ثم بشيء من الاهتمام: قيل إنه لقطة؟! - نعم، وسنذهب بسيارته إلى مدفن الشهيد؛ فهو يحب الخلاء!
وتجلت في عينيه نظرة اهتمام لم تخف عليها، وتساءل وكأنما يحدث نفسه: يحب الخلاء عند مدفن الشهيد؟
اضطرب جفناها، وازداد اضطرابها عندما التقت عيناهما، ثم تساءلت في عتاب: أرأيت أنك لا تفكر في؟
وهو لا يكاد يلقي بالا إلى عتابها: لم؟ أنت عزيزة جدا! - بل أنت تفكر في اللقطة!
فابتسم قائلا: إنه ضمن تفكيري فيك!
فقالت بقلق: إن انكشف أمري ضعت، أبوه قوي، وأهله كالنمل، هل أنت في حاجة إلى نقود؟ - في حاجة إلى السيارة أشد!
وقام وهو يقرص خدها برقة ويقول: كوني طبيعية جدا، لن يحدث شيء مما تخافين، ولن تتجه إليك الظنون، لست طفلا، وسوف نلتقي بعد ذلك أكثر مما تتصورين ...
الفصل السادس
تجنب الطريق الملاصق للثكنات، واخترق الصحراء نحو مدفن الشهيد ليبلغه في أقصر وقت، وكان كأنما يهتدي ببوصلة مركبة في رأسه، لسابق درايته بصحراء العباسية، وعندما لاحت له قبة المدفن الضخمة تحت ضوء النجوم، راحت عيناه تفتشان عن المكان الذي تنزوي فيه السيارة، ودار حول المدفن وهو يحد بصره، ولا يعثر على ضالته، حتى بلغ ضلعه الجنوبي، فتراءى له شبح هيكلها راقدا على بعد، مضى نحوها مصمما، ثم ما لبث أن أحنى ظهره حتى انخفض رأسه إلى مستوى ركبته، واقترب منها فوضح لأذنيه أن الصمت يتخلخل بهمسات مغرقة في السر، سيذعر قلب هانئ، وتتبدد مسرة، ولكن لا ذنب لك، الاختلال يطبق علينا مثل قبة السماء، وقديما قال رءوف علوان: إن نوايانا طيبة ولكن ينقصنا النظام. واشتد اقترابه فيما يشبه الزحف، حتى قبضت راحته على مقبض الباب، ونفحته حرارة النفثات، شد على المقبض وجذب الباب بقوة هاتفا: لا تتحرك!
وانطلقت من عنف المفاجأة آهتان، ولاح له الرأسان وهما يتطلعان إليه في فزع. لوح بالمسدس قائلا بوحشية: سأطلق النار لأدنى حركة، اخرجا!
Неизвестная страница