المبالغة:
عندما يفرط فيها بلا حساب. (4)
الكذب:
عندما تأتي مخالفة للفكر والعواطف.
قلنا إن الإشارة لغة النطق؛ ولهذا كان لها مثله قواعد، فكما تتميز بعض الألفاظ عن سواها، ويقف المتكلم عندها لأهميتها تمتاز بعض الحركات فيقف بها عند هذا الظرف ، أو ذاك الفعل أو تلك الصفة. وإذا اجتمعت صفتان في جملة فالإشارة تكون للصفة الأخيرة، كما لو قلت: هذا رجل عاق خائن. فالإشارة يجب أن تكون للخيانة دون العقوق، وقس عليه. وكلما كان تدريج في التصورات كان مثله تدريج في الكلمات، وكان مثله تدريج في الإشارة؛ لأنها - كما قلنا وأعدنا - لغة مكملة للنطق وخادمة له، وبدونها لا يكون للخطاب أثره المطلوب.
وعلى الخطيب أن يكون طبعيا ويحمل في نفسه شرارة الإيمان بما يقول؛ ليؤثر من غير صراخ ولا تصنع. وكل المواعظ والخطب لا تجدي فتيلا إذا لم يعرف قائلها أن يترجم بإشارة أو حركة ما لا يمكن الكلام أن يعبر عنه، وكم من إشارة تغني عن جملة طويلة. (5) السحنة
يجب أن تشارك ملامح الوجه والألحاظ حركات اليد ونبرات الصوت، وإلا كان الخطيب باردا لا حياة في بيانه ولا قوة في برهانه.
إن في العيون لغة تمثل الرجاء والأمر والتعجب والسرور واليأس والسخرية والاحتقار والغضب والحب وما إلى ذلك، وفي ملامح الوجه الشباب والهرم والصحة والمرض والألم والقوة وما شاكل.
فالشباب والصحة والغبطة تجدها في ارتفاع خطوط الوجه، كما تجد المرض والضعف والألم في انخفاضها، وعليه يسهل على الخطيب أن يخلق ملامح الوجه كما يريد؛ لأن الصورة البشرية لا تمثل في حال الراحة المطلقة إلا خطوطا مستقيمة، فإن أردت أن تظهر انتباها بدون تهيج فبارتفاع خطوط الوجه قليلا، وإن أردت إظهار الرضى والسرور زادت الخطوط ارتفاعا إلى أن تبلغ الفرح الأقصى فترتفع الخطوط ارتفاعا عظيما، وإن أردت أن تظهر قلقا أو تفكيرا فيكفي أن تخفض الخطوط قليلا، أو خوفا فتزيد خفضها، وهكذا إلى أن تمثل لك الألم والعذاب بانخفاضها انخفاضا كاملا، ومتى أضفت إلى هذا الانقباض انقباضا عصبيا فقد عبرت أحسن تعبير عن الغضب والاحتقار والبغض.
كل هذه الحركات لا يحتاج إلى الدلالة بها في آن واحد، ولا يستفيد منها كل خطيب، والعبرة في أن يكون مجموع الهيئة مطابقا معنى الكلام موافقا فكرة المتكلم؛ قال لاروشفوكولد: البلاغة هي في الصوت والملامح مثلما هي في اختيار الكلام.
Неизвестная страница