في النفس)، بحث فيه في القوى العقلية للإنسان وعدها عين النفس والحياة.
ثم جاء الفيلسوف الفرنسي رنيه ديكارت 1596-1650 فوجه هذا العلم وجهة جديدة، ومما يؤثر عنه أنه أجاب من سأل: «كيف أعرف أني موجود؟» بقوله المشهور: «إني أعرف أني أفكر، وأشعر بتفكيري، فأنا أعرف أني موجود.»
Неизвестная страница