من أجل المعرفة
العربة البيضاء الصغيرة تنطلق بسرعة على الشارع العريض الناعم، وهي تستند برأسها على حافة النافذة، ونسمة الليل الدافئة تتخلل شعرها وملابسها، وتسري إلى جسدها فتبعث في روحها خدرا جديدا ترتخي معه نظراتها المتكسرة على صفحة النيل؛ لتلتقط من حين إلى حين صورة جانبية للأصابع العريضة التي تلتف حول عجلة القيادة في قوة وحماس، والعينان شبه الزرقاوين تتطلعان إلى الأمام في حدة تنم عن شوق عارم إلى بلوغ نهاية الطريق.
وأخرجت رأسها من النافذة ليداعب الهواء الدافئ شعرها وبشرتها، وسمعته يقول وهو يخطف إليها نظرة متلهفة: سنصل بعد قليل.
قالها بزهو؛ ذلك الزهو الذي يملأ الرجل حين يعتقد أن المرأة قد أحبته وأنه قد ملكها، وحملت نسمة الليل الرقيقة عن شفتيها ابتسامة ماكرة وطوحت بها بعيدا عن عينيه، وقالت: الليل في حلوان جميل.
ورمقها بنظرة مشحونة بالشوق وقال: أنت أجمل من الليل.
وهزها الحنين الصادق في عينيه، فأطرقت رأسها في خشوع واحترام، ولمحت يده وهي تترك عجلة القيادة لتبحث عن يدها، فأمسكت بها في حنان وعطف.
وسمعته يقول وهو يضغط بقوة على يدها: أحبك.
وأغلقت شفتيها في صمت.
لكنه سألها: هل تحبينني؟
فقالت وهي تقذف بنظراتها خارج النافذة: ألا ترى هذه الأنوار؟
Неизвестная страница