قلب السكرتير الظرف الكبير بين يديه وقرأ ... حضرة صاحب السعادة وحيد بك عفيفي رئيس مجلس إدارة شركة الأثاثات المنزلية، سري ولا يفتح إلا بمعرفة سعادته مع تحيات فرغلي فهيم بحسابات الشركة. وازدادت دهشة السكرتير حين وجد الظرف مغلقا بالشمع الأحمر في ثلاثة مواضع من غطائه وابتسم في استخفاف ونظر إلى فرغلي ثم عاد فنظر إلى الظرف. - ما كل هذا يا أستاذ؟ أهي أحراز نيابة؟ - حين يطلع عليها سعادة البك سيعرفها. - أليس من المفروض أن أعرفها أنا قبل أن أدخلها إلى سعادة البك؟
وقال فرغلي في أدب شديد أقرب إلى الذلة: يا سعدون بك لو كانت الشركة تريدك أن تعرف كل ما يعرفه سعادة رئيس مجلس الإدارة لعينتك أنت رئيسا لمجلس الإدارة. - أستاذ فرغلي، أنت قليل الأدب. - يا سعدون بك هذه صفة لا أستحقها، فلو كنت كذلك لقلت لسعادتك يلعن أبوك ولكنني ... - اخرس امش اخرج من ... - كما ترى أنا رجل مؤدب، ولم أقل لسعادتك يلعن أبوك. - يلعن أبوك أنت ابن ستين كلب. - وهكذا يا سعدون بك يتضح لسعادتك أنه لست أنا من يمكن أن يقال عنه قليل الأدب. - أنا يا ولد؟! - يا سعدون بك كلمة أخرى وستجد حذائي على نافوخ سعادتك. - ما هذه المصائب؟! من أي بلوى قذفت علينا؟! يا إدريس يا إبراهيم ... والله لأخرب بيتك يا صايع يا ... سعادة البك.
كان وحيد بك قد أصبح في وسط حجرة السكرتير ورأى سعدون وهو في حالة هياج شديد، وأمامه شاب يرتدي حلة جديدة متنافرة الألوان سيئة التفصيل، ورباط عنق يصرخ بأنه خلق ليلبسه من لا يعرف عن الأناقة شيئا، والشاب هادئ وعلى فمه ابتسامة تؤكد أنه يمكن أن يكون أي شيء إلا طرفا في هذه الخناقة التي يكاد أن يموت فيها سعدون من الغيظ.
وانكتم سعدون أو انغلق فمه، أما وجهه فما زال يصرخ وما زال يقول كلاما كثيرا، وأقبل السعاة وامتلأت الحجرة بموظفي الحجرات المجاورة وراح وحيد بك يقلب نظره في الواقفين جميعا ثم قال ماذا جرى؟
وتقدم فرغلي في خطى ثابتة إلى مكتب سعدون وأمسك الظرف وقدمه في استحياء وأدب إلى وحيد بك. - سعادة البك هذا الظرف لك.
وأمسك وحيد بك الظرف وراح يقلبه بين يديه وكلما قلبه ازدادت دهشته وصاح في اهتياج: يا أفندي أنت، ألم تأت أمس إلى بيتي وأرسلت لك أمرا ألا تجعلني أراك في البيت أو الشركة. - حصل يا سعادة البك. - فلماذا جئت إلى مكتبي؟ - أنا يا أفندم لم أطلب من سعدون بك أن يستأذن لي عليك تنفيذا لأوامر سعادتكم، كل ما طلبته أن يوصل هذا الظرف إلى سعادتك. والآن وقد وصل الظرف فأنا آسف أن الظروف جعلت سعادتك تراني، ولكن سعادتك تأكد أن هذا لن يحدث مرة أخرى إلا إذا أمرت سعادتك. عن إذن سعادتك، شكرا يا سعدون بك، آسف يا عم إدريس يا عم إبراهيم آسف ... آسف يا بكوات ... عن إذنكم.
وخرج فرغلي من الحجرة بطريقة تمثيلية عجيبة فقد راح يتراجع بظهره إلى الباب، وعيناه على وحيد بك الذي تولاه الذهول الذي تولى جميع الآخرين، وحين أحس فرغلي أنه قريب من الباب استدار في هدوء ولم تفت أذنيه أوامر وحيد بك كل واحد يروح لشغله ... مع السلامة. •••
لم يدر وحيد ماذا يفعل؛ هل يستدعيه فورا فينكشف كل الذي يريده أن يختفي؟ هل ينتظر؟ لا يستطيع! دق جرس السكرتير ودخل سعدون وآثار حمرة غاضبة ما زالت على وجهه. - أريد ملف هذا الأفندي. - لا بد من رفته فورا يا سعادة ... - هات ملفه وبطل غلبه. - أمرك يا أفندم أمرك.
كانت الساعة تقترب من الرابعة حين وقفت سيارة رئيس مجلس الإدارة على باب العمارة التي يقطنها فرغلي، ولم تكن الساعة قد تجاوزت الرابعة حين كان فرغلي جالسا إلى وحيد في غرفة مكتب وحيد بفيلته التي لم يستطع فرغلي في أمسه أن يتخطى باب حديقتها. - أوامرك. - مكاسب هذه السرقات مائة وخمسة وعشرون ألف جنيه. - نعم؟! - أنا خريج تجارة يا سعادة البك. - ربما كان المبلغ قريبا من هذا. - ليس قريبا يا سعادة البك، المبلغ هكذا تماما. - ليس هذا نصيبي وحدي. - هذا نصيب سعادتك وحدك. - هل جننت؟ - نصيب مدير الشركة ستون ألف جنيه، والسكرتير العام خمسة وعشرون ألفا، ورئيس العقود ورئيس الحسابات عشرة آلاف لكل منهما.
وهوم الصمت تماما على الحجرة ولم يفتح فرغلي فمه. واضطر وحيد أخيرا أن يقول. - النهاية ... طلباتك. - عشرون في المائة. - هل جننت؟ - من كل واحد فيكم. - هذا مستحيل! من أين؟ - حساب سعادتك في البنك مائتان وخمسة وعشرون ألف جنيه ومائة وخمسة مليمات. وانتفض وحيد واقفا. - هي حصلت حسابي في البنك. - أنا لي وسائلي.
Неизвестная страница