تبين لك مما مر أن للرياضة التنفسية تأثيرا كبيرا في الصوت لحفظ جمال نغمته، وقوة نبرته، وسعة مرماه، وقد كان قدماء اليونان يعنون بها ويجعلون تربية الصوت فنا قائما بنفسه له أساتذة يتوفرون على درسه، كما روى تيوفراست، حتى إن ديموستين تلقى دروسا فيه، وتخرج على الممثل ساتيروس.
وبعد أن يملك الخطيب عنان تنفسه ينصرف إلى الاهتمام بصوته، وتصريفه في الوجوه التي تلائمه دون أن يفقد من تأثيره أو يقصر دون غايته، بل يستطيع حينئذ أن يصلح ما فيه من عيوب بالصبر والتربية، فإن لبعض الأصوات رنة غير مستحسنة ولا خفيفة على الأذن، فبالعادة والمثابرة يستطيع أن يتغلب عليها، ويبدل منها رنة ألطف وقعا وألذ سمعا.
ولا تنحصر تربية الصوت في الرنة بل تتناول النبرة والقوة؛ ولهذا يجدر بالخطيب أن يتخذ درجة موافقة في بداية خطابه، فلا يرتفع كثيرا لئلا يضطر إلى الهبوط عياء قبل الختام. وقد ذكرنا ذلك في فصل المنبر فليراجع.
صحة الصوت
بعد أن شرحنا لك ماهية الصوت وتركيب آلاته، وأظهرنا أن تجاويف الفم والأنف والحلق والحنجرة والصدر تهتز معا بالصوت الخارج من المزمار، لم يبق صعوبة لندلك على الطرق التي يجب انتهاجها لحفظ هذا الصوت وتقويته، فإن كل ما من شأنه أن يهيج الأغشية ويذهب بمرونة غضاريف الحنجرة، ويؤذي الأوتار الصوتية ويبدل من نعومة الغشاء سطحا خشنا ذا نتوء وحبيبات يؤثر في الصوت نغمة وصفاء وقوة وجلاء.
فالتدخين والخمرة والأشربة الساخنة أو المثلجة، والإفراط في الأكل ، وخصوصا اللحوم ، كل هذا يضر بالصوت ضررا بليغا لتهييجها الأغشية إما بالحرارة وإما بالطعم.
والعناية الصحية تكون بغسل الفم والأسنان بعد الأكل وقبل التكلم، فإن غدارة الأكل الباقية خلال الأسنان تجلب الريق بكثرة وتفسد الصوت.
وأحسن ما يغسل به الفم هو الماء القراح البارد مدة عشر دقائق.
ولا تقتصر المداواة على هذه الوسائل الموضعية، بل تمتد إلى الصحة العمومية من كساء وسكن وما شاكل، فالسكن يكون في مكان مطلق الهواء نظيفه، بعيد عن تقلبات الجو وكثرة حرارته. ويشترط في اللباس أن يكون واسعا لا يضايق الصدر، ولا يضغط على العنق؛ فيجلب بضغطه تضخم الغدد واللوزتين واحتقان الأغشية الحلقية، ويستحسن لبس الصوف أو الحرير على مدار السنة لأنهما يحفظان حرارة الجسم، ويقيان من البرد المفاجئ في حالة العرق، ما لم يكن الخطيب متعودا على البرد فيلبس ما شاء. على كل حال تقتضي الحكمة أن لا يخرج الإنسان من غرفة ساخنة إلى أخرى باردة دون اتخاذ الحيطة لذلك.
أما الاستحمام فهو ضروري على شرط أن يكون قصير المدة؛ لأن رطوبة هواء الحمام تؤذي الصوت، ومن كان مستعدا للزكام فالأولى استحمامه بالماء الفاتر صيفا وشتاء، وبعد الفاتر يصب باردا على بدنه، ثم ينشفه ويبقى تحت الغطاء عشر دقائق.
Неизвестная страница