2
أيها الناس، إنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى، وإن لكم معادا يحكم الله فيه بينكم، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض. واعلموا أن الأمان غدا لمن خاف ربه وباع قليلا بكثير وفانيا بباق، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيخلفها من بعدكم الباقون كذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين، ثم أنتم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله قد قضى نحبه وبلغ أجله، ثم تغيبونه في صدع من الأرض، ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وواجه الحساب غنيا عما ترك فقيرا إلى ما قدم، وايم الله إني لأقول لكم هذه المقالة، وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما عندي، فأستغفر الله لي ولكم. وما تبلغنا حاجة يتسع لها ما عندنا إلا سددناها، ولا أحد منكم إلا وددت أن يدي مع يده، ويحمي الذين يلونني حتى يستوي عيشنا وعيشكم، وايم الله إني لو أردت غير هذا من عيش أو غضارة لكان اللسان مني ناطقا ذلولا عالما بأسبابه، لكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة دل فيها على طاعته ونهى فيها عن معصيته. (8) أبو حمزة الخارجي
دخل أبو حمزة مكة وهو أحد نساك الإباضية، فصعد منبرها متوكئا على قوس له عربية، فحمد الله وأثنى، ثم قال:
يا أهل الحجاز، أتعيرونني بأصحابي وتزعمون أنهم شباب؟ وهل كان أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
إلا شبابا، أما والله إني لعالم بتتابعكم
3
فيما يضركم في معادكم، ولولا اشتغالي بغيركم عنكم ما تركت الأخذ فوق أيديكم شباب والله مكتهلون في شبابهم، غضيضة عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم، أنضاء عبادة
4
وأطلاح سهر. نظر الله إليهم في جوف الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مر أحدهم بآية من ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية من ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه موصول، كلالهم بكلالهم، كلال الليل بكلال النهار، قد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وأنوفهم وجباههم، واستقلوا ذلك في جنب الله حتى إذا رأوا السهام قد فوقت، والرماح قد أشرعت، والسيوف قد انتضيت، ورعدت الكتيبة بصواعق الموت وبرقت؛ استخفوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله، ومضى الشباب منهم قدما حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، وتخضبت بالدماء محاسن وجهه فأسرعت إليه سباع الأرض، وانحطت إليه طير السماء، فكم من عين في منقار طير طالما بكى صاحبها في جوف الليل من خوف الله! وكم من كف زالت عن معصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في جوف الليل بالسجود لله! (9) الأحنف بن قيس
Неизвестная страница