كلما خلا إلى نفسه تساءل: «هل بقيت في الحياة بمعجزة لأعمل حمالا؟!» .. وتساءل أيضا: «لم لم يهجرني سنجام في اللحظة الحرجة كما هجر قمقام صنعان الجمالي؟» .. وامتلأ بالحيرة كوعاء مكشوف تحت المطر، فقادته قدماه إلى دار الشيخ عبد الله البلخي. قبل يده وتربع أمامه وهو يقول: إني غريب.
فقاطعه الشيخ: كلنا غرباء. - اسمك كالزهرة يجذب إليه شوارد النحلات.
فقال الشيخ: الفعل الجميل خير من القول الجميل. - ولكن ما الفعل الجميل؟ .. هذه هي مشكلتي! - ألم يصادفك عند مجيئك رجل حائر؟ - أين يا مولاي؟
فأجاب بهدوء: بين مقامي العبادة والدم؟
فارتعد خوفا وقال لنفسه: إنه يرى ما وراء الحجاب .. وقال متنهدا: في الليلة الظلماء يفتقد البدر.
فقال الشيخ: عرفت من التلاميذ ثلاثة أنواع. - هم السعداء في جميع الأحوال. - قوم يتلقون المبادئ ويسعون في الأرض، وقوم يتوغلون في العلم ويتولون الشئون، وقوم يواصلون السير حتى مقام الحب، ولكن ما أقلهم!
فتفكر عبد الله مليا، ثم قال: ولكن العباد في حاجة إلى الرعاية.
فقال دون أن يتخلى عنه هدوءه: كل على قدر همته.
فتحدى تردده قائلا: إنما قصدتك يا مولاي ...
وعثر في الصمت كأنما ليجمع أفكاره فقال الشيخ: لا تحدثني عن مقصدك. - لماذا؟ - كل على قدر همته!
Неизвестная страница