282

Уроки шейха Абдурахмана ас-Судайса

دروس للشيخ عبد الرحمن السديس

Жанры

من معاني الهجرة هجر المعاصي
أمة الهجرة والجهاد: إن من أبرز ما يصور معاني الهجرة -يا رعاكم الله- الأخذ بتعاليم الإسلام التي جاء بها صاحب الهجرة ﷺ، والتجافي عن الهبوط إلى مستنقعات المعاصي والآثام، وهذه هجرة لا يعذر مسلم في تركها لقوله ﷺ: ﴿المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه﴾ أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو ﵄.
ومن أكبر ما يترجم عناية الأمة بالهجرة النبوية، هو التمسك بمنهج صاحب الهجرة ﵊، والتزام سنته وأطر النفوس على الهجرة في كل صورها ومعانيها، إما بمعناها الشرعي الخاص، بالانتقال إلى حيث العزة والمنعة وإقامة الدين، أو بمعناها العام بهجر المعاصي بكل أنواعها، وإن وقائع الهجرة النبوية -يا عباد الله- ليست قصصًا تورد ولا روايات تسرد، ولانعوتًا ومدائح تردد، ولا احتفالات تقام، لكنها عقيدة وانتماء، وعمل واهداء، واتباع واقتداء، وجهاد وافتداء، والله ﷿ يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:٦٩].
يا أمة محمد ﷺ: إن في هذا الحدث العظيم من الدروس والعبر ما لو استلهمته أمة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه لتحقق لها عزها المنشود، ومجدها المفقود، ومكانتها المرموقة بين العالمين، ولعلمت علم اليقين وهي تعيش على أبواب قرن جديد، بل على مفترق طرق وتشعب سبل، أنه لا حل لمشكلاتها، ولا صلاح لأحوالها إلا بالتمسك بإسلامها، والتزامها بإيمانها وعقيدتها، فوالله ثم والله ما قامت الدنيا عبر التاريخ إلا بقيام الدين، ولا نال العز والنصر والتمكين إلا لما خضعوا لرب العالمين، وهيهات هيهات أن يحل أمن وأمان، ورخاء وسلام واطمئنان، إلا باتباع نهج الأنبياء ﵈: ﴿فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه:١٢٣ - ١٢٤].
إنه متى تذكر المسلمون هذه الحقائق الناصعة، وعملوا على تطبيقها في واقع حياتهم، كانت هي السلاح الفاعل التي تقاتل به، والحصن الحصين، والدرع الواقي المتين الذي تتقي به في وجه الهجمات الكاسحة، والتكتلات العالمية والمؤامرات الدولية، والصراع التي تعيشه قوى الأرض جميعًا، فالقوة لله وحده: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [البقرة:١٦٥].

38 / 5