ونظر إلى الأمام وقال: لقد وصلنا حلوان. •••
أمسكت حقيبتها الصغيرة وسارت إلى جواره يتقدمها صبي صغير ظل يسير في طرقة طويلة متعرجة، ثم وقف أمام باب عليه رقم، وفتح الباب وانحنى في دأب ينتظر دخولهما.
واصطدمت عيناها بالسرير الواحد الذي يتوسط الحجرة، لكنها تجاهلته وسارت إلى النافذة وفتحتها وأطلت منها على الليل الساكن الرهيب تبرق فيه النجوم، وتنهدت وهي تستنشق هواء الليل الدافئ وقالت: المنظر من هنا رائع!
وشعرت به يقف إلى جوارها ويتطلع معها إلى الأفق البعيد، لكنها استطاعت أن تضبط عينيه وهما تختلسان رغما عنه نظرات خاطفة وجلة إلى السرير.
وأسندت مرفقها إلى النافذة وشردت نظراتها بعيدا وعادت بها إلى القاهرة، إلى حجرة مستطيلة، ومكتب صغير، وهو يجلس أمامها، بين شفتيه كلمات متعددة المعاني، وبين عينيه نظرات سحيقة الأغوار تسحق قوتها وغرورها وتجعلها تنكمش عند ركبتيه وتتكور، وتدفن رأسها بين كفيه، وتلهث في صمت بعاطفة عنيفة حبيسة لا تجد سبيلا إلى الخلاص، حتى حينما يشدها إليه ويذيب كيانها بين ذراعيه، وتظن أن عاطفتها قد ذابت هي الأخرى مع كيانها وتفرح بالخلاص، ولكن حين يبعد عنها ذراعيه تسترد كيانها وتسترد معه عاطفتها عنيفة كما كانت، حبيسة كما كانت، كأنما لم تفرج عن شيء منها.
ويعود إليها الشوق، ويعود إليها القلق، ويعود إليها التساؤل الحائر بلا جواب:
لماذا هو بالذات؟
لماذا لم يكن رجلا آخر؟
وهل يمكن أن يكون رجلا آخر؟
هل يمكن أن تعرف؟! •••
Неизвестная страница