5
عبد الله الحمال ماض في دورانه بلا توقف .. في الأزقة المسدودة والحواري الحلزونية وأحياء التجارة والحرف وطرق المراكب وميادين الرماية والصيد والإعدام والبوابات الضخمة تقوم مقام الحدود، والروائح تنتشر كالعناوين؛ رائحة العطارة النافذة والعطور المخدرة والأقمشة المدغدغة والأطعمة الفواحة والجلود العطنة .. يمر برسمية وأكرمان، وأم السعد وحسنية، يلقي التحية بلسان يتردد في هذا العالم وبقلب سكن في العالم الآخر .. وفي تجواله عرف فاضل صنعان ووثق علاقته به .. من الناس من حفظ عهده مثل حسن العطار ونور الدين، ومنهم من تجنبه تجنبا للشيطان .. وأشفق عبد الله من أن تتفشى حكاية العفريت فتقضي على مستقبل أكرمان وحسنية اللتين يؤهلهما إعدادهما لخيرة الزيجات .. وأحب فاضل صنعان لجده وتقواه وشجاعته فجعل من سلم السبيل محط راحته في نهار العمل يلتقيان فيه ويتبادلان الحديث .. وذات مرة قال له: إنك شاب تقي لا تفوتك فريضة، فلم لا تصون عفتك بالزواج؟
فقال فاضل بأسى: لا قبل لي بنفقات الزواج. - القليل يكفي! - لي حياء وكرامة.
فقال عبد الله بإغراء: بين يديك أكرمان.
التقت عيناهما في ابتسامة كاشفة عن أسرار كثيرة، وقال فاضل: وأنت يا عم عبد الله ناهزت الأربعين أو فتها دون زواج؟
فقال الحمال بوضوح: إني أرمل، وأود أيضا أن أصون عفتي! - يخيل إلي أنك في غير حاجة إلى خاطبة!
فقال بهدوء: ست رسمية أم أكرمان!
فضحك فاضل وقال: فلننتظر قليلا ثم نتقدم معا. - ولم الانتظار؟ - حتى تمحى ذكرى جمصة البلطي!
فانقبض صدره .. إنه أراد رسمية بدافع من وفائه وتقواه .. لو أطاع هواه ما اختار إلا حسنية .. ويوم تقبله رسمية سيسعد من قلبه نصف ويبكيه نصفه الآخر.
6
Неизвестная страница